أشجان رسائل دامية

هل انتهى زمن العبودية بكل دلالاته وأبعاد معناه؟ كيف يستقيم الحديث عن الحرية حين يتم القبول بمآل تقود إليه الحاجة لمواصلة الحياة؟ كيف تعيق عوائد الزمن مسار توالي الأيام في بحبوحة عيش وراحة بال؟ جملة أسئلة تحملها الوقائع في شكل معاناة يومية مثقلة بالإذلال، أكثر من حالة تعرض في تفاصيلها ما يعيق بلورة كل صيغ تمثل الحرية، وتكشف معالم تفسخ الروابط الاجتماعية وكل مظاهر تلاشي الأواصر الإنسانية ومعاني صفاء المشاعر وجلال الاحتضان.
في «رسائل دامية» الإصدار الأخير للروائية زهرة رميج، استقراء مكثف لكل ظواهر الاسترقاق وشروط تعدد علائقه وتنوع مظاهره. فعلى الرغم من كل ما يثار ويتداول حول إلغاء العبودية بموجب الإعلان العالمي لحقوق الانسان، الذي يجرم المتاجرة في البشر، وتعذيبهم والحط من كرامتهم ومعاملتهم معاملة لا إنسانية، إلا أنها لا تزال تجري في دماء أغلبية الناسـ
جملة وقائع ومعاناة تثير أكثر من سؤال حول شروط الحق في الحياة بكل عزة وكرامة. تفتح الرواية في بنية فصولها، أكثر من نافذة حول معيش خادمات البيوت، شروط عيشهن وما يتعرضن له من ممارسات تستهدف الإدلال والاجبار على الخنوع، وكل ما يقابل ذلك من استسلام للمهانة بما يسمح بسد الرمق ومواصلة البحث عن لحظة استرخاء لتملي نسائم الحياة. صراط من جحيم يستعرض واقع شخوصه بكل تفاصيل لحظاته، وما تركه من جرح أليم لم يزده تعاقب الأيام إلا استفحالا. بؤس الطفولة يوازيه التهميش المجتمعي على كل المستويات. حيث يصبح الحرمان من كل مداخل الانعتاق قدرا أزليا، تواكبه احزان ونوائب لا حد لها.
رسائل دامية، نافذة مترعة وكاشفة لما تعانيه ثلة من المهمشات، اللواتي لم تستقم حياتهن إلا بعد معاناة وسط حيف مجتمعي، يقود إلى الانسياق والإذعان للآخر المتسلط بقوة نفوده وجبروت استعلائه.
…كم هي غريبة هذه الحياة؟ … كل يوم نعيشه نكتشف فيه وجها جديدا من وجوهها التي لا تحصى…وكم هو غريب هذا الانسان الذي يقال عنه بأنه أفضل المخلوقات وأنه خليفة الله في الأرض…
جملة من الاستفهامات تنجلي، كلما استعاد الواحد منا مجريات ووقائع محيطه، وما يعج به من مظاهر التهميش والازدراء، حيوات فئات كثيرة العطاء محدودة التطلعات، قدرها أن ترضي الأخرين وتسدي لهم أكبر الخدمات، سعي دائم لتجاوز هموم الذات، مقابل الحق في العيش على الهامش والاكتفاء بما يجود به الآخر من فتات.
رسائل دامية… اسهام ابداعي، يسلط الضوء على معاناة ثلة من المحرومات والمحرومين، اللواتي والذين جعلتهم ظروفهم المزرية تحت رحمة آخرين، يترصدون كل من في حاجة للقمة عيش، أو للحظة استقرار معنوي تدنيه من ذاته كإنسان يسعى لتحقيق مروءته والرقي بذاته. حظ النساء من القسوة أوفر لما يتعرضن له من ابتزاز، يستهدف خصوصيتهن ويحد من قدرتهن على التصدي والمواجهة لكل أساليب الاستعباد.


الكاتب : أحمد الحبشي

  

بتاريخ : 29/07/2025