قدمت مقترحات لتثمينه في مجالات الصناعات الغذائية
والمكملات الصحية والاقتصاد البيئي
في مشهد أكاديمي يكرس حضور البحث العلمي كرافعة للتنمية، شهدت كلية العلوم والتقنيات ببني ملال يوم الثلاثاء 15 يوليوز 2025 حدثا علميا متميزا، تمثل في مناقشة أطروحة دكتوراه للباحثة المغربية فاطمة الزهراء الدباح تحت عنوان «التثمين البيوكيميائي والبيولوجي لثمار الخروب بإقليم خنيفرة»، وقد شكلت هذه المناقشة نقطة مضيئة في مسار الجامعة المغربية، بالنظر إلى الأهمية التي تكتسيها الدراسة على المستويين البيئي والاقتصادي، في سياق وطني يتجه نحو تثمين الموارد الطبيعية وربط البحث الأكاديمي بمتطلبات التنمية المستدامة، علما أن شجرة الخروب لم تعد مجرد رمز بيئي، بل هي رهان اقتصادي ومصدر فرص جديدة في عالم يبحث عن البدائل المستدامة.
أجواء النقاش العلمي عكست عمق الموضوع وجديته، إذ تناولت الباحثة بالدراسة والتحليل التركيبة البيوكيميائية لشجرة الخروب، وأبرزت خصائصها البيولوجية التي تجعل منها موردا استراتيجيا متعدد الاستخدامات، لا يقتصر على كونها منتوجا طبيعيا، بل يتعداه ليشكل قاعدة للتصنيع الغذائي والدوائي، بما يفتح آفاقا واسعة أمام الاقتصاد الأخضر والصحة العمومية، وقدمت الأطروحة مقترحات عملية لتثمين هذه الثروة الطبيعية في مجالات الصناعات الغذائية والمكملات الصحية والاقتصاد البيئي، مؤكدة أن الخروب لم يعد مجرد شجرة تقليدية في الأطلس، بل مكونا استراتيجيا ضمن البدائل الفلاحية ذات المردودية العالية والقيمة المضافة.
لجنة المناقشة، التي ترأسها ذ. عبد السلام أسحراو، لم تخف إعجابها بالصرامة المنهجية التي طبعت البحث، وبقيمته التطبيقية التي تجعل منه مرجعا يمكن أن تستفيد منه قطاعات حيوية، خاصة في ظل التحديات المناخية والاقتصادية الراهنة، وقد توج هذا الاعتراف العلمي بمنح الباحثة شهادة الدكتوراه بميزة «مشرف جدا»، وهي أعلى درجة أكاديمية في هذا الإطار، بحضور أسماء علمية وازنة من جامعات وطنية ودولية، من بينها ذة. رشيد الصباحي، سناء صبور العلوي، إلهام الزاهير، بوشرة الكروج، السعدة بلقليعة، إضافة إلى د. إبراهيم حمد أبوبكر من مستشفى بيلتيي بجيبوتي كضيف شرف، ود. طارق عنان من المدرسة العليا للتكنولوجيا بخنيفرة كمشرف مباشر على البحث.
هذا العمل العلمي لا يندرج فقط في سياق أكاديمي صرف، بل يواكب توجه المغرب نحو الاستثمار في سلاسل الإنتاج المحلية، وربطها باستراتيجيات كبرى مثل مخطط «الجيل الأخضر 2020-2030» و»غابات المغرب»، التي تراهن على تثمين المنتوجات الطبيعية وتحويلها إلى مصادر للثروة المستدامة، ويأتي إقليم خنيفرة في صلب هذه الرؤية، حيث أُطلقت مشاريع كبرى لزراعة الخروب على مساحة تفوق 1442 هكتارا تشمل 12 جماعة قروية، بهدف تحسين دخل الفلاحين، وخلق فرص شغل، والحد من الهشاشة الاجتماعية، فضلا عن تعزيز التوازن الإيكولوجي.
وتكتسي هذه الجهود بعدا إضافيا حين نعلم أن المغرب يحتل المرتبة الثانية عالميا في إنتاج الخروب، بإنتاجية تصل إلى نحو 60 ألف طن سنويا، مع طموح لزيادة المساحات المزروعة بمعدل 5100 هكتار سنويا، في أفق بلوغ 100 ألف هكتار بحلول 2030، هذه الأرقام تكشف الإمكانات الهائلة لهذا القطاع، الذي يمكن أن يتحول إلى رافعة اقتصادية حقيقية إذا تم تنظيمه وتأهيله تقنيا، خصوصا أن استغلال الخروب في المغرب ما يزال محدودا بسبب ضعف التنظيم وقلة الاستثمار في التصنيع والتثمين العلمي، وهو ما تسعى مثل هذه الأبحاث الجامعية إلى تجاوزه بطرح حلول مبتكرة تستند إلى المعرفة العلمية.
إن الأطروحة التي ناقشتها الباحثة فاطمة الزهراء الدباح لا تقدم مجرد نتائج أكاديمية، بل تفتح نقاشا واسعا حول ضرورة جعل البحث العلمي في خدمة التنمية الترابية والاقتصاد الأخضر، خصوصا في مناطق مثل الأطلس المتوسط التي تزخر بموارد طبيعية هائلة، لكنها في حاجة إلى تثمين حقيقي يقوم على الابتكار، والاستثمار في الصناعات التحويلية، وتشجيع التعاونيات الفلاحية، بما يضمن تحقيق الأمن الغذائي ويعزز مكانة المغرب في سلاسل الإنتاج العالمية لمنتجات طبيعية ذات قيمة مضافة عالية، ومن هنا تتجلى دلالة البحث العلمي لفاطمة الزهراء الدباح كلبنة إضافية في صرح التنمية المحلية والوطنية.