خاض الباحث فراس السواح في مواضيع تتعلق بالأديان والفلسفات والأساطير فى الشرق، وفي عقد المقارنات بين الأديان، ومن ذلك ما فعله فى كتابه «القصص القرآنى ومتوازياته التوراتية»، إذ طرح مسألة التشابه بين القصص القرآنى والقصص التوراتى من زاوية الباحث الذي يعتمد منهج علم الأديان المقارن. فسرد أمامنا قصص العديد من الأنبياء كلوط وابراهيم وإسماعيل ويوسف وموسى وداوود وسليمان ويونس وغيرهم..
سفر التكوين: فأخذ الإخوة الهدية وضعف الفضة في أيديهم، وقاموا ونزلوا إلى مصر، ووقفوا أمام يوسف، فاستدعى يوسف حاجبه وأسّرَّ إليه أن يأخذهم إلى بيته ويهيئ لهم طعاماً، لأنه سوف يتناول معهم طعام الغداء، ففعل الرجل كما قال يوسف وأدخل الإخوة إلى البيت، فتخوفوا وقال بعضهم لبعض هذا بسبب الفضة التي رجعت في أكياسنا؛ ولكن الحاجب طمأنهم وأعطاهم ماءً ليغسلوا أرجلهم لأنهم سيأكلون مع يوسف عند الظهيرة. فلما جاء يوسف إلى البيت أحضروا له الهدية وسجدوا إلى الأرض؛ فسأل عن سلامتهم وقال: أحيٌ أبوكم الشيخ الذي قلتم عنه، وسالم هو؟ فقالوا: عبدك أبانا حي وسالم. فرفع عينيه ونظر إلى بنيامين وقال: أهذا هو أخوكم الصغير الذي قلتم عنه؟ ثم خنقته العبرات، فتولى عنهم ودخل المخدع فبكى، ثم غسل وجهه وخرج وتجلد وقال : قدموا الطعام.
ولما انتهوا قال يوسف لحاجبه أن يملأ أكياس الرجال بالقمح، ويضع فضة كل واحد منهم في فم كيسه، وأعطاه طاس الفضة خاصته الذي يشرب به، وأمره أن يضعه في فم كيس بنيامين الصغير مع ثمن قمحه، فلما أضاء الصبح انصرف الإخوة. فقال يوسف لحاجبه : قم اسع وراءهم وفتش أكياسهم بحثاً عن الطاس. فلما أدركهم قال : لماذا جازيتم الخير بالشر؟ إن طاس سيدي مفقود. فقالوا له: حاشا لعبيدك أن يفعلوا مثل هذا الأمر. إن الذي يوجد معه الطاس من عبيدك يموت، ونحن أيضاً نكون عبيداً لسيدي. ففتش أكياسهم مبتدئاً بالكبير حتى انتهى إلى الصغير، فوجد الطاس في كيس بنيامين، وساقهم عائداً بهم إلى المدينة. فقال لهم يوسف: الرجل الذي وُجد الطاس في يده يكون عبداً، وأما أنتم فاصعدوا بسلام إلى أبيكم. فتقدم إليه يهوذا وقال: لقد سألنا سيدي هل لكم أب أو أخ، فقلنا لنا أب شيخ وله اين شيخوخة مات أخوه وبقي هو وحده لأمه، وأبوه يحبه؛ والآن متى جئنا إلى أبينا والغلام ليس معنا، ونفسه مرتبطة به، يكون متى رأى أن الغلام مفقود يموت؛ وقد ضمِن عبدك الغلام لأبي قائلاً إن لم أجيء به إليك أُصبح مذنباً إليك كل الأيام؛ فالآن ليمكث عبدك عوضاً عن الغلام عبداً لسيدي، ويصعد الغلام مع إخوته. فلم يستطع يوسف أن يضبط نفسه، وأطلق صوته بالبكاء وقال: أنا يوسف أخوكم الذي بعتموه إلى مصر. والآن لا تتأسفوا على ذلك، فقد أرسلني لله قدامكم ليجعل لكم بقية في الأرض، وليصنع لكم نجاة عظيمة. والآن أسرعوا واصعدوا إلى أبي وقولوا له أن يأتي إلي هو وبنوه وبنو بنيه، لأنه يكون جوعاً في الأرض أيضاً خمس سنين. ثم وقع على عنق بنيامين وبكى، وبكى بنيامين على عنقه، وقبّل إخوته، وبكى عليهم.
فصعدوا من مصر وجاؤوا إلى أرض كنعان إلى يعقوب أبيهم وأخبروه قائلين: يوسف حي بعدُ، وهو متسلط على كل أرض مصر. فجمد قلبه لأنه لم يصدقهم. ثم كلموه بكل ما قاله يوسف لهم. وأبصر يعقوب العجلات التي أرسلها يوسف لتحمله، فعاشت روحه فقال: كفى أن ابني حي. أذهبُ وأراه قبل أن أموت. وقام يعقوب من بئر السبع، وحمل بنو إسرائيل أباهم وأولادهم في العجلات التي أرسلها فرعون لحمله ، وأخذوا مواشيهم وكل مقتنياتهم وجاؤوا إلى مصر (التكوين 43: 15-34 و 44: 1-34 و45: 1-28 و46: 1-7 ).
سورة يوسف: تتابع الرواية القرآنية خيوط الحبكة القصصية ذاتها ولكن مع إضافة عنصرين غير موجودين في الرواية التوراتية، وهما رحلة إضافية يقوم بها الإخوة بين مصر وكنعان ومعهم قميص يوسف، وكشف يوسف عن هويته لأخيه بنيامين قبل أن يكشفها للآخرين :
«ولما دخلوا على يوسف آوى إليه أخاه (23)، قال: إني أخوك فلا تبتئس بما كانوا يعملون، فلما جهزهم بجهازهم جعل السِقّاية ( 24) في رحل أخيه. ثم أذّن مؤذن: أيتها العير إنكم لسارقون. قالوا، وأقبلوا عليهم : ماذا تفقدون؟ قالوا: نفقد صواع الملك (25) ولمن جاء به حِمل بعير، وأنا به زعيم (26). قالوا: تالله لقد علمتم ما جئنا لنفسد في الأرض، وما كنا سارقين. قالوا: فما جزاؤه إن كنتم كاذبين؟ قالوا: جزاؤه من وُجد في رحله فهو جزاؤه، كذلك نجزي الظالمين (27). فبدأ بأوعيتهم قبل وعاء أخيه، ثم استخرجها من وعاء أخيه. كذلك كدنا ليوسف، ما كان له أن يأخذه في دين الملك (28)، إلا أن يشاء لله، نرفع درجات من نشاء وفوق كل ذي علم عليهم. قالوا: إن يسرق فقد سرق أخ له من قبل (29). فأسرّها يوسف في نفسه ولم يبدها لهم. قال: أنتم شر مكاناً والله أعلم بما تصفون. قالوا: يا أيها العزيز إن لنا أباً شيخاً فخذ أحدنا مكانه، إنا نراك من المحسنين. قال: معاذ لله أن نأخذ إلا من وجدنا متاعنا عنده، إنا إذاً لظالمون. فلما استيئسوا خلصوا نجيّاً (30). قال كبيرهم : ألم تعلموا أن أباكم قد أخذ عليكم مَوْثقاً من لله، ومن قبلُ ما فرطتم في يوسف، فلن أبرح الأرض حتى يأذن لي أبي أو يحكم الله لي (31) والله خير الحاكمين. ارجعوا إلى أبيكم فقولوا يا أبانا إن ابنك سرق، وما شهدنا إلا بما علمنا، وما كنا للغيب حافظين. واسأل القرية التي كنا فيها والعير التي أقبلنا فيها، وإنا لصادقون.
«قال (32): بل سولت لكم أنفسكم أمراً، فصبر جميل عسى لله أن يأتيني به جميعاً، إنه هو العليم الحكيم.. وتولى عنهم وقال: يا أسفى على يوسف، وابيضت عيناه من الحزن فهو كظيم. قالوا: تالله تفتأ تذكر يوسف حتى تكون حَرَضاً (33). أو تكون من الهالكين. قال: إنما أشكوا بَثِّي وحزني إلى لله، وأعلم من لله ما لا تعلمون. يا بَنيَّ اذهبوا تحسسوا من يوسف وأخيه، ولا تيأسوا من روح لله، إنه لا ييأس من روح لله إلا القوم الكافرون.
«فلما دخلوا عليه قالوا: يا أيها العزيز مسّنا وأهلنا الضُرّ، وجئنا ببضاعة مُزْجَاة (34)، فأوف لنا الكيل وتصدق علينا، إن لله يجزي المتصدقين. قال: هل علمتم ما صنعتم بيوسف وأخيه، إذاً أنتم قوم جاهلون. قالوا: أئنك لأنت يوسف؟ قال: أنا يوسف وهذا أخي، قد منّ لله علينا، إنه من يتق لله ويصبر فإن لله لا يضيع أجر المحسنين. قالوا: تالله لقد آثرك علينا، وإنا كنا لخاطئين. قال: لا تثريب عليكم اليوم (35). يغفر الله لكم وهو أرحم الراحمين. اذهبوا بقميصي هذا فألقوه على وجه أبيكم يأت بصيراً، وآتوني بأهلكم أجمعين.
«ولما فصلت العير (36) قال أبوهم : إني لأجد ريح يوسف لولا أن تفندون (37) قالوا: تالله إنك لفي ضلالك القديم. فلما أن جاء البشير ألقاه على وجهه فارتد بصيراً. قال: ألم أقل لكم إني أعلم من لله ما لا تعلمون. قالوا : يا أبانا استغفر لنا ذنوبنا إنا كنا خاطئين. قال: سوف أستغفر لكم ربي إنه هو الغفور الرحيم.