« أوراق من دفاتر قديمة » للفاعل السياسي عبد الرحمن زكري

مسار نضالي مشع، وأسرار مع الراحل محمد أشركي

أصدر عبد الرحمن زكري، ضمن منشورات مركز محمد بنسعيد آيت إيدر للأبحاث والدراسات، كتاب « أوراق من دفاتر قديمة» ، أهداه لذكرى رفاق فقدَ المؤلف أغلبَهم في الأربع سنوات الماضية، وهم بالترتيب الزمنيّ: عبد الله مينّي، عبد السلام حيمر، أحمد الوردي، رحمة ثابت، جبور التهامي، عبد القادر تقي الدين، حسن العدناني وشكيب أرسلان…
يتطرق الفاعل السياسي عبد الرحمن زكري ، إلى جزء من مساره النضالي داخل مدينة المحمدية ويمتد من 1983 حتى 2020 عام كورونا ، سواء ما اتصل منها بالعلاقات مع السلطات المحلية(خلال الفترة التي تحمل فيها المؤلف المسؤولية منذ أول لجنة محلية مؤقتة، تأسيسية لمنظمة العمل الديمقراطي الشعبي بالمحمدية أواسط 1983 ، حتى انعقاد مؤتمرها المحلي الثالث في 1994)، وما عرفته تلك العلاقات في بعض المراحل من عُقد وأزمات، ومن تضييقات وانتقامات ضد المنظمة كهيأة، وضد عدد من مسؤوليها ومناضليها كأفراد…أو ما تعلق منها بالعلاقات مع قوى الصف الوطني الديمقراطي، وخاصة منها الاتحاد الاشتراكي الذي جمعته مع منظمة العمل، في البداية، أكثر من ساحة نضال حققا في بعضها، بمعية قوى تقدمية أخرى، مكاسب راسخة وهامة رغم محدوديتها كمّيا.
ويقول عبد الرحمن زكري في تصدير الكتاب : « يفرض واجب الاعتراف والإنصاف أن نشهد أننا في خضم كل تلك الأزمة في العلاقات الرسمية ، كنا نحن أيضا نسجل عطفا حقيقيا وصادقا ذا قيمة ومغزى من قبل بعض هؤلاء المناضلين في الاتحاد الاشتراكي أو في محيطه العاطف ، كانوا يتمايزون ويعبرون عن رفضهم لعقلية ولممارسات التيار الحزبي الذي كان سائدا في الاتحاد وقتئذ، أذكر الأخ الفقيد الغالي محمد أشركي رحمة الله ، أول رئيس رئيس اتحادي للمجلس البلدي للمحمدية تولى باقتدار والتزام وإخلاص ونظافة يد قيادة واحدة من أكثر تجارب التسيير الجماعي نجاحا على مستوى الوطن ككل ، وكان على المستوى المهني والنضالي طاقة عمل لا تنضب، وعلى المستوى الانساني عملة نادرة تفيض وفاء ونبلا وتواضعا. أنا ما أزال أذكر رحمة الله عليه ، حين كانت المنظمة لا تزال حديثة التأسيس بالمحمدية أوائل الثمانينات ، كيف دعاني للقاء ثنائي أراده خاصا بيننا، وكنت حينها الكاتب العام للجنة منطقة المحمدية ، وكيف أنه أدهشني وحتى أخجلني حقيقة، عندما شرع يرجوني مناشدا وملحا، أن أقبل دعما ماديا منه لفرع المنظمة الناشئ، وأن ننزله أنا ورفاقي ، المنزلة التي أراد – خارج أي سياق آخر أو أية قراءة أخرى – كمساهمة منه في جهد تجهيز مقرها، قبل أن يختم بتمنيه أن تبقى دائرة الاطلاع على الأمر محصورة في حدود النواة المسؤولة للمنظمة ، ويترك أمر التعميم على مستوى التنظيم ككل للوقت المناسب ، عندما تطرحه الضرورات القانونية والتنظيمية على جدول أعمال أول استحقاق تنظيمي للمنظمة كانعقاد مؤتمر من مؤتمراتها المحلية مثلا …وكذلك كان.
وأذكر من ضمن هؤلاء الإخوة الأعزاء أيضا ، فقيدنا الكبير جميعا الاخ والصديق إدريس البطاي المناضل النقابي الفذ الذي يقدره الجميع والذي تُواكبُ دائما بشاشته وضحكاته الصاخبة، مواقفه الثابتة والصلبة من أجل استقلالية العمل النقابي وديمقراطيته وجماهيريته ( لاسامير) ، كما أذكر المستشار الجماعي ( سابقا) وكاتب النقابة الوطنية للتعليم بالمحمدية ( سابقا ) قيد حياته الأخ المهدي السكراتي تغمدهما الله معا برحمته ، وكذا المناضل الفذ الأخ والصديق العزيز عبد السلام علوش ، شفاه الله وأطال عمره الذي لم يكن يخاف لومة لائم – وهو الذي سبق له أن احتك وتعرف على بعض مناضلي المنظمة في مدينة فاس أواخر السبعينات ، وهي لا تزال تعمل في السرية ، وعلى رأسهم الرفيق محسن عيوش متعه الله بالصحة وأطال عمره» .
كتاب عبد الرحمن زكري هو مجموعة من التقارير الصحفية والمتابعات، تغطي من جهتها مساحة هامة من الكتاب…وتدور كلها حول بعض فصول وارتدادات هجوم الرأسمال في المدينة، وهي أحد المراكز الصناعية الهامة في البلاد، وعن أوضاع الطبقة العاملة، بممارسة أقوى الضغوط على حقوقها الاجتماعية النقابية بأدوات «شرعية» جديدة ك»مرونة الشغل»، و»حرية العمل»…وانتقال السلطة في معظم المعارك، بالتدريج، من موقع المتفرج، إلى موقع المتواطئ، ثم إلى موقع الشريك الذي لا يتردد في اللجوء لكل صنوف القمع والتنكيل، بواسطة القوة العمومية، لحماية مصالح خاصة لباطرونا الأموال والأعمال، محلية وأجنبية…
ولذلك، احتلت مواكبة نضالات الطبقة العاملة، والتعريف بأوضاعها وبملفاتها المطلبية، ودعمها لتثبيت حقوقها في مختلف مؤسسات الإنتاج، حيزا كبيرا، بالتغطية الإعلامية لنضالاتها وبالتحقيقات(سامير، إيكوما، أمبروطيكس، ميلتيطيكس، أفريسبور، ميسطونغ، أوجيفا، فندق ميرامار ميريديان…)، وأحيانا حتى ببعض المساعدات النقدية والعينية على محدوديتها ورمزيتها، التي كان يبادر بها المكتب المحلي للمنظمة…
وحضرت أيضا مشاكل المجال في المدينة، من دور الصفيح، إلى مناطق إعادة الإسكان، وصولا إلى التجزئات السكنيــة الجديدة…كما حضــرت قضايا ذات صلـــة بقطاعات حيوية كالتعليم…أو بقضايا الناس البسطاء العزل ومعاناتهم أمام جحيم المصالح الإدارية المختلفة(بوليس، محاكم، ضرائب ووكالات توزيع…) أو مع تجبر طغاة وفراعنة محليين صغار…
وفي تقديم للكتاب يكتب الأستاذ مصطفى بوعزيز المؤرخ، والفاعل السياسي :» أما نصوص الأستاذ زكري فهي مؤطرة بالجدل التالي: ممارسة الفكر، وفكر الممارسة، مما يعكس بجلاء المسار الوعر لتوجه فكري ونضالي أصيل وهو يحاول الانتقال من التمثل التبسيطي للماركسية ومفاهيمها المؤسسة، إلى الإحاطة بتعقيدات الواقع، دون السقوط في التبسيط الآخر، المقابل، وهو الواقعية المفرطة، الاستسلامية التي تحوّل الأداة النظرية إلى مجرد آلة تصوير فوتوغرافية رديئة».
ويضيف أن عددا من الأسئلة الحارقة حاضرة في الكتاب، منها مثلا: «أية مقاربة للمسألة الدينية، وأي تعامل منتج مع معتقدات الشعب؟ وأي تعريب أو تبييء للماركسية، كما صاغها روادها الكلاسيكيون، مع واقع كالواقع المغربيّ؟ وأية قاعدة اجتماعية للنضال الإصلاحي الاجتماعي الجذري؟ وأية إرادة للعمل الوحدويّ بين فصائل «السياق الاجتماعي الوطنيّ» لتطوير الفعل الجماهيري نحو التغيير الديمقراطي، تجنّبنا السقوط مجددا ضحايا لكوارث الهيمنة الخانقة، أو لمآسي القابلية «للتّمخزن» القاتلة؟….»
الكتاب يتضمن ملاحق أو ضميمات، كما سماها المؤلف، وهي وثائق من أرشيفه الخاص، من بينها عدد من البيانات والمراسلات والعرائض لقطاع الشغيلة التعليمية الديمقراطية بالمحمدية، وللجنة الوطنية لقطاع التعليم الأساسي والثانوي في منظمة العمل…كانت قد خاطبت بها الهيآتِ القياديةَ النقابية الوطنية، في موضوع «أزمـــة العمل النقابي المحليّ» في ذلك الإبّان، وكلها إخبار، وطلب تدخل، وتنبيه لضرورة محاصرة مفاعيلها التخريبية قبل فوات الأوان…كما تتضمن توثيقا تفصيليا للخروقات الانتخابية التي شهدتها كل الانتخابات بالمدينة، محلية كانت أو برلمانية، ومواقف منظمة العمل إزاءها…
تلك هي «أوراق» الأستاذ زكري التي انتقى فيها منتخبات من إنتاجاته، قدّر أنها تستحق منه منحَها فرصةَ حياةٍ أخرى، وفرصة اطلاع جديد عليها، سواء لأولئك الذين عاشوا مباشرة غمار هذه التجربة في مواقعها المختلفة، من رفاق له في التنظيم وأصدقاء وعاطفين، أو من أصدقاء ورفاق له في شتى التنظيمات التقدمية الأخرى، السياسية والنقابية والجمعوية…فضلا عن المتتبعين من ساكنة المحمدية، وخاصة أجيالها الجديدة من الشباب، ومن عموم القراء.
يقع الكتاب في 528 صفحة من القطـع الكبـير، وهو تجميع لعـدد من كتابات المؤلف، بعضها نشر في منابر مختلفة في الفترة الممتدة من 1983 حتى 2021، وبعضها جديد، أغلبه أنتج خلال الحجر الصحي الطويل إبان فترة كورونا .


الكاتب : مصطفى الإدريسي

  

بتاريخ : 24/01/2023