ملاحظات على هامش التعيينات الأخيرة…

عبد الحميد جماهري hamidjmahri@yahoo.fr

الكاستينغ والتحكيم… والقاسم الدستوري المشترك

التعيينات التي تمت، أول أمس، تقع تحت بند المجال الاستراتيجي، وبمقتضى القانون المنظم للتعيينات في المناصب العليا تطبيقا لأحكام الدستور، في دائرة ما يسميه أهل القانون، المجال الدستوري للسلطة الملكية.. المؤسسات المعنية كلها، يحكمها قاسم دستوري مشترك، هو الاستقلالية..
وهذه التعيينات، منها ما هو في حكم التجويد المؤسساتي، أي ما هو ذو طبيعة متعلقة بالدفع نحو الحكامة وربط المسؤولية بالمحاسبة، وفيه ما هو من باب تقوية الكاستينغ المؤسساتي، وتنويع الطاقم البشري لمؤسسات الحكامة الاستراتيجية.
وفيها ما هو معلل، بنص البلاغ.. وفيها ما هو إخباري، باقتضاب اللغة الإعلامية للبلاغ نفسه.
أولا، التعيين في رئاسة مجلس المنافسة، وطبقا للفصل 166 من الدستور، يعتبر مجلس المنافسة،هيئة مستقلة..
يأتي التعيين على رأسه بعد المجريات التي طبعت عمله، ذات الصلة بموضوع المحروقات، والقرارات التي اتخذها المجلس على عهد رئيسه إدريس الكراوي..
فضمن بلاغات الديوان الخاصة بالتعيينات، وحده بلاغ تعيين أحمد رحو، على رأس المجلس، مبني على وضعية، تطلبت التحكيم الملكي، على إثر اختلافات داخل المجلس، بخصوص ملف حارق هو ملف المحروقات.
إنه، من هاته الزاوية، تعيين مبني على وضعية تحكيم تم طلبه من ملك البلاد من مكونات مجلس دستوري، اختلفت في أحكام صادرة في قضية كانت تشغل الرأي العام، مؤسساتيا أو في الفضاء العام..
والواضح من عناصر البلاغ أن التعيين الجديد في مجلس المنافسة جاء:
* بعد رفع تقرير اللجنة الخاصة المكلفة من قبل جلالة الملك بإجراء التحريات اللازمة في موضوع الخلاف، وهي اللجنة التي عينها الملك في يوليوز 2020.
وقد كانت تتكون من رئيسي البرلمان، ورئيس المحكمة الدستورية، ورئيس المجلس الأعلى للحسابات، ووالي بنك المغرب، ورئيس الهيئة الوطنية للنزاهة والوقاية من الرشوة ومحاربتها، على أن يتولى الأمين العام للحكومة مهمة التنسيق لاجتماعاتها وعملها.
* التعيين جاء أيضا بعد وضعية الارتباك الناجمة عن القرارات المتضاربة لمجلس المنافسة، والمبنية، لاسيما في مسوغات القرارات المتخذة من طرف الرئيس السابق إدريس لكراوي، على «وجود توافقات محتملة في قطاع المحروقات»،كان لها ما كان من تداعيات…
والواضح من حيثيات البلاغ الصادر عن الديوان الملكي، أن التحكيم الملكي المبني على خلاصات اللجنة المذكورة، انتهى بتحميل المسؤولية إلى من دبَّر مجريات وتفاصيل الخلاف المرتبطة بقرارات المجلس، لا بمحتويات القضية نفسها والخلافات حولها…
كيف ذلك؟
بمقتضى عبارات البلاغ، فإن القرار بني على نقطتين اثنتين:
1/الـمخالفات المسطرية التي شابت مسار معالجة هذه القضية.
2/ التدهور الملحوظ الذي رافق سير المجلس ومناخ مداولاته .
ومعنى ذلك، فإن المسؤولية عادت إلى الرئيس، وتنقية الأجواء وتوفير مناخ العمل المطلوب تعني إعفاءه….
فالعيوب التي شابت الشكل، هي التي استوجبت القرار، وليس مضمون القضية نفسها.
النقطة الفارقة في هذا المضمار، هي أن البلاغ ذكر مايلي:
-اللجنة الخاصة لم يكن من اختصاصها دراسة جوهر هذه القضية الخلافية.
– هذه القضية الخلافية ما زالت معروضة على مجلس المنافسة.. وأن عليه درستها واتخاذ ما يستوجب إقراره.
والواضح أن تحميل الرئيس المسؤولية في تدبير القضية يحمل ثلاث رسائل مترابطة:
أولا : على رؤساء المؤسسات ذات الصلة بالحكامة، أن يتحملوا المسؤولية كاملة،وأن على كل واحد أن يدبر عمله بما يليق بالتجويد المطلوب في سير مؤسسات الحكامة..
ثانيا: إن جوهر القضية ما زال قائما، وإن التعيين الحالي في تنصيب الرئاسة الجديدة لم يسقط ما هو معروض عليه، وبالتالي فإن السيد رحو مطلوب منه أن يعطي رأيه في القضية مستقبلا.
ثالثا: التعيين الملكي، لا يجب أن يعتبر طيا للقضية الخلافية إياها بل هو قرار بخصوص تدبيرها، مسطريا وإجرائيا. مسطريا بالقول إن هناك خروقات، وإجرائيا بالقول إن مناخ الهيئة تأثر سلبا بالقضية.
والتعيينات الأخرى، ذات الصلة بالقضاء والنيابة العامة، وردت في سياق العمل بالقانون التنظيمي للسلطة القضائية، من جهة والقانون التنظيمي المتعلق بالنظام الأساسي للقضاء من جهة أخرى.
وكل ذلك تحت مظلة الفصل الدستوري 107، الذي يجعل من الملك ضامنا لاستقلال القضاء.
وهي مناسبة، في هذا الباب، للتذكير بالفهم العميق لاستقلال القضاء الذي يتجاوز سلطة التعيين التي يملكها ملك البلاد في هذا الشأن إلى فلسفة الاستقلالية ذاتها.
ويحسن بنا التذكير بأن الاستقلالية المعنية، ليست استقلالا بالقضاة ولا بالحكومة ولا بالبرلمان طبعا، بل هو من خلال ما عبرت عنه الرسالة الملكية إلى المشاركين في المؤتمر الدولي الأول للعدالة حول موضوع «استقلال السلطة القضائية بين ضمان حقوق المتقاضين واحترام قواعد سير العدالة»، الذي نظم في أبريل 2018 بمراكش. وتلاها مستشار جلالته عبد اللطيف المنوني حيث اعتبر استقلال القضاء حقا للمواطن وواجبا على القاضي، من خلال القول إن «مبدأ الاستقلال لم يشرع لفائدة القضاة، وإنما لصالح المتقاضين، وأنه إذ يرتب حقا للمتقاضين، فكونه يلقي واجبا على عاتق القاضي».
تعيين السيدة زينب العدوي، باحترامه لمبدأ صار قارا في التعيينات، لتقوية الحضور النسائي في المؤسسات الكبرى للبلاد، هو أيضا تكريس لنجاح سيدة مغربية وتتويج مسارها من أول قاضية في المجلس الأعلى للحسابات، إلى رئيسة له.
مجلس دستوري، حكمه في تاريخ عمله، حضور ذكوري بامتياز..
المجلس الذي تحكمه مقتضيات دستورية، من الفصل 174 إلى 150،منصوص هو بدوره على أنه « الهيئة العليا لمراقبة المالية العمومية بالمملكة، ويضمن الدستور استقلاله».
وقد تحملت سنة 1984 منصب أول قاضية للحسابات، قبل أن تتقلد سنة 2004 منصب رئيسة المجلس الجهوي للحسابات بالرباط. ظلت دوما قريبة من المحاسبة إذا شئنا، في مؤسسات ذات العلاقة بالعدالة وبحقوق الإنسان، وخبرة في تدبير السلطة الترابية، من خلال تجربتين..
التعيينات هاته، يتضح أنها ذات قاسم دستوري مشترك، هو الاستقلالية، وأنها تندرج في دينامية الحكامة التي طبعت فترة الكوفيد..
وقد سبقتها أخرى في آخر اجتماع للمجلس الوزاري بفاس، والذي طبعته القوانين الانتخابية ومشروع القانون المتعلق بالحماية الاجتماعية، إضافة إلى مصادقة المجلس الوزاري على مشروع قانون تنظيمي بتغيير وتتميم القانون التنظيمي المتعلق بالتعيين في المناصب العليا تطبيقا لأحكام الفصلين 49 و92 من الدستور : ويهدف إلى إدراج “صندوق محمد السادس للاستثمار” ضمن لائحة المقاولات العمومية الاستراتيجية التي يتم التداول في شأن تعيين مسؤوليها في المجلس الوزاري.

الكاتب : عبد الحميد جماهري hamidjmahri@yahoo.fr - بتاريخ : 24/03/2021