نقاش اللجنة الرابعة وقضية الصحراء

عبد الحميد جماهري

يبدو أن التاريخ أعطى رأيه وأصدر حكمه حول تسجيل قضية الصحراء المغربية ( ومن ورائها الوحدة الترابية ) ضمن اللجنة الرابعة للأمم المتحدة، باعتبارها قضية تقرير مصير وتصفية استعمار.
ويتضح، بناء على الوقائع منذ تلك الفترة إلى الآن، ونحن على عتبة طي الملف، أن الأشياء تطورت باتجاه الدفع نحو سحب الملف من جدول أعمال تلك اللجنة، على أساس أن النجاح في كسب المعركة أصبح يقتضي ذلك .
والحكم الذي أدلى به التاريخ في الواقع هو الحكم الذي كان الفقيد الكبير عبد الرحيم بوعبيد، ينتظره، وهو يلقي التقرير السياسي في افتتاح المؤتمر الاستثنائي يوم 11 يناير 1975، الذي يستعد الاتحاديون والاتحاديات لتخليد نصف قرن على انعقاده!
أمام المؤتمر، الذي كان يترأسه الفقيد عبد اللطيف بنجلون، تساءل الفقيد بوعبيد :»هل أحسن المسؤولون المغاربة صنعا من الوجهة السياسية عندما قاموا بتسجيل هاته القضية في جدول أعمال الهيئة الأممية في سنة 1964 ؟ إننا نُمْسك قصدا، خصوصا بالنسبة لقضية وطنية على هذه الأهمية، أن نتحدث عن الماضي، إن التاريخ سيدلي بحكمه بناء على الواقع وعلى أعمال هؤلاء وأولئك.. «..
طبعا، تسجيل الموقف من طرف بوعبيد كان نابعا من مقاربة مشتركة بينه وبين كل أفراد الشعب وقيادته السياسية والعسكرية، موقف لا يرى المغرب، الدولة المستقلة صاحبة الكيان التاريخي، في موقع الطرف الذي عليه طلب رأي لجنة أممية حول تقرير المصير، وهو الذي تجند بعد ذلك في الدفاع عن القضية في 1974 وما بعدها ضمن وفود رسمية .
وهو موقف يعتبر جزءا أساسيا في تفكيره الذي كان يميل إلى إعادة بناء جيش التحرير عوض التحرير السلمي، ولهذا تحفظ في فرض نقاش سياسي، مهما كانت حيويته، عوض الشروع في معركة التحرير التي أعلنها الملك الراحل ابتداء من صيف 1974.
‮ ‬تسجيل القضية لم يكن متفقا عليه لأنه تم في سياق دولي لفائدة أنصار الجزائر، ولاسيما وأن التعامل مع أشغال اللجنة الرابعة لم‮ ‬يكن‮، ‬دوما، في‮ ‬مستوى الجدية المطلوبة،‮ ‬كما روى ذلك الفقيد مولاي‮ ‬المهدي‮ ‬العلوي، ‬الذي‮ ‬عمل‮ ‬ممثلا دائما للمغرب في‮ ‬الأمم المتحدة‮ في الثمانينيات‮،‮ ‬وما حكاه عن أشغال الدورة‮ ‬93 ‬للجمعية العامة للأمم المتحدة،‮ ‬التي‮ ‬احتضنت اجتماعات اللجنة الرابعة وعن مظاهر‮ ‬استئساد الجزائر داخل اللجنة‮.‬
وهنا كان رئيس الوفد المستشار الملكي‮ المرحوم رضا اكديرة‮،‮ ‬حسب شهادة الفقيد‮ ‬المهدي‮ ‬العلوي،‮ قد‮ «‬انتبه‮ ‬إلى أن‮ ‬غالبية البلدان التي‮ ‬صوتت مع الجزائر هي‮ ‬بلدان من العالم الثالث،‮ ‬في‮ ‬حين بقيت الدول الكبرى والدول دائمة العضوية في‮ ‬مجلس الأمن على موقفها المتوازن،‮ ‬مما‮ ‬يُشجع المغرب على بذل جهود مضاعفة،‮ ‬في‮ ‬المستقبل،‮ ‬لإعادة الأمور إلى نصابها مع هذه الدول‮».
‮ ‬أما عبد الرحيم بوعبيد الذي‮ ‬كان مبدئيا ضد تسجيل القضية في‮ ‬هاته اللجنة فقد كان تعليقه كالتالي‮:» ‬تصويت اللجنة الرابعة لن‮ ‬يكون نهاية العالم،‮ ‬ولن‮ ‬يقرر في‮ ‬مصير قضيتنا الوطنية الأولى‮».‬
والحقيقة اليوم هي‮ ‬هاته،‮ ‬وتدبير الموضوع بالرزانة والحكمة نفسها ما زال مطلوبا،‮ ‬ والمطلب الآن أن نعترف أننا أصحاب»الخطأ» السياسي في وضع القضية على جدول تقرير المصير والتصرف على أساس ذلك بعد أن عملنا على تطور القضية لفائدتنا.
ثانيا، أن المغرب من حقه أن يسائل الأمم المتحدة عن وجود قضيته، ( ولعلها الوحيدة في ذلك ) أمام أنظار هيئتين من هيئات الأمم المتحدة: مجلس الأمن واللجنة الرابعة في نفس الوقت، ويذهب باتجاه أن تقوم الأمم المتحدة نفسها بتحمل مسؤوليتها في هذا الباب، وهذا مطلب مغربي تم التعبير عنه من طرف ملك البلاد والضامن لوحدتها والمؤتمن على شرعية وجودها ومطالبها.
ففي خطاب الذكرى التاسعة والأربعين للمسيرة الخضراء قال جلالته :»لقد حان الوقت لتتحمل الأمم المتحدة مسؤوليتها، وتوضح الفرق الكبير بين العالم الحقيقي والشرعي، الذي يمثله المغرب في صحرائه، وبين عالم متجمد، بعيد عن الواقع وتطوراته».. .
ومن عناصر المسؤولية إعادة النظر في هذا الحيف التاريخي واستحضار كل التطورات التي حصلت وإعطاء الحق لصاحب الحق، ولا نعدم كفاءات حقوقية تجتهد لتجد الحل من داخل الصف الوطني، كما لم نعد نعدم الوسائل لكي يقوم مجلس الأمن نفسه، بقرار نهائي لطي الملف والعمل على سحبه، عمليا، من اللجنة الرابعة.

الكاتب : عبد الحميد جماهري - بتاريخ : 07/07/2025