هل نصدق أن المغرب… «سيصير إسرائيل الثانية»؟ !
عبد الحميد جماهري hamidjmahri@yahoo.fr
تنتشر، في الأوساط والمنظمات المستترة والمنصات الاجتماعية، حكاية غريبة حول المغرب الذي يستعد لأن يكون إسرائيل الثانية!
وإذا كنا نسلم، بأنه يحق للمغاربة -كل المغاربة – أن يكون لهم رأي، وتعبير عن كل ما يهم بلادهم.
يحق لهم أن يختاروا الأولويات في علاقة بلادهم مع العالم …وفي دبلوماسيتها،
ويحق لهم حتى أن يخطئوا، إذا شاؤوا، في التقدير وفي المحبة، وفي شرفة النظر..
ويحق لهم أن يتشردوا في القضايا العالمية، وينسو ا أن لهم وطنا يجاهد ليستكمل حدوده..
علينا، في المقابل أن ننبه إلى أنه يحق لبلادهم أن تطالب أبناءها، ككل شجرة أنساب تمتد في الأجداد، أن يغضبوا منها إذا شاؤوا.. ولكن بذكاء.!
وأن ينسوها إذا شاؤوا عندما يرتبون المودات والعواطف والحماسات، ويضعونها في الصف الثاني، ولكنها تشترط فقط أن يفعلوا ذلك … بذكاء!
و من حق البلاد على أبنائها الأصفياء ،أن يبرهنوا على أنهم مستعصين على السذاجة والاستبلاد.. وأن لها أن تدهش من هذه القدرة التي يملكونها في «استعسال» الأسطورة واستسهال الهباء، كلما كان القوس والنبال موجهين إلى صدرها.
لماذا هذا كله؟
لأن المغرب ، من حقه أن يستعصي قليلا على العبث، والخرافة!
فإذا صدقنا بعض النشطاء المتحمسين، فإننا في طور تهييء المغرب لكي يكون إسرائيل الثانية!
ويتعلق أصحاب نظرية ، في هذا الحكي المفرط في الضباب، بما كتبته يومية »يديعوت أحرونوت« حول وجود خطة قديمة تعود إلى 1903 سيتم إحياؤها، بداية من دجنبر لكي تصير الرباط هي تل أبيب، وتصير الصحراء، هي النقب.. وأصير أنا وأنت ، سفارديم لله في المغرب الأقصى، أو يهود سيناء الجدد!
وتبين في هذه النازلة، أن الخفة لا تضاهى، إذ كان يكفي أن تخرج يديعوت أحرونوت بمقالة، من أرشيف منسي، لكي يتحول هذا »الاستشباح« إلى حقيقة قائمة نسير نحوها بسيادية عمياء وعمى سيادي، كما يليق بخراف المجزرة!
كأن كل الامبراطوريات التي تكسرت من آلاف السنين على صخرة المغرب، لم تكن مثالا للعبرة،
و كأن صخرتنا تناثرت، وصرنا زبدا جفاء.
أول ما يلفت النظر في هذا الانتشار المحتقن،
أولا: الانتقائية في اعتماد المصدر العبري.
فالغريب، أن المصدر العبري يكون مصدرا موثوقا به عندما يهلل بالسراب،
ويصير مجهولا عندما يقول عكس ما يخافه مغاربتنا المعنيون بهذه الأطروحة.
فالانتقائية في اختيار المصدر، تطبع هذا النزوع، لأنه لايأخذ بعين الاعتبار صحيفة إسرائيلية أخرى، هي »هارتز« التي تقول بأن المغرب لحد الساعة المغرب لا يقبل التطبيع ولا يسميه كذلك.. وأنه في حدود ما كان عليه في1969، أي استئناف العلاقات الدبلوماسية،
وأنه لم يقبل التوقيع على اتفاقية «أبراهام»، وأنه ما زال يفكر من خارج منظومة التطبيع المتعارف عليه عربيا.
فيديعوت أحرونوت، »تصبح مصدرا تاريخيا وسياسيا ودينيا وأركيولوجيا، لا ياتيه الباطل من بين يديه ولا من خلفه عندما تقول
بأسطورة 1930
و«هارتز« لا يصدقها أحد، بل لا يقرأها أحد عندما تقول بأن اسرائيل لم تحصل على ما أرادته من تطبيع على شاكلة ما سبق..
وهذه الانتقائية نقول عنها مميتة للنقد والفكر والصدقية..
ثانيا: تنبني الأسطورة الجديدة لقيام إسرائيل في المغرب، على مسلمة بأن إسرائيل الأولى في طريقها إلى الزوال( البعض أعطى سنة 2022 تاريخا لذلك! )، وأن قرنا من مقاومة الشعب الفلسطيني البطل، وهذه مقاومة حقيقية وصادقة وبطولية وملحمية، قد أغلقت الأفق المستقبلي للدولة الاسرائيلية، وأنها فكرت أن تنقل مقرها من فلسطين إلى المغرب، كما يحدث للشركات المفلسة التي تغير مقراتها!
من حسن حظنا ألا أحد من الفلسطينيين، يصدق ذلك، أو يدعيه.
ومن حسن حظنا أن المقاومة السياسية منها والميدانية، تدعو إلى حل الدولتين، بما يضمن بقاء إسرائيل و، قيام دولة فلسطين.
ومن حظنا أن الذين يصنعون التاريخ، لا يتركون شؤونه للخيالات المجنحة التي تبني أعشاشا للخرافة في الجغرافيا ….
وإلا كان الفسطينيون سينتظرون حلول نهاية 2022، كما انتظر الكثيرون فيلم …2012 الشهير الذي وعدنا بنهاية العالم منذ تسع سنوات!
ثالثا: تريد إعادة صياغة التاريخ بطريقة ساخرة أن تكون تسمية «أورشليم الصغيرة»، دليلا كافيا على وجود النوايا في إعادة بناء إسرائيل في المغرب..
فالأسطورة الجديدة تعتمد على أورشليم الصغيرة…
وقد تكون صفرو، كما يريدون ..
أو تكون تيطاوين كما يشاء تاريخ حافل من المكتوب اليهودي المغربي..
وهو حنين يصعب أن تحصره الجغرافيا كلما كانت مشبوبة بما ترخيه السماء على الأرض.
كما يتحدث مغاربة كثيرون عن »افران« باعتبارها سويسرا الصغيرة،
يتحدث عبرانيون مغاربة عن أورشليم، ولا يحددون خطوط الطول فيها وخطوط العرض،و إلا بما زرعته العقيدة من رياحين بعيدة ضاربة في الحنين..
لا شيء غير ذلك. وإلا سننتظر أن يأتي السويسريون ليطالبوا بإفران لأن اسمها
ملك لهم ..!
يتبع..
الكاتب : عبد الحميد جماهري hamidjmahri@yahoo.fr - بتاريخ : 07/01/2021