«يا من أنت بالوجود ثمل
كتب عليك الفنا
قد وصل مرسوم الفنا
فلأجل السفر،
«تعال للرقص تعال»
….
قد نزعت منك الرأس والقدم
فبغير رأس وقدم
تعال للرقص تعال»
(مولانا جلال الدين الرومي)
هنا طائر البجع يرقص الصالصا
وهناك؛
طائر الفلامنغو في وصلة باليه
وأنت يا طائر النار
كيف أحرقتَ كل خيوط الوهم بين الجسد والروح
واستقطرت من دخان الجسد وصفة للشفاء اسمها الحرية؛
حرية أن تختار طريقا لا يفضي إلا إلى الرقص.
ما الفرق بين أن ترقص وحيدا أو ترقص مع الذئاب؟
بين أن ترقص حزينا أو أن يكون جرحك هو الإيقاع؟
أن يكون لقدميك مد البحر وزجره؛
الفرق أن الصباح كان يبتدئ من قدميك
وأنت تصيخ الأذن لذرات الكون
وتهتدي إلى نور في آخر النفق.
وكما تنفتح السماوات السبع بين راحتي درويش؛
كان زينون في محرابه، يؤدي رقصة السيما.
يدور حول الشمس وحول الأرض،
يدور ويدور ويدور عكس عقارب الساعة والزمن المشدود إلى الوراء
هو المتمرد على الجسد والقبيلة
هو المؤمن أن الجسد آلة الرقص والروح إيقاعه،
وبينهما كان الراحل لحسن زينون مأخوذا برشاقة الأجساد الصاعدة إلى جبال الفرح، وبالأرواح الملونة الذاهبة إلى نقائها الأصيل، تلك الحيرة التي قال عنها في كتابه السيري «الحلم المحظور»:
« هل كنت مدركا في أعماقي الدفينة بأن الرقص الذي اكتشفته للتو، كان يبنيني من الداخل ويتلبسني مثلما كان يطور في شخصيتي قوة الإحساس بالحياة والجمال ،وهي القوة التي ساعدتني كثيراً على التغلب على المصاعب المتعددة التي اعترضتني، بل ومكنتني من صياغة مصيري الفردي بكل جرأة وحماس ؟» ص.44
وهو يقشر طبقة الحزن السميكة العالقة في مسام الروح، كان طائر الفلامنغو المغربي، يتتبع الإيقاعات ليرقص؛
رقصا يكنس حزن العالم وقد يكثفه أحيانا؛
رقصا تخضر تحت أنامله الصحراء
ولأن ما يميز طائر الفلامنغو عن غيره من الطيور، هو وقفته الشهيرة لأنه قادر علَى أن يقف على ساق واحدة فيما يضع القدم الأخرى تحت جناحه؛
فقد كان زينون يخبئ ألمه بين جناحيه، متخففا من ريش المحظور..
هو الذي لم يستسغ يوما أن يكون بجناحي نعامة يثقلها الريش، لكنها تعجز عن التحليق.
وفي سعيه إلى تحرير الجسد عبر الرقص، كان طائر الفلامنكو المغربي قد فكك الوهم وحرر الفكر، ولهذا استطاع مقاومة سلطة العائلة وسلطة المجتمع وسلطة المعتقد، وكسر شوكة التقليد.
أليس الرقص بشكل من الأشكال، كسرا لمركزية الجسد الرمزية، وتلوينا للفراغ غير المأهول من خريطة الفرح الضيقة؟
لقد حاول زينون إعادة صياغة الرقص والجسد، جماليا، عبر الرقص والحركة التي تمج السكون، حيث رقص الروح استهلال لتحرير الجسد، وهدم ثوري لورعه وسكونيته، واندماج مع إيقاع الكون والطبيعة المحيطة بنا.
ألم تقل الشاعرة الأمريكية مايا أنجيلو :
«كل شيء في الكون لديه إيقاع، كل شيء يرقص».
وإذن، ستظل الروح ترقص من مهدها إلى لحدها؛
وسيظل له مد البحر وزجره
وشساعة الحلم الذي أفرد ذراعية للأبدية.