لقاء المخابرات الجزائرية مع الموساد! (2)

عبد الحميد جماهري

كيف نصحني «تبون» بالاتصال بالمخابرات

 

توالت البارات التي حازها حميد صياد. الملحقة، ثم » الانترناسيونال».بويلدينغ أمام محطة القطار بمونبارناس، الساعة، لولوج، الأمراء، شارع مونتمارت، قوس قزح مقابل محطة اوستيرليتز لوريان في ساحة كليتي، وكلها مناطق استراتيجية. الزبائن من كل حدب وصوب، أغلبهم شباب وطلبة، الملايين من الفرنكات تتراكم. في الفترة ما بين 1990و1992 أضاف حميد صياد عشرة بارات إضافة إلى فندق، إلى لائحة ممتلكاته. وتأسست لذلك شركة جمعته هو وشخص آخر مهم اسمه ليفيك Leveque.، واستثمرت الشركة وقتها 90 مليون فرنك فرنسي، أي 30 مليون أورو حالية.
بدأت المشاكل والمعاناة، بعد أن أصبح الجزائري هو وشريكه مزعجين في الوسط. وبدأت الأخبار تروج عن تبييض الأموال أو التعاون مع الجنرالات الجزائريين.. كان تعرف حميد صياد على الفرنسي جان ماكسيم ليفيك حاسما في مساره، الذي كان من سلالة خاصة في فرنسا وخريج المدرسة الوطنية للإدارة، الشهيرة. فوالده كان عالم فضاء مشهورا، وهو عمل مستشارا للجنرال دوغول قبل أن يصبح ابتداء من 1976 الرئيس المدير العام لإحدى أكبر أبناك القرض التجاري الفرنسي. إلى حين أعفاه اليسار عند وصوله إلى السلطة 1982. بعد ذلك أسس الاتحاد الوطني للمبادرة والحرية، بشعاره الليبربالي المتوحش وقتها . قاده مساره إلى رئاسة بنك «ليوني» في 1986، ثم أسس ايبسا انترناسيونال بنك . يحكي صياد أن لقاءه الأول بهذه الشخصية التي غادرت عالمنا بعد مسار متعرج سنة 2014، كان بفضل ابن شقيقه سيلفيان ليفيك، وكان المكان هو مطعم «الفوتيكس» المشهور.
دار الحديث عن »إمبراطورية« الصياد وحاناته الباريسية، وعن الاتهامات التي تطارده. وكان جان ماكسيم ليفيك خبيرا في مثل هاته الأشياء، وقد ظهر ذلك منذ بداية الحديث: لقد خلقت لنفسك ناسا يغارون وحاسدين . ولعل شراء الحانات لوحدها لا يكفيك ولا يكفي عائلة ليفيك.
من هنا فهم صياد بأن ليفيك يريد أن يكون شريكه. وبعدها دعاه »إلى الابتعاد عن الصفقات الصغيرة التي لا تضم في عقودها امتلاك الجدران أي البنايات، وعليه فإن امتلاك الزبائن لوحده غير كاف، واقترح عليه شراء فندق «مونرو»، الذي يوجد في شارع باريس الشهير الشانزيليزيه. عوض شراء عشرات الحانات الصغيرة التي تتبعها العين والمراقبين والحاسدين والمتربصين.
لتشجيعه أكثر قال الخبير الشهير إنه مستعد للدفع له وتمويله في اقتناء «مونرو». وهو بدوره كان يدرك بأن أثمنة العقار ستنفجر لا سيما في المثلث الباريزي حول شارع الشانزيليزيه.، والذي صار يغري القطريين والسعوديين.
ومن المصادفات التي تحسب للحظ أو للقدر أن خبرا شاع في الوقت ذاته أن مطعم «الفوتيكس» الشهير كان بدوره معروضا للبيع، المطعم الذي تصبح باريس تعيش على إيقاعه، منذ بداية القرن العشرين، المطعم الذي اشتهر بزيارة روزفلت وأغاخان وغيرهما من كبار العالم، المطعم الذي صنفت طبقته الأرضية ضمن المآثر التاريخية منذ 1990..كان معروضا للبيع.
كانت فرصة للإعراض عن فندق «مونرو». والتفكير في اقتناء هذه التحفة التاريخية العالمية. بدأت الاتصالات مع من يهمه الأمر. وبدأت المفاوضات حول ثمن البيع. تحدد في 180 مليون فرنك فرنسي قديم، تم التوقيع على عقد البيع. فصار الفرنسي جان ماكسيم ليفيك المستثمر الرئيسي والبنكي. وعن تلك الصفقة كتب صياد يقول: تم التوافق على أن يكون فوكيت الذي كان على وشك تخليد مئويته، هو سفينة الطليعة لإمبراطوريته باعتبار أن المؤسسات الأخرى كانت تبدو صغيرة إلى جانبه«، أصيب الولد القادم من قرية «عزازكة»النائية بالدوخة، دوخة الأعالي، وبات خائفا من تعثر قد يودي به.
وحدث بالفعل أن تسللت حجرة إلى حذائه، عن طريق إشاعة كما يقول هو، زعزعت كيانه وهزت إمبراطوريته.
»صباح ذات يوم من سنة 1992 توصلت باستدعاء من الشرطة المالية في باريس، وكان موضوعها حسب الشرطة هو »التحقيق حول تمويل الصفقات التي قمت بها. وصلت إلى مقر الشرطة لأنه لم يكن هناك سبب يجعلني لا أفعل ذلك .. أملاكي كلها تم اقتناؤها باحترام القانون، سواء كان فوكيت أو لا.
كان الموضوع نفسه موضع استجواب أمني، انتهى بعودة صياد إلى بيته وروتينه المهني.
وحدث ما لم يتصوره صياد مع نشر ما قال في أسبوعية VSD( جمعة سبت أحد ) الواسعة الانتشار، كان العنوان لوحده تهمة كبيرة : 17حانة باريزية تروج أموال قذرة،« وهو ما كان يعني حاناته هو بالذات. وفي المقال أشياء أخرى مخيفة من قبيل أن صاحب الحانات هو رجل له سوابق، وأن الأبناك لا تقرضه لهذا يضخ أموالا قذرة… إلخ..
تحولت الإشاعات إلى عبارات مكتوبة بحبر أسود على ورق أبيض. كان على المعني أن يبحث عن النصيحة والسند، فكان أول من لجأ إليه، هو صديق جزائري شغل منصب وزير الأشغال العمومية في عهد الرئيس الجزائري السابق الشاذلي بن جديد. الذي سبق أن تعرف عليه وهو على «كونطوار» إحدى حاناته. ، حيث كان يجلس عند زياراته لباريس. يقول صياد عن صديقه: كنا نتحدث في كل شيء ولا نخفي أخبار بعضنا البعض. كانت كلماته من ذهب بالنسبة لي».
بالعودة إلى تلك الفترة، نجد أن الوزير المعني كان هو تبون عبد المجيد، الذي بدأ حياته السياسية كوزير منتدب للحكومة المحلية من عام 1991 إلى 1992 خلال الأشهر الأخيرة من حكم الرئيس الشاذلي بن جديد… وهذا ما سيذكره صياد لاحقا.
يذكر صياد بأن تبون قال له حرفيا: من المحقق أنك ستكون كبش الفداء»الحيط لقصير»، وعليك أن تدافع عن نفسك والقضية ستأخذ حجما كبيرا، وعليه كان هو الذي نصحني بالاتصال بالمحامي الأستاذ مراد أوصديق، المحامي الجزائري المعروف في فرنسا، الذي يمكنه أن يربط لي الاتصال بالأجهزة الاستخباراتية في بلادي . وعبد المجيد تبون هو الذي أضاف قائلا، حسب المؤلف،» لقد أفهمني جيدا بأن تجاهل الاستخبارات سيكون خطأ كبيرا«..
نفذت نصيحة هذا الرجل الذي يملك خبرة ووزنا وربطت الاتصال مع المحامي، بعد أن علمت بأنني كنت ضحية شكاية كيدية كانت تستهدف في المقام الأول شريكي ليفيك …
قبل المحامي أو صديق الدفاع عني لكنه أفهمني بأنه ينتظر الضوء الأخضر من الأجهزة الاستخباراتية الجزائرية . بمعنى الوزارة الأولى.. لم تصدمني ملاحظته، وتفهمت أن يقوم بتحرياته لدى الجهات المسؤولة في الأجهزة..

الكاتب : عبد الحميد جماهري - بتاريخ : 11/01/2025