على الرغم من التراجع المستمر لأسعار النفط في السوق الدولي، وهبوطها عن المستوى الذي كانت عليه قبل اندلاع الحرب الروسية الأوكرانية، فإن أسعار الوقود بالمغرب مازالت في أعلى مستوياتها منذ عدة أسابيع، حيث تأبى شركات توزيع المحروقات التي تحتكر السوق الوطني منذ 2016، خفض أسعارها تحت عتبة 14 درهما للتر الواحد من الغازوال و15 درهما للبنزين. وقد أجج هذا الوضع غير الطبيعي موجة غضب عارمة في صفوف المواطنين الذين اكتوت جيوبهم بلهيب الأسعار، ولم يجدوا من ملجأ لتفريغ غضبهم سوى في مواقع التواصل الاجتماعي التي أغرقها المغاربة بهاشتاغات مليونية تعبر عن سخط عارم تجاه الحكومة مطالبة رئيسها بالرحيل وبعودة أسعار البنزين والغازوال إلى سابق عهدها قبل اندلاع الحرب الروسية الأوكرانية.
وبينما تواصل شركات المحروقات في المغرب الإبقاء على أسعارها التي حطمت أرقاما قياسية، تشهد الأسواق الدولية منذ عدة أسابيع تراجعا حادا حيث انهارت أسعار النفط خلال تعاملات أول أمس الثلاثاء ليتراجع الخام بنسبة 3.68% ويهوي دون الـ 90 دولارًا للبرميل، مسجلا 86.17 دولارا للبرميل، وكذلك هبطت عقود نفط البرنت بنسبة 3.17% لتسجل 92.09 دولارًا للبرميل.
وهبطت أسعار النفط حوالي ثلاثة بالمئة يوم الثلاثاء إلى أدنى مستوى منذ ما قبل الغزو الروسي لأوكرانيا بينما أثارت بيانات اقتصادية مخاوف حيال ركود عالمي محتمل في حين تنتظر السوق إيضاحات بشأن محادثات لإحياء اتفاق قد يسمح بمزيد من صادرات الخام من إيران ويأتي ذلك الانهيار مدفوعًا بمخاوف من سقوط الاقتصاد الصيني في فخ الركود وتباطؤ الاقتصاد العالمي. كذلك هبطت الأسعار نتيجة لإعلان رئيس مجلس إدارة شركة أرامكو أن الشركة باتت على استعداد لرفع إنتاجها إلى الدرجة القصوى البالغة 12 مليون برميل يوميًا، في حال طلبت الحكومة السعودية ذلك. كذلك تأثرت الأسعار بأنباء اقتراب حل الأزمة الإيرانية وعودتها لسوق النفط، وهو الأمر الذي بدوره قد يوفر إنتاجا جديدا سيزيد من المعروض ويتسبب في هبوط أكبر للأسعار.
في المقابل فإن منحنيات أسعار المحروقات في المغرب لا تعرف منذ عدة أشهر إلا منحنى واحدا في اتجاه تصاعدي حيث انتقل سعر الغازوال منذ نهاية العام الماضي من 10 دراهم إلى 16.50 درهما حاليا فيما قفز سعر البنزين من 12 درهما إلى قرابة 18 درهما في الوقت الحالي، وعلى الرغم من انخفاض سعر النفط على المستوى العالمي، في مناسبات كثيرة، إلا أن أسعار المحروقات مازالت مشتعلة في المغرب، وهو ما يجعل الرأي العام يتساءل حول الأسباب التي تجعل الأسعار في محطات الوقود بالمغرب لا تتأثر بمنحنيات الأسعار الدولية بشكل مباشر.
جوابا عن هذا السؤال، يعتبر الحسين اليماني، الخبير في مجال الطاقة وقطاع المحروقات، أن الأسعار المعتمدة في محطات الوقود بالمغرب لا تعكس بالضرورة تقلبات الأسعار في الأسواق الدولية، نظرا لمجموعة من العوامل أولها أن هناك فرقا كبيرا بين سعر النفط الخام في السوق الدولي وسعر المواد النفطية المكررة والتي تكون في الغالب أغلى من سعر الخام، ذلك لأن أسعار التكرير ارتفعت كثيرا خلال الشهور الأخيرة حيث انتقلت من 4 دولارات للبرميل إلى ما يزيد عن 25 دولارا للبرميل، وقد استفحلت هذه الزيادة بفعل الحرب الدائرة رحاها في أوكرانيا وما خلفته من ارتفاع الطلب على تخزين المواد النفطية المكررة، والتي أصبحت تخضع للمضاربة.
ويضيف ذات المصدر أنه في الدول التي لديها تقاليد عريقة في مجال المنافسة وحرية الأسعار، تجد أن سعر الوقود يمكن أن يتغير في نفس المحطة مرتين أو ثلاث مرات في نفس اليوم تبعا لتقلب أسعار المواد النفطية في الأسواق الدولية، في حين أنه في المغرب الذي يعاني من غياب شروط المنافسة، لا يكون لانخفاض سعر المحروقات في السوق الدولي أي تأثير مباشر على أسعار الاستهلاك النهائي في محطات الوقود، لكون الموزعين يجدون دوما جوابا جاهزا للهروب إلى الأمام بكون (الوقود الذي نبيعه اليوم اشتريناه حين كانت الأسعار مرتفعة وبالتالي لا يمكن أن نبيعه اليوم بالخسارة) غير أنه حين يتعلق الأمر بارتفاع أسعار المحروقات في السوق الدولي، فإن شركات التوزيع بالمغرب سرعان ما تعمد إلى ترجمة تلك الزيادة في محطاتها.
ويرى الخبير اليماني أن هذا الوضع غير الطبيعي الذي يؤزم سوق المحروقات في البلاد، مرده إلى قرار التحرير غير محسوب العواقب الذي اتخذ في نهاية 2015، دون تأطيره بآليات المواكبة والمراقبة التي كان من المفروض أن يتولاها مجلس المنافسة، غير أنه في غياب هذه الآليات القانونية لتأطير السوق، أخذت الأمور منزلقا خطيرا تجسد في هيمنة شركات التوزيع على السوق الوطني بعدما ضاعفت أرباحها 3 مرات مقارنة مع ما كانت تجنيه قبل التحرير، دون حسيب أو رقيب…