ماكرون، رئيس لا تُحْتَملُ خِفَّتُه
عبد الحميد جماهري
يثبت التاريخ أن فرنسا، كلما حاولت تجاوز الملكية، رمز السيادة، والحديث مباشرة مع المغاربة وقواهم الحية، ينتهي بها المطاف في تاريخ المنهزمين. ومحاولة الرئيس الجديد ماكرون، التوجه إلى المغاربة، في تجاوز صبياني للملك محمد السادس، هي صيغة محينة لتصرف عتاة الإدارة الاستعمارية، الذين اعتقدوا، في غرور بنوه على مهمة حضارية مزعومة، أن بإمكانهم التفاوض مع الحركة الوطنية وممثلي الشعب المغربي على استقلال بدون ملكية.
القصة معروفة لدى طلبة التاريخ وفي متون أدبيات المقاومة والتحرير في ذاكرة الوطنيين، وقد رواها الفقيد الوطني الكبير امحمد بوستة رحمه لله، كما رواها إدغار فور في مذكراته. يقول الزعيم بوستة إن حكومة فور التي كانت تفاوض المغاربة بعد تصاعد المقاومة وأعمال التحرير على إثر نفي محمد الخامس، اقترحت “استقلالا بدون ملك”، أي منح المغرب استقلاله وتعليق عودة محمد الخامس الى أجل غير مسمى، وقتها رفض المفاوضون باسم الشعب… وهنا عرت إدارة الاستعمار عن طبيعتها التحقيرية وقال ممثلها:« لم أكن أعرف أن الطوطم موجود في شمال إفريقيا»! ويعني بها عبادة شخص الملك.
كانت الصدمة قوية، وكان لسان حالها:«كيف يرفضون الاستقلال وقد منحناه لهم، إلا بحضور الملك محمد الخامس!»؟
واليوم، هل المساعدات أغلى وأنفس وأكثر ثمنا من الاستقلال؟
الجواب، قد يحتاج إيمانويل ماكرون من يعلمه إياه، أن يقرأ جيدا تاريخ بلادنا.
في البداية، ومع خير الزلزال، أعطى ماكرون لنفسه حقا، أعاد الى الأذهان الحق في التدخل باسم الإنسانية! قبل أن يتحدث إلى ملك البلاد، كما في أبسط درس في الديبلوماسية، وحدد الحاجيات ومتطلبات ما يريده الضحايا، وحالات النقص والحاجة، كما لو أن الزلزال ضرب منطقة “لالزاس لورين”، بل لو وقع ذلك لما تحرك بهذه الخفة « بالدارجة والفصحى معا» ثم تحدث باسم المغرب في اجتماع «G20»كما لو أنه يتحدث عن كاليدونيا الجديدة وعن مستعمرات ما وراء البحار!
وفي التوجه الى المغاربة مباشرة، نزق لا يُحتمل، وحول سياسي لا يمكن تفسيره سوى بالانتماء إلى مدرسة الجنرال جوان ومن ساروا على دربه في اعتبار أن فرنسا لها الحق في ممارسة وصايتها كما لو أن الحماية لاتزال سارية المفعول!
لقد فعل أقل من ذلك ولقي الجواب الحاسم، عندما قرر وهو يغادر قاعة للحفلات، تاريخ زيارة محتملة إلى المغرب في« أكتوبر القادم »! تحدث كما لو أن ملك المغرب بلا جدول أعمال للحكم وتدبير الدولة، وأنه سيستقبل ماكرون في أي لحظة يشاء هذا، حتى وهو يغادر قاعة للرقص!
في المشهد الذي نقلته وسائل التواصل، لماكرون وهو يتحدث إلى المغاربة، ما يدفعنا إلى الجزم بأنه يتصرف وكأن الدولة غير قائمة وأن الزلزال أسقطها وهدم بناءها المؤسساتي.
ذكرني المشهد بالرئيس الأمريكي أوباما وهو يدبر آثار زلزال هايتي 2010 بنزع السيادة عن الدولة وممارستها مكانها!
لن يحدث هذا أبدا مع مغرب محمد السادس بمبررات تاريخية وبشرية وسياسية، ومؤسساتيا أكبر!
لقد أثبت التاريخ المشترك أن النخبة السياسية الفرنسية التي تتعدى حدود السيادة، تعجل بنهايتها.
ولعل العقل التاريخي السليم يستحضر ان للدولة مخيالها التاربخي الدي سيفرض على فرنسا تصحيح الحول الرئاسي والعودة إلى جادة الصواب، عبر الطريق إلى… الصحراء.
الكاتب : عبد الحميد جماهري - بتاريخ : 14/09/2023