نظمت كلية العلوم القانونية والاجتماعية أكدال بالرباط، يوم الثلاثاء 14 يونيو، بشراكة مع جمعية النساء المغربيات للبحث والتنمية بشراكة مع المنظمة المغربية لحقوق الإنسان، تقريرا حول نظام الإرث في المغرب: ما هي آراء المغاربة؟ وقد عرف النقاش عدة مداخلات مهمة فتحت نقاشا كان يعد من الطابوهات المجتمعية والقانونية المجحفة بشكل أساسي ضد المرأة المغربية ما ساهم في فتح أبواب جديدة للتفاعل حول ما مدى إحقاق المساواة الكاملة بين الجنسين وتفعيلها وفق الدستور المغربي الذي نص على ذلك بشكل صريح ومعلن.
جاء في كلمة أمينة بوعياش، رئيسة المجلس الوطني لحقوق الإنسان، التي تناولت فيها مجموعة من المظاهر المجحفة في حق النساء خاصة على مستوى نظام الإرث حيث أكدت أن نظام التعصيب وأثره على منظومة الإرث يساهم في الحد من ولوج النساء إلى الثروات ويجعلهن أكثر هشاشة، وأن شرط الإقامة في الجماعة يحرم حق النساء المغربيات من حقهن في الأراضي السلالية إضافة إلى مجموعة من القوانين الوضعية التي تمس جوهر الحقوق الأساسية التي تحث على المساواة الكاملة بين الجنسين، مؤكدة أن عدم المساواة في هذه الحقوق الأساسية لا يمكن نكرانها ما يكرس الفقر كنتاج للتمييز الممنهج ضد المرأة، مضيفة أن بعض الأسر المغربية تخضع لمجموعة من الإجراءات لحماية بناتهن وزوجاتهن من الضياع بعد وفاة الوالد أو الزوج من قبيل اجراءات البيع والشراء والهبات والصدقات لكنها تظل محدودة وتظل عرضة لبعض الإشكالات القانونية فيما بعد ما يحتاج منا وقفة حقيقية لترسيخ منظومة عادلة وأن القاعدة القانونية قاعدة اجتماعية لا يمكن عزلها عن تطور المجتمع وحركيته وتطوره واحتياجاته خاصة أن المجتمع المغربي عرف تحولات كبرى وعميقة مرتبطة بخروج المرأة إلى العمل والمشاركة في الإنفاق على الأسرة حيث تحولت المرأة من كائن معال إلى كائن معيل شأنها شأن الرجل أو ربما أكبر في بعض الأحيان مشيدة باحتضان الجامعة لهذا النقاش المجتمعي الجاد والحارق وانفتاحها على المؤسسات الدستورية وعلى الفاعلين في المجتمع المدني المهتمين بهذا الموضوع، خاصة الحركة النسائية المغربية التي راكمت تاريخا طويلا جدا من النضال الحقوقي على واجهات عدة من أجل تحقيق المناصفة والمساواة الكاملة بين الجنسين.
بدوره أكد الحسن أولحاج، وهو ممثل عن المجلس الاقتصادي والاجتماعي والبيئي أن لا شيء ثابت وأن موقف المجلس الاقتصادي والاجتماعي والبيئي هو موقف واضح لا غبار عليه مع إعمال الدستور المغربي الذي نص على المساواة الكاملة بين كل المغاربة ما يجعلنا أمام ورطة حقيقية تتمثل في مدى ملاءمة المشرع المغربي ومدونة الأسرة وأحكام الإرث مع الدستور المغربي وروح المناصفة التي كرسها.
بدورها ذكّرت مليكة الزخنيني، النائبة البرلمانية عن الفريق الاشتراكي، بأن حضور حزب الاتحاد الاشتراكي للقوات الشعبية اليوم في هذا اللقاء هو تأكيد على التزامه الدائم والثابت بالإنصات لنبض المجتمع، وإيمانه الراسخ بسيرورة التطور وما تقتضيه من ضرورة البحث الدائم عن الأجوبة المناسبة للوقائع المستجدة، والظواهر الطارئة، من منظور حداثي (ليس كما تروج له قيادة الحزب المحافظ، ومرجعية مغربية إسلامية متنورة، مناطها الإنسان المغربي (ذكرا وأنثى)، بضمان شروط عيشه الكريم في ظل دولة قوية عادلة، دولة الحق والمؤسسات، الضامنة للحقوق والحريات، ومجتمع حداثي متضامن، يستوعب كل مكوناته، ويستوعب التحولات التي تطرأ على العلاقات فيه، ويقدم لها إجابات تحفظ لُحمته، وتحمي تطلعه لمستقبل أفضل.
وأكدت الزخنيني بأن حضور الاتحاد الاشتراكي للقوات الشعبية اليوم، ينبع من الانشغال العميق للحزب بهذا الموضوع الذي يتقاطع فيه الاقتصادي بالثقافي بالديني/ الشرعي، والذي كان حزبنا أول من أثار ضرورة الانكباب على فتح نقاش عمومي بشأنه منذ تسعينيات القرن الماضي، استلهاما لمرجعية شيخ الإسلام، محمد بالعربي العلوي، وما أدراك بمؤسس السلفية المتنورة، والقادة الاتحاديين من بعده، إعمالا لمقاصد الشرع، كما تم التنظير لها في المدرسة الأندلسية مع الإمام الشاطبي وفي المدرسة المغربية مع محمد عابد الجابري، وغيره، وذلك لقدرتها الفائقة على مواكبة أسئلة الراهن المغربي واستشراف مستقبله. وهو ما سارت عليه قيادة الحزب الحالية، وتمّ تكفيرها، بل وإهدار دمها لمجرد الدعوة إلى إعادة التفكير في منظومة الإرث في بلادنا في سياق الكلمة الافتتاحية لكاتبنا الأول للحزب، بمناسبة انعقاد المؤتمر السابع لتنظيمنا النسائي(أيام 20/21/22 دجنبر 2013 ) وأنه وعلى الرغم من كل ذلك، ظل الاتحاد الاشتراكي بقواعده وقيادته، ثابتين على المبدأ، ومنتصرين للوطن، ومؤمنين بأن منظومة الإرث تسائل جميع المغاربة والمغربيات، وتقتضي فتح نقاش عمومي هادئ ورصين بشأنها، لأن الأمر يتعلق بالحقوق الاقتصادية، وبالعدالة الاجتماعية التي تمثل ركنا من أركان توجهنا الديمقراطي الاشتراكي، كاتحاديات واتحاديين، كما تمثل جوهر الرسالات السماوية المختلفة، هدفها الأسمى، ومقصدها الأعلى، وبالتالي فإننا في حزب القوات الشعبية، نعتبر أن من شروط هذا الحوار الوطني، الذي تمثل هذه الدراسة الميدانية اليوم إحدى خطواته، انخراط كافة القوى المجتمعية فيه، بعيدا عن كل استغلال للمزاج الثقافي والسياسي لعامة الناس، بحجة صون الهوية وحفظ الأصالة واصطناع الثنائيات (نحن الخير وهم الشر)، وعلى أساس نزوع شعبوي لا يحتمله المناخ السياسي للبلد، لما تشكله من خطر على الديمقراطية وتهديد التوجه الاستراتيجي للدولة، بما ينسجم ومقتضيات الدستور سواء ما تعلق منها بمبدأ المساواة بين الجنسين المنصوص عليه في المادة 19، أو ما يتعلق بهوية الدولة وثوابتها، والتي تتكامل لتأطير هذا النقاش، وتستوعب مخرجاته.
إن التحولات التي عرفها مجتمعنا، حسب مليكة الزخنيني على مستوى الأسرة وعلى مستوى العلاقات والأدوار المنوطة بمختلف مكوناتها، تستدعي إعادة النظر في مجموعة من القوانين والمبادئ التي أطرت لعقود هذه العلاقات، بما يجعل من مراجعة مدونة الأسرة برمتها، والشق المتعلق أساساً بمنظومة الإرث مجرد جزء منها، مراجعة شاملة، «لا تحلل حراما، وتحرم حلال»، كما قال أمير المؤمنين في سياق غير هذا، وبالجرأة المسؤولة واستحضار أفق المغرب الذي نستحقه ويستحقنا في زمن عولمة لا تُبقي ولا تَذر.
وقد ختمت النائبة البرلمانية الاتحادية مداخلتها بأنه قد أصبح ضروريا، أكثر من أي وقت مضى، وبعبارات الكاتب الأول لحزبنا «إعادة فتح ورش مدونة الأسرة من أجل تحيينها بنفس الروح السابقة، أي روح المواءمة بين الشريعة والحكمة، بين الروحي والاجتماعي، بين روح الإسلام باعتباره دافعا نحو الحداثة، وبين روح الحداثة باعتبارها استمرارا نوعيا للرسالات السماوية التي تحض على التضامن والعدل والمساواة»، وذلك ليس بعزيز على المغربيات والمغاربة، بنخبها المتوثبة لمغرب جدير بهم، وتحت القيادة المتنورة لجلالة الملك محمد السادس، معا من أجل مغرب حداثي ديمقراطي متضامن، تسوده المساواة والعدالة الاجتماعية.
تأتي الدراسة نفسها في إطار المساهمة في النقاش حول إصلاح مدونة الأسرة الذي أصبح مطلبا للحركة النسائية ومنظمات حقوق الإنسان المغربية منذ اعتماد دستور 2011 ورفع التحفظات على اتفاقية مناهضة جميع أشكال التمييز ضد النساء والمصادقة على البروتوكول الاختياري الملحق بها، وقد أعطت ذات الدراسة الكلمة لعينة من المواطنات والمواطنين المغاربة المسلمين الممثلين للرأي العام في الوسط الحضري والقروي (1200) لمعرفة آرائهم وتصوراتهم ومواقفهم وتطلعاتهم المستقبلية في ما يخص نظام الإرث بالمغرب، وخاصة ثلاث قواعد، تعتبرها جمعية النساء المغربيات للبحث والتنمية والمنظمة المغربية لحقوق الإنسان قواعد تمييزية تجاه المرأة: قاعدة و»للذكر مثل حظ الأنثيين»قاعدة الإرث بالتعصيب التي لا تسمح لبنت واحدة أو بنات دون أخ أن يتمتعن بكل تركة والديهم وقاعدة منع التوارث على أساس الاختلاف في العقيدة.
وقد كشف البحث الميداني نفسه عن موقفين رئيسيين:
-موقف مهيمن يمثل 44% من عينة البحث يرفض أي تعديل لمقتضيات مدونة الأسرة المتعلقة بنظام الإرث.
-موقف مؤيد لتغيير المقتضيات القانونية التمييزية تجاه النساء في الإرث يمثل36 %من العينة المستجوبة، ويبرر هذا الموقف بمقتضيات الدستور المغربي والتزامات المغرب تجاه المنتظم الدولي ومرجعية الواقع خاصة الدور الاقتصادي الذي أصبحت المرأة تلعبه داخل الأسرة وفي المجتمع.
– في حين أن 20 %لم يعبروا عن أي موقف.
وقد خلصت الدراسة موضوع النقاش إلى أرقام متباينة ومختلفة بل أحيانا صادمة، حيث بلغت نسبة الأشخاص المستجوبين الذين يعرفون نظام الميراث بالمغرب 86 % حيث سجلت 89,8٪ للذكور مقابل 83,5 للإناث ما يفيد أن اكتساب وتوزيع الثروة في المجتمع المغربي يبقى من صلاحيات الرجال الذين يتولون الرعاية المادية للأسر بالمقارنة مع النساء.
أما بخصوص معرفة قاعدة الذكر مثل حظ الأنثيين 98,6٪ بالنسبة للذكور و 97,2 ٪ بالنسبة للنساء ما يفسر اهتمام النساء بهذه القضية باعتبارها تمسهن بشكل مباشر رغم تقارب النسبتين معا.
أما بخصوص قاعدة التعصيب والتي تنص المادة 348 من مدونة الأسرة على أن العصبة ثلاثة أنواع:
-عصبة بالنفس
-عصبة بالغير
-عصبة مع الغير
حيث تلاحظ الدراسة أن تأثير مسألة التعصيب يبقى طفيفا على المستجوبين حسب وسط الإقامة حيث أكد 59,9٪ من المستجوبين المقيمين في المناطق الحضرية معرفتهم بهذه القاعدة في مقابل 56,7٪ في المناطق القروية، أي بفارق ضئيل يرجع لانخفاض عدد السكان الأميين بالوسط الحضري، ومع ذلك تظهر النتائج المتعلقة بمعرفة قاعدة التعصيب أن 41,6٪ من الأشخاص المستجوبين يجهلون تماما هذه القاعدة.
بخصوص قاعدة منع التوارث على أساس الاختلاف في العقيدة حيث نصت المادة 332 من مدونة الأسرة على مبدأ عام ينص على أنه لا توارث بين مسلم وغير المسلم، حيث لا يمكن أن نستغرب من ارتفاع نسبة العارفين بالقاعدة المذكورة بين سكان الحواضر إلى 24,7٪ في مقابل 15,5٪ بين سكان البوادي، في حين تبلغ النسبة المئوية الإجمالية 21,8٪ ممن يعرفون بهذه القاعدة موضوع السؤال .
تجدر الإشارة إلى أن هذا النظام القانوني الذي يزيد عمره عن 60 سنة لم يخضع لأي تعديلات منذ اعتماده أواخر خمسينيات القرن الماضي باستثناء الإرث بالرد وما تعلق بتوسيع أحكام الوصية الواجبة في سنة 2004 إلى الطبقة الأولى من أولاد البنات اللواتي وافتهن المنية قبل الوالدين.
لقد بات من الضروري أن يعبئ الجميع من مؤسسات سياسية وهيئات حقوقية ومجالس علمية بهدف التوافق حول قراءات عملية ومبتكرة وتقدمية لصالح المساواة بين الجنسين اعتبارا للتحولات التي يعرفها المجتمع المغربي والتي تكشف عن مسيرة حقيقية نحو المساواة وخير دليل على ذلك نضال النساء السلاليات للاستفادة من حقهن أسوة بالرجال من استغلال الأراضي الجماعية، كما لا يمكن إغفال دور المناهج التربوية التي يغيب فيها المنهج النقدي ما وجب تحيينها ومراجعتها وانفتاحها لصقل الحس النقدي واستحضار مساءلة النص وسياق نزوله حتى وإن كان قطعيا، وأخيرا لن يتأتى ذلك كله دون إشراك وسائل الإعلام في بناء رأي عام حول هذا الموضوع بهدف تشر ثقافة حقوق الإنسان التي تقوم على الكرامة والمساواة والمسؤولية.