«أسواق العبيد» في ليبيا تثير غضب لاعبين كرة القدم : «بعيدا عن كرة القدم…أنا لست للبيع»

شهدت عديد البطولات الأوروبية رفع شعارات ضدّ «العبودية» من بعض لاعبي كرة القدم بعد الوثائقي الذي بثته قناة « CNN» عن عودة مظاهر العبودية بدولة ليبيا. وصُدم العالم عقب تقرير تلفزي نشرته قناة «سي ان ان» الاميركية حول سوق بليبيا يباع فيه المهاجرون الأفارقة غير الشرعيين في مزاد علني، هذه الممارسات غير الإنسانية هزت بدورها ملاعب كرة القدم واستفزت كثيراً نجوم اللعبة الذين استنكروا ونددوا بتلك التصرفات المسيئة في حق اشخاص ذنبهم الوحيد أنهم لاجئون.
تفاصيل التقرير

لم يكن ينقص المهاجرين الذين يعبرون الصحراء الليبية أملاً في الوصول إلى منافذ الانطلاق بالقوارب إلى الحدود الأوروبية الجنوبية غير الفضيحة الجديدة التي كشفتها شبكة «CNN» الأمريكية حيث تمكنت من الحصول على مقطع فيديو يصور عمليات بيع علنية لمهاجرين تحولوا إلى عبيد.
قالت القناة الأمريكية في تقرير نشره موقعها الإنكليزي إنها تمكنت بعد أبحاث استمرت على مدى شهور من التحقق من صحة الشريط الذي وصلها عبر مصادر خاصة. أرسلت الشبكة فريقاً مكوناً من الصحفية نعمة الباقر والمنتجة رجا رازيق والمصور أليكس بلات إلى ليبيا أجرى تحقيقاً حول شائعات استرقاق المهاجرين وبيعهم باستخدام كاميرا خفية.
في الشريط الصادم، يبدو عشرات الأشخاص واقفين، في مكان غير محدد خارج العاصمة طرابلس، وهم يتنافسون في مزاد علني على شراء مهاجرين أفارقة وترتفع الأصوات التي تزيد السعر: 500، 550، 600، 650… وهكذا حتى ترسي الصفقة على المالك الجديد لـ»العبد».
تمكنت CNN من لقاء عدد من المهاجرين الذين أكدوا حقيقة وجود هذه الممارسات واستمرارها، وقامت الشبكة بتسليم الصور إلى السلطات الليبية التي تعهدت بفتح تحقيق في الأمر.
ونقلت «كورييه انترناسيونال» عن صحيفة La Repubblica الإيطالية اعتقادها أن المهاجرين يواجهون، إلى جانب مخاطر التهريب وعمليات الاستغلال المادية، شبكة من «الاسترقاق في الألفية الثالثة» وأن «الصور الجديدة المروعة (التي نشرتها CNN) تضاف إلى قائمة طويلة من عمليات العنف والاعتداء والتعذيب بحق المهاجرين التي أعلن عنها مراقبو الأمم المتحدة في ليبيا».
ثورة وغضب لاعبي كرة القدم

وجّه اللاعب الفرنسي بول بوغبا رسالة تضامن مع المتضررين من ظاهرة العبودية في ليبيا أثناء احتفاله بالهدف الذي سجله في شباك نيوكاستل يونايتد لحساب الجولة الثالثة عشرة من الدوري الانجليزي الممتاز. ورفض السمسرة بالمهاجرين غير الشرعيين في ليبيا وبعث عبر طريقته الاحتفالية «يداه مكبلتين» وعبر فيها عن تضامنه التام مع بني بشرته ورفضه القاطع للعبودية. ودعا في حسابه على انستغرام الجميع للتحرك ضد هذه الممارسات، ودعا السلطات الليبية لاتخاذ القرارات اللازمة لوقف عودة العبودية، وقال دروغبا» كيف يمكننا البقاء مختلفين أمام هذا الكم الهائل من الكراهية… العبودية هنا أمام أعيننا.. انها في افريقيا..في ليبيا؟.
ومن جانبه، أوصل لاعب فالنسيا « جيفري كوندوغبيا» رسالة عبر فيها عن رفض العبودية بكتابة عبارة « بعيدا عن كرة القدم…أنا لست للبيع».
وقام لاعب ليفانتي الاسباني « الشيخ دوكوري» بحركة تضامنية مع الأشخاص الذين يعانون من العبودية الحديثة في ليبيا أثناء تسجيله في شباك لاس بالماس. وعبر على انستغرام بقوله: «سعيد بعودتي إلى الملاعب بعد غياب مطول بسبب الإصابة.. صلواتي لكل الأشخاص الذين تمارس ضدهم العبودية في ليبيا. أتمنى أن تتوقف مثل هذه الممارسات فوراً».
وعبر مواطنه جيوفري كوندوبيا لاعب فالنسيا الاسباني عن تضامنه التام مع المضطهدين في ليبيا، وقام الدولي الفرنسي قبل انطلاق مباراة فريقه مع المضيف اسبانيول بالكشف عن قميصه الداخلي وكتب عليه عبارات باللغة الفرنسية مفادها «خارج كرة القدم.. انا لست للبيع».
وقال اورييه «كلنا من أجل الحرية ووقف تجارة الرق في ليبيا.. 400 عام فترة طويلة ..يكفي هذه المرة..».
الفرنسي بافيتيمبي غوميس مهاجم غلطة سراي التركي دوّن في حسابه على انستغرام انه لم يفرح بهدف سجله في المرحلة 12 من الدوري التركي الممتاز لكرة القدم، وقال: «سجلت هدفا لفريقي.. يجب القول أن الفوز او الخسارة لم يكونا مهمين بالنسبة لي في ذلك الوقت… فروحي كانت معلقة بأولئك الأشخاص الذين مورست ضدهم كل اساليب الذل والإهانة في ليبيا..».
واكتفى الدولي السينغالي كاليدو كوليبالي لاعب نابولي الايطالي بنشر كلمات معبرة وتضامنية مع بني جلدته ممن تمارس ضدهم في ليبيا شتى أنواع العبودية. وكتب كوليبالي  في حسابه على توتير: «الرجل الاسود له حقوق وقيمة مثل بقية البشر.. اوقفوا العبودية.. اخوتي واخواتي احبكم كثيراً».
وبدوره، أبدى لاعب ليفربول السينغالي ساديو ماني غضبه الشديد وحزنه على عودة ظاهرة العبودية بعد أكثر من قرن على إلغائها.
وكتب على صفحته في فيسبوك «بعد أكثر من قرن على إلغاء العبودية، ما زالت هذه الممارسة غير الإنسانية تثير الحزن في ليبيا».
أما أسطورة كرة القدم الكاميرونية صامويل إيتو، فقد أبدى استعداده للمشاركة في أي تحرك يهدف إلى وقف مثل هذه الممارسات.
ما لاعب إسبانيول الإسباني بابا كولي ديوب، فقد علّق على ذلك في تدوينة بصفحته على إنستغرام قائلا» إذا كنا صامتين على هذه الأعمال الوحشية، فإننا مذنبون مثل أولئك الذين يقومون بها».
عبودية من نوع رياضي

يعتقد ميشيل بلاتيني رئيس الاتحاد الأوروبي لكرة القدم أن اشتراك طرف ثالث في ملكية اللاعبين تعد نوعا من أنواع العبودية بالعصر الحديث، ويجب أن تنتهي تماما.
وتنتشر ملكية الطرف الثالث في البرازيل والأرجنتين إضافة إلى بعض أندية البرتغال وإسبانيا وتعترض الدولتان الأوروبيتان على قرار الاتحاد الدولي (الفيفا) بمنع هذا الأمر.
وردا على سؤال من لوران بلان مدرب باريس سان جيرمان في منتدى يتلقى فيه بلاتيني الأسئلة ويجيب عليها قال رئيس الاتحاد الأوروبي «لقد فرضت ضغوطا كبيرة على الفيفا لإيقاف ملكية الطرف الثالث.»
وأضاف «في الوقت الحالي بات من المخزي أن يمتلك شخص واحد ذراع اللاعب وتمتلك مؤسسة لا أحد يعرف مكانها ساقه بينما يملك طرف ثالث قدمه. هذا مؤسف إذ إنه يعد نوعا من العبودية يعود إلى الماضي.»
وتابع «الجميع يربح المال من عمليات الانتقال وفي الوقت الذي نبحث فيه عن المال من أجل استثماره في كرة القدم يذهب المال إلى أشخاص لا نعرف من هم ولا نعرف أين هم.»
وواصل لاعب منتخب فرنسا السابق «سيتعلق الأمر بالوقت فقط حتى يستيقظ العالم الكروي وأن تبقى الأموال القادمة من كرة القدم في مجال كرة القدم ولا تختفي.»

الرئيس لـ «فيفا» بلاتر.. في كرة القدم هناك عبودية عصرية

اتهم الرئيس السابق للاتحاد الدولي لكرة القدم «فيفا» السويسري جوزيف بلاتر في 2008 مسؤولي الأندية بأنهم «يستعبدون» لاعبيهم. وقال بلاتر الغاضب:»في كرة القدم هناك عبودية عصرية…. أنا دائما مع حماية اللاعب ، إذا أراد الرحيل ، دعوه يرحل».
وأضاف بلاتر: «إذا بقي اللاعب حيث لا يشعر بالراحة ، فهذا أمر سيء له ولناديه ، يجب أن نجد حلولا كي نحمي اللاعبين الذين يرغبون بترك انديتهم».
وعن استعباد اللاعبين قال بلاتر: «العبودية موجودة في انتقالات وشراء اللاعبين، ردة الفعل على قانون بوسمان كانت اللجوء إلى العقود الطويلة الأمد للمحافظة على اللاعبين، أما إذا أرادوا الرحيل فعليهم دفع مدة عقودهم المتبقية».
ولم يتأخر الاتحاد الاوروبي في الرد على تصريح بلاتر الناري ، فقال ويليام غايار مدير الاتصالات والمستشار الخاص لرئيس الاتحاد الفرنسي ميشال بلاتيني انه غير متأثر بتصريح بلاتر العاطفي.
وقال «من المفيد تذكير الناس أن العبيد في جميع أنظمة العبودية لم يتقاضوا يوما بدلا ماديا مقابل عملهم».
وختم غايار: «من الواضح ان سطوة اللاعبين اصبحت اقوى مما كانت عليه منذ 20 عاما ، ووكلاء الاعمال ازدادت سيطرتهم».

عدد ضحايا العبودية في العالم يفوق 40 مليونا

كشفت دراسة مشتركة لمنظمة العمل الدولية ومنظمة الهجرة العالمية ومنظمة «واك فري فاونديشن» لحماية حقوق الإنسان، أن عدد ضحايا العبودية في العالم يفوق 40 مليونا.
وأشارت الدراسة، التي نقلتها وكالة «فرانس برس»، إلى أن مفهوم العبودية يشمل العمل القسري (25 مليون شخص) والزواج القسري (15 مليون شخص)، وأن نحو ربع عددهم من الأطفال.
وحسب الدراسة، فان نحو ربع من تعرضون للعمل القسري يعملون لدى أفراد، فيما يعمل آخرون في مصانع وورش وحقول، ونحو نصف هؤلاء لديهم ديون، والبعض لا يستطيع ترك العمل القسري بسبب الإدمان على المخدرات.
وأكد التقرير أن نحو 5 ملايين من العمال القسريين مجبرون على ممارسة البغاء، وأكثر من 4 ملايين يعترضون للعمل القسري الذي تفرضه عليهم الدولة على شكل عمل إلزامي بالسجون، وكذلك للخدمة العسكرية الإلزامية.
وتشير الدراسة إلى أن 71 بالمائة أو 29 مليون من ضحايا العبودية هم نساء وبنات، وإلى تعرض نحو 15.4 مليون منهن للزواج القسري، وأعمار ثلثهن تقل عن 18 سنة. كما تشكل نسبة النساء نحو 99 بالمائة من الأشخاص المجبرين على ممارسة البغاء.
وجغرافيا، تم رصد 62 بالمائة من حالات العبودية في منطقة آسيا والمحيط الهادئ. وتعتبر أفريقيا المنطقة الأولى عالميا من حيث انتشار الزواج القسري (4.8 حالة لكل ألف شخص).
وبشكل خاص، ركزت الدراسة الاهتمام على الصلة بين العبودية والهجرة غير الشرعية. وخلصت إلى القول إن «المهاجرين غير الشرعيين الذين كانوا على الأرجح ضحايا اعتداءات وعمليات ابتزاز وتجاوزات جنسية، يستطيعون في مستهل رحلتهم، إن يقرروا وضع أنفسهم بملء إرادتهم بين أيدي المهربين».


الكاتب : إعداد: عبدالكريم الوازي

  

بتاريخ : 04/12/2017