أول مصنع من نوعه خارج القارة الآسيوية..المغرب يدخل عصر البطاريات الخضراء باستثمار 20 مليار درهم

أطلقت شركة COBCOأول أمس أولى خطواتها الصناعية الكبرى بالمغرب من خلال تدشين مصنع عملاق «جيغافاكتوري» مخصص لمواد البطاريات الكهربائية في منصة الجرف الأصفر، باستثمار ضخم يناهز 20 مليار درهم. يشكل هذا المشروع تحولا بنيويا ضمن سعي المملكة إلى الانتقال من مجرد مصدر للمواد الخام إلى فاعل صناعي ذي سيادة تكنولوجية في الاقتصاد الأخضر العالمي.
يمتد هذا المركب الصناعي على مساحة تتجاوز 230 هكتارا، ويجسد ثمرة شراكة استراتيجية بين صندوق «المدى» المغربي، المعروف بتوجهاته الاستثمارية الاستراتيجية، والمجموعة الصينية الرائدة CNGR Advanced Materials، أحد أبرز المصنعين العالميين لمواد البطاريات. ويعتبر المشروع أول مصنع من نوعه خارج القارة الآسيوية، ويدخل مباشرة ضمن نادي الكبار الأربعة عالميا في مجال تصنيع المواد الأولية الحيوية للبطاريات الليثيوم-أيون.
بإمكانات تكنولوجية متقدمة، تركز COBCO على إنتاج مواد ما قبل الكاثود (pCAM)، المعتمدة على تكنولوجيا النيكل والمنغنيز والكوبالت (NMC)، وهي مكونات تشكل حوالي 30 في المائة من وزن البطارية وتعد حاسمة في أدائها وكفاءتها. وتبلغ الطاقة الإنتاجية المستهدفة 120 ألف طن سنويا، من خلال وحدات متكاملة تجمع بين التكرير، والتنقية، والمعالجة الكيميائية. في موازاة ذلك، يجري الإعداد لإطلاق خط إنتاج خاص بكاثودات LFP (الليثيوم والحديد والفوسفاط) بطاقة تبلغ 60 ألف طن سنويا، ما يؤشر على استعداد مبكر لمواكبة التحول نحو هذه التكنولوجيا المتصاعدة خارج الصين.
ويعزز المشروع قدراته الصناعية بوحدة متطورة لتكرير المعادن الاستراتيجية، مما يتيح التحكم في سلاسل القيمة بكفاءة عالية. كما يضم منشأة لإعادة تدوير «الكتلة السوداء»، أي المخلفات الناتجة عن البطاريات المستعملة، بطاقة معالجة تصل إلى 30 ألف طن سنويا، بما يضمن استرجاع معادن ثمينة كالكوبالت والنيكل والليثيوم وإعادة إدماجها في عملية الإنتاج. ومع قدرة متوقعة تعادل 70 جيغاوات-ساعة سنويا، يمكن لـCOBCO أن تزود ما يعادل مليون سيارة كهربائية بالبطاريات سنويا، مما يجعلها إحدى أكبر القواعد الإنتاجية المتكاملة عالميا.
يندرج المشروع في سياق دولي يتجه نحو إعادة توطين الصناعات الحساسة، وتحييد البصمة الكربونية، والتأقلم مع تشريعات صارمة مثل آلية تعديل الكربون على الحدود الأوروبية (CBAM). ويستفيد المغرب، في هذا السياق، من موقع جغرافي استراتيجي، واتفاقيات تبادل حر مع أوروبا والولايات المتحدة، وبنية لوجستية قوية عبر ميناء الجرف الأصفر، إضافة إلى توفره على موارد طبيعية مهمة من الفوسفات، والكوبالت، والمنغنيز، في ظل بنية صناعية متقدمة نسبيا.
ويعد هذا المشروع خطوة أولى ضمن استثمار متعدد المراحل، يطمح إلى تطوير مجمع صناعي متكامل يتضمن ثلاثة مشاريع متكاملة، بطاقة إنتاجية إجمالية توازي 70 جيغاوات-ساعة سنويا. ويرتكز هذا المجمع على قاعدة تكنولوجية متقدمة تجمع بين إنتاج المواد الأولية، وتكرير المعادن، وتدوير المخلفات، ما يمنح المغرب استقلالية متنامية ضمن سلاسل القيمة العالمية للبطاريات الكهربائية.
لم يقتصر أثر COBCO على الشق الصناعي فحسب، بل شمل أيضا البعد البشري والتنموي. فقد تم تعبئة حوالي 5 آلاف منصب شغل خلال مرحلة التشييد، فيما يرتقب خلق 1800 منصب مباشر، ومثلها من الوظائف غير المباشرة في مراحل التشغيل. ويواكب هذا الحراك الصناعي برنامج طموح لتأهيل الموارد البشرية، يشمل تكوينات تقنية متقدمة بالتنسيق مع مراكز البحث والتطوير التابعة لـCNGR، وإحداث مسالك مهنية جديدة بالتعاون مع الجامعات المغربية، من أجل تكوين كفاءات وطنية قادرة على استيعاب وتعميق التكنولوجيا المرتبطة بقطاع الطاقة والمواد المتقدمة. وعلى المستوى البيئي، تم تصميم المصنع منذ البداية ليكون بمنأى عن التلوث الكربوني، عبر منظومة إنتاج نظيفة تستفيد تدريجيا من الطاقات المتجددة المغربية، بنسبة 80 في المائة بنهاية 2025، على أن تصل إلى 100 في المائة بنهاية 2026. كما يتبنى المشروع سياسة طموحة في مجال تدبير المياه من خلال اعتماد مياه محلاة، وآليات لإعادة تدوير المياه الصناعية، إلى جانب الانخراط في مسارات شهادات الاستدامة الدولية مثل ISO 14064 وISO 50001، والانضمام إلى مبادرة الإفصاح عن الكربون (CDP)، ومحاذاة أهدافه مع مبادرة SBTi المعنية بخفض الانبعاثات وفق ما تنص عليه أهداف اتفاق باريس.


الكاتب :   عماد عادل 

  

بتاريخ : 27/06/2025