نونبر الأ مريكي المغربي : محمد الخامس، روزفلت والجنرال باطون!

عبد الحميد جماهري hamidjmahri@yahoo.com

يمكن القول إن الفصل الأمريكي-المغربي الذي جرت أطواره ما بين 14 و24 يناير 1943 في الحي الراقي أنفا بالدار البيضاء، يكاد لوحده يستحوذ على تاريخ العلاقات المغربية-الأمريكية في القرن العشرين، وبذلك تغيب بعض الصفحات المهمة التي دارت أحداثها في شهر نونبر الذي نعيش أيامه الوطنية العزيزة هذه الأيام.
نونبر في الأربعينيات، وتحت نير الاستعمار، له طعم خاص؛ فهو في تلك السنة شهر للقاء له معان خاصة، يجمع بين الحرب العالمية الثانية وهي في أوج دمويتها، وتاريخ المغرب وهو تحت الحماية، في المرحلة الثانية، والتاريخ الشخصي للملك الوطني محمد الخامس.
كثيرون هم المؤرخون المحدثون الذين يربطون نقطة التحول هذه بالإنزال العسكري وعملية الشعلة التي تمت في 8 نونبر 1942 عندما نزلت قوات الحلفاء بالشواطئ المغربية، أساسًا في مناطق المحمدية (وكانت تُسمّى فضالة)، وآسفي، والقنيطرة (وكانت بورليوطي)، بأعداد مهمة للغاية ناهزت 35 ألف جندي أمريكي في الحملة الأولى، قبل أن تصل إلى قرابة 240 ألفا قادها الجنرال باتون لاحقا.
ويتم التأريخ لنهاية دول المحور (ألمانيا النازية، وإيطاليا الفاشية، واليابان) انطلاقًا من تاريخ الإنزال العسكري في المغرب والجزائر. وقد دارت معارك قوية في ضواحي الدار البيضاء انتهت باستسلام القوات التابعة لنظام فيشي وأنصاره في اليوم الموالي، 11 نونبر.
في ذلك اليوم، كان السلطان محمد الخامس قد رفض دعوة المقيم العام الفرنسي الجنرال نوريس، الذي دعاه إلى مغادرة الرباط نحو فاس كي لا يحضر الاستقبال. فرفض الملك بن يوسف الطلب الفرنسي، وظل في قصره. وتوثّق مذكرة تعود إلى تلك الفترة، مسجَّلة في الوثائق الفرنسية الصادرة عن مديرية الشؤون السياسية بالحماية، ما سمّته «الوطنية السلطانية» تفاصيل الموقف الرافض لمحمد الخامس ، الذي فضّل استقبال الحلفاء، كما نجد مراجعها تفاصيل عند الكاتب بنجامين بالاديي، الذي صدر له كتاب «محمد الخامس: آخر سلطان وأول ملك» الصادر هذه السنة.
وبما أن الحدث وقع والمغرب تحت الحماية، فإن الجنرال نوريس، الذي كان من أنصار نظام فيشي المتحالف مع النازية، فقد طالب من محمد الخامس يومها مغادرة العاصمة الرباط والتوجه معه إلى فاس. وكان واضحا اليوم أن الملك محمد الخامس استغل الظرفية الجديدة من أجل التحرر أكثر ما يمكن من التحكم الاستعماري وشروط الحماية، وكان ذلك عبر السعي إلى إحياء الدبلوماسية المغربية التي أقبرتها الحماية طوال 30 سنة (1912-1942) .
وبالعودة إلى وصول جنود الحلفاء، استمر القتال إلى يوم 16 نونبر بسبب محاولة ألمانية للسيطرة على البلاد، وهي صفحة للأسف تغفلها الحوليات التاريخية المغربية الحديثة.
وكانت أولى نتائجه هو ما حدث مع المقيم العام نفسه، الجنرال نوريس، الذي قطع علاقته بنظام فيشي والتحق بالحلفاء… ومحمد الخامس.
ومن فصول التحالف العسكري بين محمد الخامس والحلفاء العلاقةُ مع الجنرال جورج س. باطون (George S. Patton)، القائد الشهير في الحرب العالمية الثانية، الذي سعى قبل الإنزال إلى التراسل مع السلطان محمد الخامس، وأرسل إليه رسالة من التواصل معه واللقاء به. وبعد ستة أيام فقط استقبله الملك في القصر الملكي. وتذكر الوثائق كذلك لقاءات الملك مع الجنرال باطون، الذي كان وقتها قد بدأ مسيرته المجيدة كقائد عسكري في الجيش الأمريكي إبان الحرب العالمية الثانية، وقاد الجيش الثالث أثناء الحرب وانتصر في معظم المعارك التي خاضها. وهو لقاء دخل السينما أيضا، حيث خلده الفيلم الذي يروي حكاية الجنرال باطون، وهو من إخراج فرانكلين شافنر سنة 1970، وقد اختير الفيلم سنة 2003 ليُسجَّل في السجل الوطني كواحد من الأفلام المحتفظ بها في مكتبة الكونغرس لأهميته الثقافية والتاريخية والجمالية، وقد تم تصويره في فاس ووليلي ومكناس والرباط والدار البيضاء.
وما زلت أذكر مقولته الشهيرة حين سأله السلطان عن الأرض التي وصل إليها، فقال: «إنها مزيج من الإنجيل وهوليوود».
ويقول المؤلف بنجامين بالاديي إن من أهداف الرئيس الأمريكي روزفلت أنه كان يطمع في دعم محمد الخامس، وقد أعد لذلك رسالة في الموضوع، لكن الإقامة العامة الفرنسية رفضت تسليمها للسلطان. ولكن الرسالة وصلت في نهاية المطاف «يدا بيد» ليلة عيد العرش، وفيها يعلن روزفلت تضامنه مع المغرب «للثمن الذي دفعه في الحرب».
والرسالة مؤرخة بدورها في 17 نونبر 1942، كما وجه روزفلت تلغراما إلى الملك، فأجابه الأخير يوم 21 نونبر، وفيه تحدث محمد الخامس عن الحفاوة المغربية في الاستقبال. ولعل الأهم في تبادل الرسائل هو ممارسة السيادة ضدا على الحماية، بحيث إن السلطان لم يعد في حاجة إلى المرور عبر الفرنسيين للتواصل الدبلوماسي مع قوة أجنبية كانت تؤسس عظمتها في تلك الفترة.

الكاتب : عبد الحميد جماهري hamidjmahri@yahoo.com - بتاريخ : 18/11/2025