في هذا الحوار الذي أجرته جريدة الاتحاد الاشتراكي مع ذ أحمد بوطالب ذي الأصول الريفية ابن مدينة الناضور الذي هاجر صغيرا مع العائلة إلى هولاندا، يتحدث محاورنا عن بوطالب الطفل والإنسان، وكيف هاجر إلى هولندا ومساره التعليمي، ثم تجربته السياسية كوزير في الحكومة الهولاندية، وتجربته في تسيير الشأن المحلي الهولاندي كعمدة لمدينة روتردام، فضلا عن المهام الرسمية التي شغلها هنا في بلاد المهجر وتجربته الإعلامية كما يوضح قوة الانتماء المزدوج كمغربي وهولاندي وكيف ساعده في هذه التجربة السياسية وتسيير الشأن المحلي. كما لامس قضايا تهم علاقته بالثقافة والفن والأدب والسينما والشاعر أدونيس، خاصة قد تم اختياره رئيسا شرفيا للدورة السابعة للمهرجان الدولي للسينما والذاكرة المشتركة ومنسق ما بين المهرجان والجانب الهولاندي باعتبار أن هذه الدورة اختارت دولة هولاندا كضيف شرف للمهرجان.
n استسمحك أستاذ أحمد بوطالب المشهور والمعروف حاليا، لكن أريد أن اطرح عليك سؤالا تقليديا كي يتعرف جيدا عليك قراء «جريدة الاتحاد الاشتراكي»، من هو أحمد بوطالب الطفل والإنسان؟
pp أحمد ابوطالب من مواليد قرية بني سدال الجبل في إقليم الناضور. ولدت سنة 1961 من أب حافظ للقران وإمام، ومن أم ربة البيت. هاجرت مع والدتي وإخوتي إلى هولندا وفي عمري 15 سنة وكنت آنذاك تلميذا في ثانوية الكندي في مدينة الناضور. وأسباب الهجرة الفقر ووفاة جدي رحمه لله الرجل الذي كان مسؤولا علينا في غياب أبي الذي كان قد سبقنا في الهجرة إلى الديار الهولندية.
عند وصولي إلى هولندا، التحقت بمعهد للتكوين المهني شعبة الكهرباء. بعد هذا المعهد التحقت بمعهد مختص في تقنيات الطيران شعبة المواصلات. وبعد ذالك تخرجت من معهد تكوين المهندسين في نفس الاتجاه.
خلال دراستي، كنت أشتغل في وقت الفراغ في الميدان الصحافي مع مجموعة من البرامج في الإذاعات الوطنية كمراسل، وبقيت في نفس الميدان بعد أن أنهيت دراستي. وكنت مراسلا للمحطة التجارية RTL خلال حرب الخليج الأولى من القاهرة والأردن.
في أواخر الثمانينات، عينت ناطقا رسميا لوزير الصحة. وفي أواخر التسعينيات مسؤولا عن قسم الإعلام للمجلس الاستشاري الاجتماعي والاقتصادي، أهم مؤسسة استشارية للدولة. في أواخر التسعينيات، عينت مديرا لمؤسسة وطنية تعمل في ميدان التعددية الثقافية قبل أن أنتقل في 2002 إلى امستردام في منصب مدير لقسم التطور الاجتماعي والاقتصادي للعاصمة. في فبراير من سنة 2004 عينت لأول مرة في منصب سياسي في العاصمة أمستردام محافظا للقانون لحزب العمل. في سنة 2007 عينت كاتبا للدولة في وزارة الشؤون الاجتماعية في الحكومة المركزية. وفي سنة 2009 عينت عمدة في مدينة روتردام، المنصب الذي اشتغل إلى يومنا هذا.
n قبل الغوص في تجربتكم السياسية والإدارية والتسيير المحلي حدثنا عن تجربتكم الإعلامية؟
pp التجربة في الميدان الصحافي كانت مهمة في حياتي وتطوري كشخص. هذه المهنة جعلتني أنتقل في العالم، وأتعلم من ثقافات عدة، ومكنتني من لقاء شخصيات بارزة في مختلف الميادين. العمل الصحافي عمل شريف و وظيفة لهل دور كبير في مراقبة السلطة وبذلك تساهم في حماية مفهوم ومضمون الديمقراطية. الصحافي دائما يبقى بعيدا عن اللعبة السياسية، ويتمسك بأساليب النزاهة، ويبتعد عن ترويج الإشاعات غير المؤكدة من مختلف الجهات.
n تحملتم مسؤولية وزير في الحكومة الهولندية، هل يمكن أن تحدثنا عن هذه التجربة، ومن خلالها التعرف على شخصيتكم السياسية؟
pp في الحكومة الوطنية، كنت مسؤولا عن التشغيل والتقاعد والمعاش الاجتماعي.كنت مع زميلة أصلها من تركيا أول شخص من أصول أجنبية ومسلم في مثل هذا المنصب. تجربتي كانت إيجابية، وعلمتني أن المواطنين خاطئون في قولهم أنه ليس هناك فرقا في اللون السياسي للحكومات. هذه التجربة، علمتني أنه هناك فرقا كبيرا بين الحكومات وبين وزير ووزير. من وزير لوزير تختلف نوعية وشكل وعمق القرارات.
n كيف كنتم تشعرون خلال أداء مهامكم الوزارية مع العلم أن لكم انتماء (مغربي هولندي)، هل شكل هذا الانتماء المزدوج مصدر قوة أم مصدر ضعف،هل كان عاملا في خلق سوء تفاهم مع البعض؟
pp في المناصب السياسية، التي اشتغلت فيها، كنت أركز على الدستور كمنطلق لتسيير شؤون البلاد. طبعا كان هذا الدستور الهولندي. ولأني مغربي الأصل، كنت اعتبره وزنا إضافيا، إذ أحمل ثقافة ثانية وهوية ثانية تساعدني على دراسة المشاكل بطريقة أخرى وربما تؤدي إلى حلول أخرى. ازدواجية الهوية ساعدتني كثيرا ولم تكن عائقا في العمل اليومي.
n نلتم خلال انتخابكم كعمدة لمدينة روتردام عدة ألقاب: أحسن عمدة في هولاندا، أحسن مسؤول محلي، هل يمكن أن تقربنا من تجربتكم في التسيير المحلي لهذه المدينة؟
pp نعم لقد تم انتخابي أحسن مدبر للشؤون المحلية في البلاد للمرة الثانية على التوالي، وكذلك شخصية السنة. وهذا شرف كبير.
لدي خطة شخصية لتسيير المدينة، أساسها العمل المشترك مع المواطنين والمؤسسات التابعة للمجتمع المدني. أضع جزءا مهما من المسؤولية في أيديهم وأزودهم بناءً على مفهوم الثقة بميزانية خاصة لحل المشاكل الصغيرة على مستوى الأحياء. أنا المسؤول عن الشرطة والأمن، وأسخر 7000 شرطي، لكنني أفضل في هذا الإطار أن أسخر 630 ألف مواطن كشركاء من أجل الرفع من مستوى الأمن، وقد تمكنت عبر هذه الخطة من أن أحقق أرقاما قياسية في موضوع الأمن.
مدينة روتردام، مدينة تجمع 174 جنسية من مختلف أنحاء العالم ليس بسهل، مشاكل العالم كالحرب في الخليج والنزاع الإسرائيلي الفلسطيني ينتقل بسرعة إلى شوارع المدينة على شكل مظاهرات، ولكل المواطنين الحق في التعبير عن شعورهم ومواقفهم في شوارع المدينة، لكل مظاهرة معارض، وعلى العمدة أن يقف في الوسط كحكم في مقابلة لكرة القدم، عليه الاستقامة وتطبيق القانون على الجميع. هنا نرى أحيانا أنه إذا طبقت القانون في وجه الجالية المسلمة وبدا ذلك بالنسبة إليهم سلبيا، أسمع مباشرة أنني منحاز، وأن الهدف من قراري الاحتفاظ على منصب العمدة، آسف لهذه الأقوال، التي أسمعها ولكن لا تزعجني لأني أومن بموقف العدالة والاستقامة وأن لكل ذي حق حقه.
n كمغربي هولندي، كيف ترى المغرب في السنين الأخيرة على المستوى الاقتصادي والسياسي؟
pp لا يمكنني أن أحكم على التطورات السياسية والاقتصادية في المغرب، وليس لي الوقت لمتابعة جوهر التطورات.موقفي موقف سائح يزور المغرب ويتمتع بالطبيعة الخلابة وحسن الضيافة، هذا السائح يرى تطورا ملموسا في المواصلات وجودة الطرق السيارة وارتفاع مستوى التعليم للمواطنين.
n ما علاقة أحمد بوطالب بالفن والثقافة والأدب؟ وما علاقتك بالشاعر أدونيس؟
pp أعتبر الشعر والموسيقى والسينما وباقي أنواع الفنون وسيلة للتعبير عن هوية المجتمع. أزور مختلف أنواع العروض والمهرجانات وكمدينة نمول القطاع بأزيد من 100 اورو سنويا ونحتضن سنويا اكبر المهرجانات السينمائية في العالم.
صحيح، أحب الشعر منذ الصغر، ومعجب بعمل أدونيس في هذا الميدان.فأدونيس شخصية ذات ذوق رفيع في الشعر، وأتقاسم معه إحساس الغربة والمهجر. أدونيس، عاش في سوريا ولبنان وانتقل بعد ذلك إلى باريس ومازال يكتب باللغة العربية.
n تم اختيارك كرئيس شرفي للدورة السابعة للمهرجان الدولي للسينما والذاكرة المشتركة، كما أن إدارة المهرجان اختارت هولاندا كضيف شرف لهذه الدورة، كيف تلقيتم هذه المبادرة؟
pp هولندا كضيف شرف في المهرجان بالفعل كفكرة ومبادرة من إدارة المهرجان. وقد طلب مني أن أنسق بين الطرفيين. فدوري في هذا السياق، دورا صغير، وأرحب بالنتيجة. القطاع السينمائي الهولندي قطاع صغير مقارنة بالدول المنتجة للأفلام، لكن لا يستهان به، وأتمنى أن كون حاضرا في مهرجان هذه السنة لأقي عرضا حول العلاقة بين الفيلم الوثائقي والحرب العالمية الثانية، التي أدت إلى خسائر كبيرة في الأرواح والعمران.