أسلمة المغرب .. حسب ما قيل -6 –

الإثيوبيون يتزينون بالوشم ويشربون في كؤوس من العاج

منذ البداية وجب أن نعترف أ ن كتابنا هذا ليس كتاب تاريخ محض، إنما هو محاولة يمكن إدراجها ضمن مجال الدراسات الثقافية التي حاول الأنجلوساكسون تطويرها – منذ ظهورها بعيد منتصف القرن الماضي – وذلك بدراسة مختلف الظواهر الثقافية اعتمادا على مناهج علوم مختلفة ومتعددة، كالتاريخ والأنثربلوجيا وعلم الاجتماع وعلم الأديان والآداب .
إنه محاولة للجواب على أسئلة مؤرقة .
لعل أهمها: لماذا تفتخر كل الشعوب بتاريخها وتنقب عما يمكن أن تجده عبر الحفريات الأركيولوجية ومختلف اللقيات حفظا لهويتها؟ إلا هذا البلد الأمين الذي يحاول في ثقافته الرسمية أن يحصر تاريخه بل والأحرى أن يوقفه في حدود القرن الثاني الهجري.
هل تَرى تلك الثقافة أن التحقيب هنا لا يهتم إلا بما يسمى الدولة الحديثة؟ الأوْلى، إذن، الحديث عن الدولة المغربية وليس الموريتانية Moros أو Mores أو المراكشية Moroeccos منذ سميت كذلك ، أو حين حاول الفرنسيون تأسيس مفهوم جديد للدولة الحديثة ومنح المملكة الشريفة اسم Royaume du Maroc للحديث عن المملكة المغربية وسموها على طريقتهم و بصياغتهم؟ وقالوا اختصارا Maroc، أو حين تم وضع أول دستور مغربي(محض) بعيد الاستقلال .
المشكل، من هذا المنظور ، هو مشكل هوية ثقافية تتعلق بمواطن مغربي يرى أن ماضيه لا يتجاوز تأسيس الأدارسة لإمارتهم ، أي قدوم المولى إدريس الأول رفقة خادمه إلى المغرب الأقصى ونزولهما ضيفين على قبيلة أوربة )إن كان النطق صحيحا ( و نتع رف من خلال التاريخ الرسمي على اسم زعيمها وابنته كنزة . معضلتنا أننا نلوك هذا في مقرراتنا ومناهجنا كنوع من الوحي المنزل دون طرح تساؤلات من قبيل: كم كان عمر سبط الرسول الأعظم إدريس بن عبدالله حين قدم إلى المغرب؟ أليس لديه أبناء؟ نتساءل هكذا ونحن نعلم أن أغلب القدماء كانوا يتزوجون وهم في سن معينة، أو على الأقل يتخذون جواري و يمارسون الجنس مع ما ملكت الأيمان .
معضلتنا أننا لا نعلم أبناءنا طرح الأسئلة من هذا النوع ! و ما زلنا ند رس في أقسامنا ك ما من المعلومات التي صارت متاحة بنقرة زر ، و لا نعل مهم طرق التحليل وآليات التفكير القائمة على العقل و المنطق .
مشكلتنا، أن أغلب المؤسسات تريد ترك الأمور على حالها .

 

1 ـ رحلة حنّون

رأى القرطاجيون أن على حنون أن يبحر إلى ما وراء عمادي هرقل ليكتشف المجهول وينشئ مدنا جديدة لليبيين / الفنيقيين ..
وهكذا أبحر حنون و معه ستون سفينة و خمسون مجدافا ( من الصعب تصديق الرقم) و عدد كبير من الرجال و النساء (عددهم كان ثلاثين ألفا حسب بعض المصادر) بالإضافة إلى الأطعمة وكل الضروريات .
لقد كتب فيما كتبه ..
ـ بعد ما مررنا بالعمادين (ما يسمى بأعمدة هرقل) ، سرنا في البحر مدة يومين و أنشأنا مدينة أولى أطلقنا عليها اسم تيمياتريون Thymiaterion وكان تحتها سهل كبير..
(ما سماه المترجم اليوناني باسم تيماتريون وهو نفس الاسم الذي نجده عند المدعو سكيلاكس . وحسب كسيل فيظهر أنها تطابق المهدية ، وهو المكان الواقع على يسار مصب نهر سبو (حاليا) الذي يبعد عن المضيق ب 250 كلم، الأمر الذي يتناسب مع يومين من السير)
ـ .. ثم اتجهنا نحو الغرب، ووصلنا المكان المعروف باسم صولويس Soloies وهو مرتفع ليبي مغطى بالأشجار ..
(صولويس لفظ فنيقي معناه الصخرة .. لقد اختلف حول المكان وحاول البعض قياس المسافة .. فهناك من يجعل صولويس (أو صوليس وهو التعبير اللاتيني) التي ذكرها حنون بعيدا إلى الجنوب وحدده برأس كير Cap Guirعلى اعتبار أن الساحل من بعده ينعطف شرقا ثم إلى الجنوب الشرقي)
ـ .. بعدما أقمنا هناك معبدا لبوسيدون سرنا نحو البحر في اتجاه شروق الشمس (ربما دخلوا نهرا يصب في المحيط) مدة نصف يوم ، بعد ذلك وصلنا مستنقعا يقع غير بعيد من البحر يغطيه قصب كثيف وعال، وكانت الفيلة وغيرها من الحيوانات الكثيرة ترعى هناك ..
ـ .. بعدما اجتزنا المستنقع سرنا مع البحر طيلة يوم وأسسنا مستعمرات تكوّن الجدار الكاري le mur Carien .. كيتي gyttè ، أكرا Acra ، مليتا Mèllitta وأرامبيس Arambys ..
ـ .. وبعدها ذهبنا من هنا ووصلنا للنهر الكبير لكسوس Lixos الذي يأتي من ليبيا و على ضفافه كان الرحل اللكسيون يرعون قطعانهم .. بقينا بعض الوقت عند هؤلاء الناس الذين صرنا أصدقاء لهم ..
(ربما يقصد بلكسوس نهر درعة و ـ ربما ـ كان يصب آنذاك في المحيط و الذي سماه آخرون دارات Darat ) .. هذا ما لاحظه كسيل)
ـ .. وفوقهم كان يعيش الإثيوبيون الذين لا يكرمون الضيف ويعيشون بأرض مليئة بالوحوش الضارية، تخترقها جبال عظيمة .. يقال أيضا أن حول هذه الجبال يعيش رجال لهم مظهر خاص، يسكنون الكهوف Troglodyte، ويدّعي اللكسيون أنهم أسرع عدوا من الخيل..
ـ .. بعدها، أخذنا المترجمين من عند اللكسيين وسرنا بمحاذاة الصحراء في اتجاه الجنوب مدة يومين، ثم في اتجاه شروق الشمس مدة يوم واحد، إذ ذاك وجدنا في جوف خليجٍ جزيرةً صغيرة لها محيط من خمسة (أسطاد) stades سميناها سيرني Cernè وتركنا بها المعمرين. وبحسب رحلتنا قدرنا أنها قبالة قرطاج ..
(هؤلاء المترجمون الذين صحبهم حنون ربما يتحدثون بإحدى اللهجات الليبية)
ـ من هنا مررنا في نهر كريتيس Chrètès ووصلنا إلى بحيرة تضم ثلاث جزر أكبر من سيرني .. ذهبنا من هذه الجزر وقضينا يوما واحدا في السير على الماء ووصلنا نهاية البحيرة التي كانت تشرف عليها جبال عظيمة مليئة بأقوام متوحشين يلبسون جلود الحيوانات وقد رمونا بالحجارة ومنعونا من النزول إلى الأرض..
ـ .. من هنا دخلنا في نهر آخر كبير وعريض مليء بالتماسيح وأفراس النهر، ثم عدنا من طريقنا إلى سيرني ..
ـ .. سرنا بحرا من هنا في اتجاه الجنوب مدة اثني عشر يوما في محاذاة الساحل الذي كان معمورا بالإثيوبيين، وكانوا يفرون كلما اقتربنا منهم ويتكلمون لغة لا يفهمها حتى (المترجمون) الليكسيون الذين كانوا معنا ..
– .. وفي اليوم الأخير رسونا عند جبال عالية تكسوها أشجار بألوان مختلفة، وخشبها طيب الرائحة ..
– .. بعدما درنا حول هذه الجبال مدة يومين وصلنا إلى خليج مترامي الأطراف ، يوجد إلى جانبه سهل، وهناك رأينا في الليل نيرانا تعلو من كل جهة بتواتر لكن بشدة متفاوتة ..
حاولت فيما مضى أن أترجم كتابا أورد فيه صاحبه مجموعة من الكتابات المنتقاة حول المغرب ومن بينها رحلة حنون مع بعض الإضافات التي لم أجدها في كتب أخرى، ورغم إثباتها بالرمز والصفحة فإنني وجدت آنذاك أنه ربما اختلطت في بعض المصادر رحلة حنون ورحلات أخرى وربما أخذت عنه ـ وهذا هو الأكيد ـ دون الإشارة إلى ذلك .. تقول رحلة حنّون Hannoun كما في الكتيب: «مازال القرطاجيون يحكون ما يلي:
يوجد بليبيا بعد عمادي هرقل بلد يسكنه أناس .. وحين يصل القرطاجيون عندهم يُنزلون بضاعتهم ويصففونها على الساحل ثم يعودون إلى سفنهم ويشعلون نارا من أجل إثارة الدخان، وحين يرى الأهالي ذلك الدخان يفدون إلى الساحل ويضعون الذهب مقابل البضاعة ويبتعدون. ثم يأتي القرطاجيون ليعاينوا كمية الذهب الموضوعة، فإن كانت تساوي ثمن البضاعة أخذوها وإلا فإنهم يعودون إلى أماكنهم وينتظرون . ثم يعود الأهالي ويضيفون على كمية الذهب التي وضعوها قبلا .. وكلا الطرفين يكون أمينا، إذ لا يمس الأهالي البضاعة حتى يتم الاتفاق والتراضي (أي) حين يأخذ القرطاجيون الذهب « الموضوع مقابل البضاعة)..
2 ـ رحلة المدعو سكيلاكس periple de Scylaxe:

111 ـ … في هذا الخليج (يتحدث عن العدْوة الإيبرية) توجد جزيرة وميناء بارتاس Bartas ومدينة شالكوس Chalcos ومدينة أريلون Arylion ومدينة ميس Mes و مدينة سيج Sige، وفي مقدمة النهر توجد جزيرة: الرأس الكبير ومدينة أكروس Acros وخليجها وجزيرة مهجورة تسمى درينوبا Drinopa. وعماد هرقل في ليبيا حيث رأس أبيلا Cap d’Abyla ومدينة على النهر مقابلها جزر كاديس . ومن قرطاجة إلى عمادي هرقل ـ وفي ظروف إبحار جيدة ـ نَعُدّ سبعة أيام و سبع ليال ..
112 ـ .. إذا تجاوزنا عمادي هرقل وتوجهنا نحو البحر الخارجي (المحيط) وانعطفنا تاركين ليبيا (إفريقيا) جهة اليسار نجد خليجا فسيحا يمتد إلى رأس هيرميس Hermès لأنه هنا أيضا يوجد رأس هيرميس، وفي وسط الخليج نجد مدينة بونتيون Pention وهي محاطة ببحيرة كبيرة بها جزر متعددة وعلى ضفافها ينمو قصب كثيف و خوص وقنب البردي. وهناك طيور الميلياغريد Meleagrides (الدجاج الحبشي) والذي لا نجده في أي مكان آخر ما لم يتم أخذه من هنا . هذه البحيرة تسمى سيفسياس Cephèsias ..
.. ومن رأس هيرميس تمتد سلسلة كبيرة من الشعب المرجانية تنطلق من ليبيا نحو أوروبا وهي لا تتجاوز مستوى البحر .. وهذه السلسلة تمتد نحو الرأس الموجود قبالتها بأوروبا الرأس المقدس.
وإن انطلقنا من رأس هيرميس نجد نهر أنيدس Anides ويصب في بحيرة كبيرة. وبعد هذا النهر يوجد نهر آخر كبير يسمى الليكسوس والمدينة الفينيقية ليكسوس، وما بعده توجد مدينة أخرى ليبية وبها مرسى. بعد ليكسوس نجد نهر كرابيس Crabisوبه مرسى ومدينة فينيقية تسمى تيمياتيرياس لنصل إلى رأس صولوسيس Solocis و الذي يتقدم كثيرا نحو البحر . كل هذه المنطقة من ليبيا مشهورة جدا و مقدسة جدا .. (ما يهمنا هنا ، أننا لم نصادف كلمة التقديس إلا حين تحدث عن هذه المناطق، أما شهرتها فلربما عُرفت بعد الاستكشافات المتعددة لبعض الجغرافيين من القرطاجيين واليونانيين وبعض القواد الرومان الذين حاولوا احتلال المنطقة والذين يصحبون معهم المؤرخين والجغرافيين والشعراء)
.. وفي مقدمة الرأس (cap) ينتصب مذبح مكرس لبوسيدون وعليه نحثت وجوه رجال وأسود ودلافين. ويقال أنها من إبداع ديدال Dedale. وإذا انطلقنا من رأس صولويس نجد نهرا يسمى كسيون Xion وعلى ساحليه يسكن الإثيوبيون المقدسون، وقريبا من هناك توجد جزيرة تسمى سيرني ..
.. وإلى ما بعد سيرني يصعب وصوله نظرا لضحالة المياه ووجود الوحل والأعشاب المائية (les algues) وهي بعرض جريد النخل وبرأس حاد به شوكة .. التجار الفينيقيون (يقصد القرطاجيون) حين يصلون إلى سيرني يرسون بسفنهم على شكل دائري وينصبون خياما على الجزيرة يحملون بضائعهم (حمولتهم) وينقلونها إلى الأرض بواسطة مراكب صغيرة، وهناك إثيوبيون يقومون بالتجارة معهم يقايضون سلعهم بجلود الوعول والأسود والنمور أو أنياب الأفيال ويقايضون ذلك مقابل جلود حيوانات مدجنة ..
.. الإثيوبيون يتزينون بالوشم و يشربون في كؤوس من العاج، نساؤهم تتزين بعقود من العاج، بل حتى خيولهم موشية أيضا بالعاج ..
.. هؤلاء الإثيوبيون هم أطول الرجال الذين عرفناهم ، فطولهم يتجاوز أربعة أذرع وبعضهم يصل إلى خمسة أذرع وهم أصحاب لحى و لهم شعر جميل . إنهم أجمل الرجال، وملكهم أطولهم .. وهم يجيدون ركوب الخيل وبارعون في رمي الرماح وأكثر الناس براعة في رمي النبال وهم يستخدمونها أيضا .. يحمل إليهم التجار الفينيقيون المراهم والحجر المصري والخزف المتقن ..
والإثيوبيون يأكلون اللحوم ويصنعون الخمور بكثرة من كرومهم .. ويقول البعض: إن هؤلاء الإثيوبيين ينتشرون في هذه البقاع حتى مصر دون انقطاع. وهذا البحر ممتد فليست ليبيا سوى شبه جزيرة ..».


الكاتب : عبد الله خليل

  

بتاريخ : 08/04/2022