من أنغولا، يأتي التغير الأكبر؟

عبد الحميد جماهري hamidjmahri@yahoo.fr

وكالة الأنباء الأنغولية تنشر النص الكامل للخطاب الملكي إلى البرلمان

في خطوة غير مسبوقة في تاريخ التعاون الإعلامي والسياسي، سواء عندنا أو عند الآخرين، قامت وكالة الأنباء الأنغولية «أنجوب»، يوم الاثنين المنصرم، بتسليط الضوء على الخطاب السامي الذي وجهه جلالة الملك محمد السادس، إلى البرلمان، بمناسبة افتتاح الدورة الأولى من السنة التشريعية الخامسة من الولاية التشريعية العاشرة.
وحسب وكالة المغرب العربي للأنباء المغربية، «لاماب»، التي سبق لها أن عقدت شراكة معها في سنة 2018، نشرت الوكالة النص الكامل للخطاب السامي، الذي دعا فيه جلالة الملك إلى التحلي باليقظة والالتزام، ومواصلة دعم القطاع الصحي، في ظل الظروف التي فرضتها الأزمة الصحية وحفاظا على صحة المواطنين وسلامتهم..
وأشارت وكالة الأنباء الأنغولية إلى أن خطة الإنعاش الاقتصادي التي أعلن عنها جلالة الملك ترتكز على إحداث صندوق الاستثمار الاستراتيجي، مضيفة أن جلالته يتطلع لأن يقوم هذا الصندوق بدور ريادي، في النهوض بالاستثمار، والرفع من قدرات الاقتصاد الوطني، من خلال دعم القطاعات الإنتاجية، وتمويل ومواكبة المشاريع الكبرى، في إطار شراكات بين القطاعين العام والخاص..
وقد تابع المغاربة مضامين الخطاب وخارطة طريق المغرب القادمة.
غير أن العملية التي قامت بها وكالة الأنباء الرسمية، تستدعي بالفعل تنويها خاصا..
ذلك لأنها وكالة رسمية لبلاد كانت تعد، لنصف قرن، العدو الرسمي للمغرب في إفريقيا بخصوص قضيته الوطنية.
وكانت من الدول الأولى التي اعترفت بـ «جمهورية تيندوف»، في مارس 1976، وقدمت لها دعما دبلوماسيا كبيرا، مضطردا ومتناميا، وبانت ملامحه الواضحة، في الوقت الذي كانت فيه عضوا في مجلس الأمن الدولي بعد انتخابها في شهر أكتوبر من سنة 2014.
وعارضت أنغولا، إلى جانب الجزائر، انضمام المغرب إلى منظمة الاتحاد الإفريقي في يناير من سنة 2017، عندما قرر المغرب العودة الى أسرته المؤسساتية..
وبالرغم من الطابع الإعلامي، الرمزي لخطوة نشر النص الكامل لخطاب ملك البلاد، التي ناصبتها العداء، فإنها تأخذ منحى إيجابيا إذا علمنا أنه قد سبقتها خطوتان مهمتان في العلاقة بين البلدين..
تمثلت الخطوة الأولى في لقاء الملك محمد السادس بالرئيس جواو لورينسو، في نونبر من سنة 2017 على هامش القمة الخامسة للاتحاد الإفريقي الاتحاد الأوربي، التي احتضنتها أبيدجان بالكوت ديفوار وقتها تم الإعلان المشترك عن فتح فصل جديد في العلاقات الثنائية والاتفاق على فتح آفاق جديدة للتعاون في جميع الميادين..
وكانت القمة الأولى لقادة دول ورؤساء حكومات لجنة المناخ والصندوق الأزرق لحوض الكونغو،التي احتضنتها برازافيل عاصمة الكونغو، في أبريل من نفس السنة، مناسبة ثانية للتوجه نحو التطبيع الرسمي.
وكانت الخطوة الثانية، في طريق تصحيح العلاقات قد تمثلت في الزيارة الرسمية التي قام بها وزير الخارجية الأنغولي مانويل دومينغو أوغوستو إلى الرباط، لإعلان المغرب وأنغولا، بعد أكثر من ربع قرن من القطيعة، عن عودة الروح إلى الى العلاقة الثنائية..
وقتها أكد الوزير الأنغولي في لقاء صحفي مشترك مع نظيره المغربي، أن أنغولا ترغب في تعزيز العلاقات التي تجمعها مع المغرب، والاستفادة من التجربة التي راكمتها المملكة في عدد من القطاعات، لاسيما في القطاع السياحي.
وتحدث بوضوح عن الإمكانيات الكبرى للتعاون المغربي- الأنغولي.
والواضح أن أنغولا ظلت هي «كوبا» إفريقيا في ما يتعلق بالدعم المتواصل للانفصاليين وأوهامهم في الصحراء..
وقد تكون هذه الخطوة الإعلامية الأنغولية، مؤشرا لا يقل عن عودة العلاقات، في تحول إيجابي ، نحو مناخ جديد في تعامل أنغولا مع المغرب.
أنغولا في هذه الفترة، تعيش ما بعد الحكم الفردي للرئيس جوزيه إدواردو دوس سانتوس الذي حكم البلاد لمدة تقارب الأربعين سنة..
ومن المحقق أن تفكيك الإرث السياسي للحركة الشعبية لتحرير أنغولا، وقراباتها الخطيرة مع المعسكرات الستالينية، ليس بالأمر الهين، لهذا تبدو أنغولا متأرجحة بين شياطين الماضي وبين التحولات الواقعة في المغرب الحالي، بين الجوار الذي تمارس فيه جنوب أفريقيا تأثيرا قويا، ودوائر الدول المناهضة لنا من قبيل بوتسوانا والموزمبيق وناميبيا وجنوب إفريقيا، وبين التوجهات الجديدة للرئيس الحالي.
مهما صغرت الخطوة الإعلامية، فإنها بالنسبة لما يتعلق بنا، ذات دلالات كبيرة.. فمن كان يتصور فعلا أن وكالة «كوبا إفريقيا» يمكنها أن تنقل خطاب الملك المغربي..؟
الجواب عندما يقع ما لم يكن متوقعا، فإن شيئا ما تغير.. عميقا

الكاتب : عبد الحميد جماهري hamidjmahri@yahoo.fr - بتاريخ : 15/10/2020