أسفي وعبدة، في عهد السلطان سيدي محمد بن عبد الله : عيسى بن عمر العبدي.. قائد عبدة 7

تعود «الاتحاد الاشتراكي» من جديد لتحيي ذاكرة تاريخية لمنطقة عرفت عبر مراحل تاريخية جد مهمة أحداثا مازالت منقوشة من خلال الآثار الجغرافية أو ما تم تدوينه كإرث تاريخي لعصر اختلف فيه الباحثون، وحوله بعض المؤلفين إلى سيناريوهات بعيدة كل البعد عن الحقائق التاريخية، بل جعلوا منها أحداثا قابلة للفرجة، ولو كان ذلك على حساب تزييف مرحلة تاريخية مهمة .
نعود لنعرض أهم احداث الفترة ما بين (1879-1914) التي وقعت بمنطقة عبدة، والتي عرفت حكم القائد (عيسى بن عمر العبدي)، اعتمادا على كتاب «عيسى بن عمر.. قائد عبدة» لمؤلفه الأستاذ المصطفى فنيتير. وجاء في مقدمة هذا الكتاب التي أعدها الأستاذ ابراهيم بوطالب «أن عيسى بن عمر البحتري العبدي»، رجل سلطة، نشأ بين أحضان السلطة وعاش من ممارستها ومات وهو في حرمتها..

 

لم تكن هناك إشارات كافية توضح ما آلت اليه عبدة وأسفي بعد رحيل المولى محمد بن عبد الله عنهما، ولكن يبدو أنه كان يوليهما اهتماما خاصا نضرا للحيوية الاستراتيجية التي كانت لعبدة، باعتبارها ممر يربط بين مراكش وأسفي، ومنفدا أساسيا ووحيدا… لا يفصله عن مراكش سوى 150 كلم… وطرقها تسمح للقوافل للعبور في مختلف فصول السنة. لذلك أصبحت في عهد السلطان المولى محمد بن عبد الله المنفذ الرئيسي لاستقبال مبعوثي الدول الأوربية، حيث عن طريقه توجه (الكونت دو برونيونDEBREUGNON ) سفير الملك ليوس الخامس عشر إلى مراكش بتاريخ 1767 ميلادية. وكان المكلف بمرافقته أنذاك، قائد عبدة ..عيسى بن معطوب الذي صاحبه إلى مراكش وسهل مأموريته، برفقة عدد من جنوده، ولم يعثر المؤلف عل التوضيحات الكافية حوله .
لكن إسناد مأمورية مرافق، من هذا الحجم، تؤكد أنه كان معتمدا لدى السلطان سيدي محمد بن عبد الله. كانت أسفي تعرف نشاطا تجاريا، حيث احتكرت بعض الشركات الدانماركية وهي: الشركة الملكية الافريقية التي كانت تستحوذ على قسم كبير من النشاط التجاري، وقد وصلت 176 سفينة دانماركية إلى أسفي بين سنتي 1748//1755 ميلادية، وكانت تنقل حمولتها من أسفي الى مرسيليا، كما كان يقيم بأسفي أحد التجار الفرنسيين المشهورين وهو المدعو (جان جاك سالفا) الذي كان له اعتبار ومكانة لدى السلطان سيدي محمد بن عبد الله، وكان بيته بأسفي مقرا لنزول المبعوث الفرنسي (دو بر ينيون) .
وقد حاول المولى محمد بنوعبد الله الرفع من قيمة الواجبات الجمركية على التجارة بأسفي، ولعل هذا ما تسبب في تقلص نشاطها التجاري بعد أن اختفت بعض الشركات التجارية قبل سنة 1789 ميلادية، ومن جهة أخرى فإن عبدة تكون إحدى العصبيات التي اعتمدها السلطان المولى محمد، فقد أشار شونية إلى وجود العديد من العبيد في خدمة البلاط السلطاني، كما تجب الاشارة الى أن عبدة تعتبر مدرسة حربية يأتيها الناس لأخد الرماية والركوب، اذ حافظت على هذه الميزة، ووضعت لذلك قوانين ، وهذا ما جعل(شونيChenier) ، ينعت أهل عبدة بأن لهم ميلا واضحا للسلاح، وتربط هذه الخاصية باعتنائهم الشديد بتربية الخيول، خصوصا وأن عبدة تتوفر على أجود الخيول تتحمل المشاق وتتوفر بأعداد كثيرة .
كل هذه المؤهلات جعلت السلطان المولى محمد بن عبد الله، يولي اهتماما كبيرا بعبدة ، ويستميل أعيانها ورجالاتها، وهكذا أمر سنة (1178هجرية //1764ميلادية)، إعفاء الفقهاء والفقراء بقبيلة عبدة من عدم مطالبتهم بالوظائف الموظفة على الناس ..
ومن خلال الاشارات التي دونها (شونيه) نستطيع القول ان عبدة كانت مفصولة من ناحية التسيير الاداري عن أسفي ، حيث أن القائد ( عيسى بن معطوب ) كان عاملا على عبدة في حين كان على مدينة أسفي..(أوزيني..OZINET) ، الذي كان بدوره في استقبال الكونت (دو برونيون) ، ويمكن ان نستشف ذلك من خلال سياسة السلطان المولى محمد بن عبد الله الذي قام باعادة تنظيم القيادات وتنحية المستبدين من العمال والقواد .. حيث قضى على الجميع وأودعهم السجون سنة (1174هجرية //1761ميلادية ) ، وصادر أموالهم ، ومنهم من مات بالسجن ومنهم من قتل ، وسعى الى تفتيت بعض القيادات الكبرى ، كما حدث بالنسبة لدكالة ، بعد عزل قائدها محمد بن احمد الدكالي سنة( 1188هجرية //1774ميلادية )ولم يترك له الا أخواله أهل دكالة ، وأمر بقبض ما أكلوا من القبائل التي كانوا يتصرفون عليها .
نفس الشئ حدث لعبدة ، فقبل تعيينه للقائد عبد الرحمان بن ناصر العبدي ، يذكر (الكانوني)انه كان على عبدة قبله اثنتا عشر عاملا . ولم اعثر على أسمائهم . وهذا ما يجعل احتمال سياسة تفتيت القيادات من صلب سياسة السلطان سيدي محمد بن عبد الله ، وكان السلطان صارما مع بعض قواده المستبدين ، وقد ذكر( الضعيف ) أن السلطان سيدي محمد بن عبد الله قبض على أحد القواد ، لأنه خرج على حد الشريعة وتزوج ثمان عشرة امرأة ، وكان له دوار ليس فيه الا النساء ، و لا يدخله من الرجال الا هو ، وكان يأخد النساء من غير صداق ، فقبضه وأودعه السجن .

تراجع مكان أسفي وعبدة بعد. بناء الصويرة

كونت أسفي لمدة طويلة مركزا تجاريا حيويا ، ولكن بمجرد تأسيس مدينة الصويرة، ما بين سنتي( 1178—1198هجرية // 1764—1784ميلادية) ، تحول قسم كبير من نشاطها التحاري الى الصويرة خصوصا بعد أن شجع السلطان سيدي محمد بن عبد الله التجار الأجانب … وأسقط الأعشار عن تجارة النصارى ترغيبا لهم في رواج تجارتهم من كل صوب ، وبذلك استقطبت مدينة الصويرة جل التشاط التجاري ، فدب الركود الاقتصادي لكل من أسفي وعبدة ، وانتقل مقر الولاية الذي كان باسفي الى الصويرة ، وأسند الى نظر الوالي المدعو وحمدان بن عبد الفضيل بن الكاهية الأسفي النظر في أمر أسفي ، وتكون بذلك قد فقدت كل من أسفي وعبدة اشعاعهما السياسي ، ومركزا هما الاقتصادي .

انفراد. عبد الرحمان. بن ناصر. بقيادة عبدة أسفي

كانت عبدة كما سبق الذكر ، تحت حكم الوالي على الصويرة، ولا نعرف بالضبط أسماء القواد الذين تم تعيينهم على عبدة أنداك ، وان كان الكانوني قد أشار الى أنها موزعة على اثني عشر عاملا ، دون أن يذكر الكيفية التي تم بها التوزيع ، و ربما ينسجم ذلك مع السياسة التي نهجها السلطان سيدي محمد بن عبد الله ازاء القواد ،اذ كان يتخوف سطوتهم واستبدادهم ،ولذلك حاول اضعافهم عن طريق تفتيت قيادتهم .وتعد تولية القائد عبد الرحمان بن ناصر العبدي على عبدة بداية مرحلة جديدة في تاريخ عبدة ، اذ جمع تحت قيادته كل القيادات الصغرى السابقة بعد ان قبض على قوادها ، ثم سرحهم وتولى العمل …ثم أضيف قياداته الاشراف على اسغي . وبذلك يكون قد جمع بين أسفي وعبدة .


الكاتب : إعداد : محمد تامر

  

بتاريخ : 07/04/2023