أغلبها مشاريع قوانين لا تزال حبيسة لدى الأمانة العامة للحكومة ورش إصلاح المؤسسات العمومية.. الحكومة تراكم النصوص وتتأخر في الإنجاز

 

بالرغم من كل ما أعلنته الحكومة من نوايا إصلاحية، يظل ورش إعادة هيكلة المؤسسات والمقاولات العمومية بالمغرب رهين بطء في التنزيل وتردد واضح في اتخاذ قرارات حاسمة، فالمؤسسات العمومية، بما راكمته من اختلالات هيكلية وتداخل في المهام وضعف في النجاعة، ما زالت تمثل عبئا ثقيلا على المالية العمومية، بدل أن تكون رافعة تنموية تعزز جاذبية الاقتصاد الوطني وتدعم السياسات العمومية في القطاعات الاستراتيجية.
في هذا السياق، كشف عبد اللطيف زغنون، المدير العام للوكالة الوطنية للتدبير الاستراتيجي لمساهمات الدولة وتتبع نجاعة أداء المؤسسات والمقاولات العمومية، عن تفاصيل تقدم هذا الورش، الذي وصف منذ البداية بـ»الاستراتيجي»، لكنه لم يتحول بعد إلى ورش منجز فعليا. فعدد كبير من المؤسسات العمومية ذات الطابع التجاري ما زالت لم تتحول إلى شركات مساهمة، على الرغم من أن القانون الإطار رقم 50.21، الذي يشكل العمود الفقري لهذا الإصلاح، صدر منذ سنوات. وبينما تم الإعلان عن شروع الحكومة في تفعيل هذا الورش، فإن الحصيلة العملية تظل محدودة، سواء من حيث عدد المؤسسات التي تم تحويلها فعليا أو من حيث الإصلاحات البنيوية التي يفترض أن ترافق هذا التحول.
فمن بين المؤسسات التي يجري العمل على تحويلها إلى شركات مساهمة نجد المكتب الوطني للهيدروكاربورات والمعادن، والمكتب الوطني للمطارات، والمكتب المغربي للملكية الصناعية والتجارية، وهي مشاريع قوانين لا تزال تراوح مكانها داخل الأمانة العامة للحكومة. كما أن مشاريع أخرى تخص المكتب الوطني للصيد، ووكالة المغرب العربي للأنباء، والمختبر الرسمي للتحليلات والبحوث الكيميائية، والوكالة الوطنية للموانئ، لم تتجاوز بعد مرحلة الصياغة والنقاش، في وقت يفترض أن تكون هذه المشاريع قد نضجت منذ أشهر. أما المشاريع المتعلقة بصندوق التجهيز الجماعي ووكالة تهيئة ضفتي أبي رقراق فما تزال في طور الإعداد النهائي، ما يعكس بطءا إداريا يطيل أمد الإصلاح ويضعف الأثر المنتظر منه.
ويزداد هذا البطء وضوحا في ما يتعلق بالمؤسسات ذات الطابع الحيوي والاستراتيجي، مثل المكتب الوطني للكهرباء والماء الصالح للشرب، ووكالة تهيئة موقع بحيرة مارشيكا، حيث لا تزال دراسات التموقع الاستراتيجي قيد الإنجاز، في وقت تعاني فيه هذه المؤسسات من تحديات تمويلية كبيرة، وكان الأجدر بالحكومة التسريع في إعادة هيكلتها وتوضيح أدوارها ضمن المحفظة العمومية الجديدة.
أما ما يهم إعادة هيكلة القطاع السمعي البصري، والذي طالما شكل نقطة ضعف في الأداء العمومي، فقد تم الإعلان عن إحداث قطب عمومي جديد من خلال تحويل قناة “ميدي 1 تيفي” وإذاعة “ميدي 1” إلى شركات تابعة للشركة الوطنية للإذاعة والتلفزة، وهي خطوة تم تنفيذها خلال سنة 2024، بينما لا تزال عملية تحويل شركة “صورياد دوزيم” إلى شركة تابعة عالقة، وهو ما يفتح الباب أمام تساؤلات عديدة حول مدى جدية هذا الإصلاح ومدى قدرته على خلق نموذج إعلامي عمومي متكامل وفعال.
ورغم كل هذه التحركات، فإن الأرقام المعلن عنها تعكس واقعا مغايرا للصورة التي تسعى الحكومة إلى رسمها. فعدد طلبات إبداء الرأي التي توصلت بها الوكالة الوطنية منذ أبريل 2023 بلغ 95 طلبا، تمت الموافقة على 78 منها فقط، مع رفض 7، ولا تزال 10 طلبات قيد المعالجة. صحيح أن هذه الأرقام تهم مجالات مختلفة كالبنيات التحتية والمالية والطاقة، لكن الإشكال يكمن في بطء وتيرة المعالجة وفي غياب معايير شفافة للتقييم والمصادقة.
ولا يقتصر التأخر في التنزيل على الجوانب التقنية والقانونية فقط، بل يطال أيضا الجوانب الاستراتيجية، مثل غياب رؤية متكاملة لدمج أو تصفية المؤسسات غير الفعالة. فقد كشفت وزيرة الاقتصاد والمالية، نادية فتاح، عن وجود 81 هيئة قيد التصفية، أي ما يمثل 23% من مجموع المحفظة، وهي نسبة تعكس اختلالا عميقا في تدبير الزمن الإصلاحي، خاصة وأن أغلب هذه المؤسسات ظلت لعقود بدون أثر يذكر على الاقتصاد الوطني، وتستنزف موارد الدولة دون مردودية.
وتراهن على الحكومة الوكالة الوطنية للتدبير الاستراتيجي لمساهمات الدولة كمحرك رئيسي لهذا الإصلاح، غير أن هذه الوكالة نفسها تشتغل في ظل بيئة إدارية وتشريعية متثاقلة، ما يجعل من آلية التغيير رهينة اعتبارات سياسية وحسابات ظرفية أكثر من كونها عملية تقنية موجهة بنتائج وأهداف واضحة.
وبينما تؤكد الحكومة أن حوالي 70 مؤسسة ومقاولة عمومية بلغت مستوى متقدما من النضج في عمليات إعادة الهيكلة، إلا أن غياب مؤشرات للقياس وشفافية في تتبع النتائج يجعل من الصعب تقييم ما إذا كان هذا النضج يترجم إلى أثر حقيقي. فالمؤسسات التي تم الحديث عنها، من قبيل مجموعة العمران، بريد المغرب، المكتب الوطني للسكك الحديدية، الشركة الوطنية للطرق السيارة، لا تزال بحاجة إلى تحولات عميقة، سواء على مستوى نماذج الحكامة أو طرق التمويل أو فعالية الأداء. وبالتالي، فإن ورش إصلاح المؤسسات والمقاولات العمومية، الذي انطلقت شرارته الأولى من التوجيهات الملكية لسنة 2020، لا يزال يسير بخطى متعثرة، في ظل غياب إرادة سياسية واضحة لتجاوز منطق الانتظار والتردد.


الكاتب : عماد عادل

  

بتاريخ : 24/06/2025