ما لم يفهمه ماكرون.. أو لم يرد فهمه 2/1

عبد الحميد جماهري

عندما دعا فرنسيون إلى تغيير الحرية بالمسؤولية في ثلاثية شعار الجمهورية

ما زلت أذكر، دهشتي السعيدة، في 27 أبريل الماضي، وأنا أقرأ وجهة نظر وقعها ثلاثة من الخبراء الأكاديميين في علم الأوبئة، من جامعة تولوز الفرنسية ، ذات العلاقة المميزة مع من يشتغلون مع المعهد الوطني للصحة والأبحاث الطبية (إينسرم)، هم جيروم بيرانجي وستيفان أوستريد وإيمانويل الصباغ ونشرتها يومية «لوموند» ، تحت عنوان فاتن،بعنوان يبدو أنه يليق بالوضع الحالي: «لنستبدل، مؤقتا، مفهوم الحرية في شعارنا الفرنسي بمفهوم المسؤولية!»…
كان في قلب المعادلة الرهان بين المصلحة العامة والمصلحة الفردية على ضوء الجائحة.
كان الموضوع الرئيسي الذي أطلق المناقشة غير المسبوقة يتعلق بـ «الأنظمة الإلكترونية» لتتبع الإصابات بالفيروس، وما أثاره من قلق، لاسيما المتعلق بالشرط الايتيقي أو القيمي..
وكم كان بودي لو أن النقاش الذي دفع به ماكرون والنخبة المتصارعة في معارك الانتخابات السابقة لأوانها، استقى قليلا من الحكمة، بل من الاستباقية وهو يرمي الحطب في نار السجال الدائر اليوم…
كم كان بودي لو أنه لم يستسلم لشياطينه وسلَّم لو أن الحرية تحرسها المسؤولية الجماعية، وتنَسِّبها الأوضاع التي تعيشها البلاد: كيف يمكن أن يتم »التقصير» في الحرية ، عندما يكون الأمر متعلقا بوباء قاتل، ويتم الإعلاء من شأنها عندما يكون هناك اتجاه قاتل، قد يعصف بتوازنات المجتمع ويسيء إلى العقائد، بما هي جزء من الحياة اليوم وغدا، وهي في صلب الحرية، عندما تكون مادتها هي… المعتقد؟
ألم يرافع هو نفسه بحيثيات حرية المعتقد، فكيف يحميها من حرية تسيء إليها؟

***—
‏ en raison de ces circonstances pandémiques, il nous semble nécessaire et justifié de protéger la santé publique, quitte à substituer au terme «liberté» de notre devise française, temporairement, le temps de la crise sanitaire, celui de «responsabilité» pour chacun d’entre nous

*****
منذ مدة ، والفرنسيون يعيشون على إيقاع ثنائية يريدون أن تهيكل كل نقاشاتهم: ثنائية الحرية والمسؤولية، التي استأثرت بالحديث منذ اندلع الفيروس، ودار الجدال وما زال على أشُده بين تيارين علنيين.. ومنذ البداية كانت الدولة في قفص الاتهام، وكانت تهمتها أنها تستعمل صحتهم ضد حريتهم.
والسؤال هنا ينبع من تلقاء نفسه: ألا تستعمل نفس المعادلة مقلوبة، تجعل الحرية ضد السلامة، بل وصارت الحرية ، تكمن في الصحة…؟
لقد قرأنا أعلاه كيف أن تجمعا لأطباء دعوا بصراحة إلى تعطيل قسم الحرية في شعار الجمهورية وتعويضه، في وضعية الكوفيد، بالمسؤولية،
وتابعنا فلاسفة يدعون إلى أن الحرية الآن تعني المسؤولية، والمسؤولية موجودة في الصحة، كما هي الحرية ذاتها..
وقالت الفيلسوفة Corine Pelluchon في حوار لها ما مفاده أن الوضع الوبائي أفهمنا أن الشرط الأول للحرية اليوم، هو الصحة
‏«Ce virus nous rappelle que la santé est la condition première de la liberté» ..( لو تون السويسرية يوم 14 مارس 2020)..
ومن هنا كان على مانويل ماكرون،أن ينسب الحرية عندما تهدد السلامة العقدية لمجموعة من بني البشر، وقد تفضي إلى الموت..
لا أن يعتبر أن الكاريكاتور، هو أقدس من نبي ملايير البشر.
إن أكبر توأم في تاريخ المفاهيم، هو هذا التوأم بين الحرية والمسؤولية…
ومسؤوليته تزداد كرئيس لمّا تكون السلامة العقدية موضع هجوم مجاني ومجانب للعقل.

الكاتب : عبد الحميد جماهري - بتاريخ : 28/10/2020