أفلام غيرت العالم 8- بامبي

 

هناك تعريف شائع يقول بأن السينما هي إعادة ترتيب الوعي في عقول الجمهور، فالسينما ليست فقط مرآة تعكس ما يجري في المجتمع بل أيضا أداة لإعادة تشكيل المجتمع.
فإذا كانت السينما، ككل الفنون، أداة للتعبير عن رؤية معينة اتجاه الواقع، إلا أن تأثيرها على الناس أقوى من كل أدوات التعبير الفنية الأخرى، حيث استطاعت، منذ ظهورها، أن تشكل قوة مؤثرة في الرأي العام، قوة قادرة على تكوين أو المساهمة في تكوين رؤية مشاهديها لهذا العالم وأن تؤثر بشكل ملحوظ في تغيير نظرتنا للواقع بمختلف تجلياته.
ضمن هذا الاتجاه تميزت أفلام عديدة، بكون تأثيرها كان أقوى من غيرها حيث انها كذلك قادت إلى تغيير قوانين، سياسات، سلوكيات وأفكار، كان العديد منها يعتبر من المسلمات، وبذلك تتضح القدرة الفائقة للسينما على تغيير الواقع والوعي الإنساني.
في هذه السلسلة مجموعة من الأفلام التي، بفضل جرأتها، ثرائها الفني وعمقها الإنساني، استطاعت أن تساهم بشكل كبير في تغيير العالم إلى الأفضل.

 

هناك رأي خاطئ يعتبر أن الرسوم المتحركة موجهة فقط للأطفال، والحقيقة فإن العديد من هذه الأعمال كانت موجهة للكبار قبل الصغار، فسلسلة “آل سيمسون” مثلا بما حملته من نقد سياسي واجتماعي أعجب بها وتابعها الكبار بشكل ملفت، ونفس الأمر بالنسبة لأفلام سينمائية من الرسوم المتحركة التي خلفت صدى كبير وحصلت على جوائز هامة، واثبتت أنه في مجال الدراما والسينما على الخصوص فما يهم هو المضمون والأسلوب الفني.
بالنسبة للسينما وكلما ذكرت أفلام الرسوم المتحركة لا بد أن يتم استحضار الفيلم الأمريكي “بامبي” الذي أنتج سنة 1942، وهو من الافلام التي أنتجتها الشركة الرائدة في هدا المجال، ديزني، وذلك لأنه الفيلم الاشهر والاكثر مشاهدة وإثارة للنقاش بل إنه أدى بعد ظهوره إلى تقلص صيد الحيوانات والغزال خصوصا إلى النصف وكان وراء عدة قرارات مشددة لتقنين الصيد وحماية المجال الغابوي والأهم من ذلك جعل من الاهتمام بالحيوانات البرية والغابة قضية تخص الشأن العام.
فيلم “بامبي” مقتبس عن رواية “بامبي قصة حياة في الغابة” للكاتب النمساوي “فيليكس سالتن” التي نشرت سنة 1923، كتب له السيناريو “بيرس بيرس” و”لاري موري” وأخرجه “دافيد هاند” وهو سادس فيلم رسوم متحركة أنتجته شركة والت ديزني.
يحكي الفيلم قصة الغزال الصغير “بامبي” الذي يعيش مع أمه التي ترعاه ويكتشف معها أسرار الغابة وتوالي الفصول، ويقضي معها اوقاتا سعيدة، حيث يتعرف على أصدقاء عديدين من صغار الحيوانات، ببنهم الغزالة “فالين” والأرنب “تامبر” لكن لحظات السعادة والمرح سرعان ما ستنتهي بعد أن يقتل صيادون أمه ويصبح وحيدا، ويكبر ويقع في حب صديقته القديمة “فالين” ثم يشب حريق في الغابة فيسرع “بامبي” إلى إنقاذها وانقاذ أصدقائه والهروب من الصيادين.
شكل لفيلم علامة فارقة في أعمال شركة ديزني وأفلام الرسوم المتحركة بشكل عام، وأسال الكثير من المداد، لأنه لفت الانظار إلى قضية كانت مغيبة آنذاك، الا وهي الرفق بالحيوان، ويعتبره النقاد من أهم الأفلام الأمريكية، وكثيرا ما ذكرت أحداثه في المسلسلات والأفلام الامريكية، كما أنه طبع ذاكرة أجيال من الأطفال رغم طابعه الحزين، وتمت دبلجته الى العديد من اللغات، بما فيها العربية الفصحى واللهجة المصرية، وكان وراء الحملة التي قام بها عضو مجموعة “البيتلز” السابق، المغني “بول ماكارتني” للرفق بالحيوان.
إضافة إلى ذلك، اختار “المعهد الامريكي للفيلم”، شريط “بامبي” كثالث أفضل فيلم رسوم متحركة على الإطلاق، وذلك سنة 2008، وفي سنة 2011، ثم اختياره ضمن الأفلام التي يجب حفظها في مكتبة الكونغرس لـ “اهميته الثقافية والتاريخية والفنية”
ومن أغرب ما حدث مع هذا الفيلم، مما يترجم أهميته رغم كل هذه السنوات، قضية تعود إلى سنة 2018، عندما حكمت محكمة في ولاية “ميسوري” الأمريكية على متهم بالصيد غير القانوني للغزلان، بمشاهدة فيلم “بامبي” على الأقل مرة واحدة في الشهر خلال السنة السنة التي جكم عليه بها في السجن.
في سنة 2011 وفي حوار مع الممثل “بيتر بين” الذي أدى، بصوته، دور الأرنب ” تامبر” وكان آنذاك في الثانية والثمانين من العمر، قال “أنا أضمن لكم أنه من بين 10 أشخاص هناك 9 سيجيبون بنعم فيما لو سالتموهم إذا كانوا شاهدوا الفيلم.. من النادر جدا أن تجد أشخاصا لم يشاهدوه ولم يتاثروا به بشكل أو بآخر” ملخصا بذلك اهمية وتأثير فيلم “بامبي” على اجيال من المشاهدين في مختلف بقاع العالم.


الكاتب : عزيز الساطوري

  

بتاريخ : 04/05/2020

أخبار مرتبطة

يقدم كتاب “ حرب المئة عام على فلسطين “ لرشيد الخالدي، فَهما ممكنا لتاريخ فلسطين الحديث، بشَـن حـرب استعمارية ضد

يؤكد الفيلسوف ميشيل فوكو أن عصر الأنوار «لم يجعل منا راشدين»، ظلك أن التهافت الأخلاقي للغرب ظل يعيش، إلى الآن،

نعود مجددا إلى «حياكة الزمن السياسي في المغرب، خيال الدولة في العصر النيوليبرالي»، هذا الكتاب السياسي الرفيع، الذي ألفه الباحث

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *