أول أطروحة جامعية بالعربية تهم السينما

الباحث محمد عبد الفتاح يناقش أطروحته
«الشعر في الخطاب السينمائي العربي المعاصر»

 

نوقشت يوم الأربعاء 12 يناير 2022م، في الساعة العاشرة صباحا، بقاعة نداء السلام، برحاب جامعة محمد الأول بوجدة أطروحة جامعية، تقدم بها الطالب الباحث محمد عبد الفتاح، بعنوان: «الشعر في الخطاب السينمائي العربي المعاصر: الفيلم التجريبي المغاربي أنموذجا»، لنيل درجة الدكتوراه في الآداب والعلوم الإنسانية والفنون، أمام لجنة علمية، تتكون من السادة الأساتذة: الدكتور مصطفى اليعقوبي (أستاذ التعليم العالي- كلية الآداب والعلوم الإنسانية) – وجدة/ رئيسا، والدكتور محمد الداهي (أستاذ التعليم العالي- كلية الآداب والعلوم الإنسانية- الرباط/ مقررا، والدكتورة حيدة جميلة (أستاذ التعليم العالي- كلية الآداب والعلوم الإنسانية- وجدة)/ مقررا، والدكتور جمال الدين السراج (أستاذ التعليم العالي- كلية الآداب والعلوم الإنسانية- وجدة)/ عضوا، والدكتور فريد أمعضشو أستاذ مؤهل (مركز تكوين مفتشي التعليم- الرباط/ مقررا، والدكتور يحيى عمارة أستاذ التعليم العالي- كلية الآداب والعلوم الإنسانية- وجدة)/مشرفا. وبعد مناقشة امتدت لخمس ساعات، قررت اللجنة منح الطالب الباحث درجة الدكتوراه بميزة مشرف جدا، مع التنويه بالأطروحة والتوصية بالطبع والنشر. وفي ما يلي نص التقرير، الذي تقدم به الطالب الباحث أمام اللجنة العلمية. جدير بالذكر أن أطروحة الباحث محمد عبد الفتاح، هي أول أطروحة جامعية تهم السينما، في شعبة اللغة العربية، على صعيد جامعة محمد الأول العريقة.
يناقش هذا البحث موضوع: «الشعر في الخطاب السينمائي العربي المعاصر: الفيلم التجريبي المغاربي أنموذجا» ويعالج، من داخل المشروعِ السينمائي الكبير، بالتحديدِ، موضوعَ السينما التجريبيةِ، وذلك لعلاقتها التي أقامت – بخصائصَ واضحةٍ – صِلةً وثيقةً بالشعرِ، وأنتجت مجموعةً من الأفلامِ؛ مثَّل الشعرُ مادةً خِصبةً، في تشكيلِ عوالمِ مخرجيها.
إن قراءةَ تاريخِ السينما تثبت، فعلاً، أننا بصددِ محاولاتٍ هادفةٍ لإخراج السينما من حلقة الترفيه الضيقة، وإدخالها نحو عصرٍ تلتحمُ فيه بواقعها الاجتماعيّ والثقافيّ، كما تتوافر في الخزانة السينمائيةِ، الغربيةِ والعربيةِ، بصماتٌ فيلميةٌ جادَّةٌ، لإعادة تأسيسِ لغةٍ مغايرةٍ عن طبيعة المنتوجِ الفيلميّ المتداولِ، وسعيِها لإيجادِ بدائلَ تعتني بالشَّكلِ، قدرَ عنايتِها بالمضمونِ. وهذه من غاياتنا، التي من أجلها نسعى إلى متابعةِ المحاولاتِ السينمائيةِ، التي عاشت إرهاصاتِ التجريبِ ومخاضاتِه، خلال مراحِلها تلك، والتي تُفْضي بنا إلى قناعةٍ مُفادُها أن كل تجربةٍ إبداعيةٍ، عموماً، هي مرتبطةٌ، ومحكومةٌ بجدليةِ الاستمرارِ والانقطاعِ، وضمناً، هي موصولةٌ بما سبَقَهَا، ولا يمكن استيعابُها وتمثُّلها، دون استيعابِ التراكماتِ، وجينالوجيا التَّشَكُّلِ.
من هذا المنطلقِ قادنا التحليلُ، إلى الإشكالِ الجوهريّ المتعلقِ بالظاهرةِ السينمائيةِ ككل، في سبيل الخروج بحكم نقديّ معرفي أكاديميّ، لا يخضع لمعاييرِ الذاتيةِ والتَّسَرعِ، أو الإجحافِ في حقّ ممارساتٍ سينمائيةٍ «تجريبية»؛ مُكتملةِ الأركانِ والشروطِ. ولعل أوَّلَ الإشكالاتِ التي باشرت دراستنا، هو مفهومُ التجريبِ ومضامينُهُ، داخل إطاره العام في العلمِ الحديثِ أولاً، وضمن مجاله الثقافيّ/الفنيّ الخاص ثانياً، ثم دلالتُهُ الفنّيَّةُ، التي اكتسبها عبرَ التجاربِ والحقبِ، طَوالَ مدةِ استعمالِهِ ثالثاً. وهذه واحدة من الخلاصاتِ، التي وصل إليها بحثُنا، وتتمظهر في رصد ما يشكّلُ هويةَ التَّجريبِ، وهو ارتباطُهُ بــــ»فعلِ التَّجديدِ»، وارتحالُهُ بين مختلفِ الفنونِ، قبل أن يستقر ضمن فن السينما. ثم محدّداتُه، التي انصهر المفهوم في بوتقتها؛ بأبعادها العلميةِ، والفنيةِ، والثَّقافيةِ، والفلسفيةِ، والتي تجعل التجريب فناً في حقلِ العلومِ، وعلماً في حقلِ الفنونِ.
وينعكسُ المضمونُ، أيضاً، في الشكلِ، الذي تتخذه الصورةُ. فالسينما «فنٌّ واقعيٌّ» إلى أقصى حدٍ، أو – بتعبيرٍ آخرَ – شكلٌ فنيٌّ يقدمُ لنا الإحساسَ بالواقعِ في صورةٍ مُثلى، ما دامَ الواقعُ محملاً بنسقٍ من العلاماتِ، والمعاني، والمقروءاتِ، قياساً مع تفوُّقِهِ في تصويرِ مظاهِرِهِ، ونقلِها إلى المــُشاهد؛ فالواقعُ هو «النصُّ الأول»، والإبداعُ هو التجلي «الثاني» لهذا النصِ.
إن دراستنا تشير إلى أن السينما تجمعُ كلَّ الفنونِ، حيث أغرت مجموعةً من الشعراءِ بالانخراط في عوالمها، مما أتاح لها قدرةَ الانفتاحِ على هذا العنصرِ، وحسب وجهة نظرِ دراستنا، فإن السينما لا يمكن أن تتجردَ من شاعريتها، وهو أمرٌ يمكنُ الوقوفُ عليه، عند استعراضِ تاريخِها، وحصرِ الإبداعاتِ السينمائيةِ، المأخوذةِ عن أعمالَ شعريةٍ خالصةٍ. وإن للشعر فعاليتَه البصريةَ، التي لا تأتي من نمطِ الكتابةِ، وشكلِ القصيدةِ، وبنيتِها، أو الصورِ المـُبْتَكَرَةِ من قبلِ الشعراءِ، والقائمةِ على أساليبِ البيانِ، والاستعارةِ، والمجازِ فقط، وإنما تضَمُّنِه تشكُّلاً بصرياً خالصاً، يتجلى في قدرتِهِ على التحوُّلِ إلى الشاشةِ الفضيةِ، وأن تكون القصيدةُ الشعريةُ مادةً سينمائيةً خِصبةً.
وعودتنا إلى جنسٍ، يُعَدُّ أصلَ جميعِ الفنونِ، بإمكانها أن تعيد فتحَ النقاشِ، حولَ علاقةِ السينما بالفنونِ، والعلومِ، والآدابِ، ونقصدُ بهذا علاقةَ السينما بالفلسفةِ، والشعرِ، والتشكيلِ، والنظرية الأدبيةِ، والتاريخِ، وهو ما يمكن أن يجعل من المنجز السينمائيّ أكثرَ غنى، ورحابةً، وتنوعاً، وانفتاحاً. وهكذا قاربنا في تحليلنا، العوالمَ الإبداعيةَ للمخرجينَ المغاربيينَ: مرزاق علواش من الجزائر، والطيّب الوحيشي، ونوري بوزيد من تونس، وحكيم بلعبّاس ومصطفى الدرقاوي ونبيل عيّوش وكمال كمال وحميد الزّوغي من المغرب، وعبد الرحمن سيساكو من موريطانيا.
إن الوتيرة السريعة، التي لاحظناها في تطوُّرِ السينما العالمية، وحساسِيَتِها الفائقةِ، بالمفهومِ الفنّيّ الجماليّ، إزاءَ تغييرِ أنماطِ التلقي، وتغييرِ البنيات المعرفيةِ، والجماليةِ، والنفسيةِ، ونسقِها وسياقِها، جعل المتلقي العربيّ يتأقلم، هو الآخر، مع أنماطِ التحوُّلِ في التواصل، داخلَ المؤسسةِ السينمائيةِ بأفقٍ جديدٍ.


بتاريخ : 29/03/2022