أولياء مغاربة في مصر -17- الطرطوشي أكبر فقهاء المالكية تتلمذ على يده مؤسس الدولة الموحدية

العلاقة التي تربط المصريين والمغاربة ،علاقة تمتد في الزمن منذ قرون،فقد تعددت أوجه هذه العلاقة كما تشهد بذلك كتب التاريخ .
ووفق المؤرخين، فقد هاجر العديد من المغاربة إلى الديار المصرية في عهد مولى إسماعيل، خاصة من فاس ومراكش، حيث استوطن أهل فاس في القاهرة، في حين استوطن أهل مراكش في الإسكندرية.
وتؤكد المصادر التاريخية، أن المغاربة الذين اختاروا مصر مقاما جديدا لهم، يعتبرون من التجار الكبار، وهناك تأقلموا مع أهل هذا البلد، فنمت تجارتهم، بل استطاعوا أن تكون لهم اليد العليا على المستوى التجاري والاقتصادي، فأصبحوا فعلا يشكلون النخبة هناك، ولهم تأثير واضح على مستوى الحكم.
تمكن المغاربة الذين اندمجوا بسرعة في المجتمع المصري،من توسيع تجارتهم، لتمتد إلى خارج مصر، وتصل إلى مكة والشام، بل بنوا حارات جديدة مازالت قائمة في مصر إلى اليوم، شاهدة على ما قدمه المغاربة من إضافة إلى وطنهم الجديد.
لم تقتصر الأيادي البيضاء للمغاربة على مصر في هذا الباب، بل ظهرت جليا على مستوى العلم والتصوف.
وكما يقال، إن كان الإسلام دخل إلى المغرب من الشرق، فإن تأثير المغاربة في المشرق جاء عن طريق علماء الصوفية.
في هذه الرحلة، نستعرض أهم أشهر المتصوفين المغاربة المدفونين في المشرق خاصة في مصر ،الذين تركوا بصمات وأتباع لمدارسهم الصوفية إلى اليوم ،حيث يستقطب هؤلاء المتصوفة المغاربة، الملايين من المريدين المصريين كل موسم.

يعتبر أبوبكر الطرطوشي من أكبر فقهاء المالكية في مصر،درس في الأندلس ورحل إلى الشرق فحج وطاف بحواضره، ثم أقام بالإسكندرية وأصبح إمامها.
رحل أليه كما تقول المراجع التاريخية،طلاب العلم من مصر والمغرب، وعاش سبعين سنة وتوفي بالإسكندرية.
يقع ضريح ومسجد سيدي الطرطوشي في الإسكندرية بمنطقة الباب الأخضر حي الجمرك باب البحر سابقا بالقرب من الميناء.
ووفق كتب التاريخ، فهو أبو بكر محمد بن الوليد الفهري الطرطوشي ،تعلم الفقه والحديث علي يد أبي الوليد الباجي، ومكث بمكة وألقى بها دروس الفقه والحديث ثم سافر إلي بغداد، واتخذ مدينة الإسكندرية موطنا له وتزوج منها.
وحسب مراجع متعددة ،فقد كان للطرطوشي الفضل في أن تظل الإسكندرية على المذهب المالكي في عهد الدولة الفاطمية حيث أسس مسجدا ومدرسة لتلاوة القرآن والحديث ودراسة الفقه وقد ألف اثنين وعشرين كتابا .
تقول سيرته الذاتية، إنه ولد في مدينة طرطوشة الأندلسية وحفظ فيها القرآن وتعلم القراءة والكتابة. انتقل إلى سرقسطة وتتلمذ على يد أبي الوليد الباجي. ذهب في عام 476 هـ في رحلة للمشرق الإسلامي، فاتجه إلى مكة ليؤدي الحج ثم قصد بغداد والبصرة ومكث فيهما مدة من الزمن يتفقه على علماء العراق.
توجه بعدها إلى الشام، فزار حلب وإنطاكية ونزل بمدينة بيت المقدس.
قصد بعد الشام الإسكندرية ومكث فيها معلما للفقه والحديث. تزوج بسيدة من الإسكندرية أهدته بيتها فجعل من الدور العلوي دارا له ومن الطابق الأسفل مكانا لتلقين العلم.
ووفق مصادر تاريخية، فقد اتجه الطرطوشي إلى القاهرة لينصح حاكم البلاد الفاطمية الوزير الأفضل بن بدر الجمالي إذ كان الجمالي ظالما مستبدا بشعبه. كان مما قاله للوزير «واعلم أن هذا الملك الذي أصبحت فيه إنما صار إليك بموت من كان قبلك، وهو خارج عن يديك مثل ما صار إليك؛ فاتق الله فيما حولك من هذه الأمة، فإن الله سائلك عن النقير والقطمير والفتيل، ذكر القرآن: «فوربك لنسألنهم أجمعين عما كانوا يعملون».
وقد تفقه الطرطوشي على جملة من المشايخ من أبرزهم بالأندلس، الإمام أبو الوليد الباجي وأبو محمد بن حزم.
وتتلمذ بعد رحلته على يد علماء بالمشرق كأبي بكر الشاشي وأبي العباس أحمد الجـــرجاني، وأبي عـــلي التستري، وأبي عبد الله الدامغاني، وأبي محمد رزق الله التميمي الحنبلي، وأبي عبد الله الحميدي وغيرهم.
أما تلاميذه فقال الذهبي: «حدث عنه أبو طاهر السلفي، والفقيه سلا َّ بن المقدم، وجوهر بـــن لؤلؤ المقرئ، الفقيه صالح بن بنت معافي المالـكـي، وعبد الله بن عطاف الأزدي، ويوسف بن محمد القروي الفرضي، وعلي بن مهدي بن قلينا، وأبوطالب أحمد المســلم اللخمي، وظافر بن عطية، وأبوالطاهر إسماعيل بن عوف، وأبومحمد عبد الله بن عبد الرحمن العثماني، وعبد المجيد بن دليل وآخرون».
ومن تلاميذه، القاضي أبو بكر ابن العربي المالكي، وأبوبكر الغسَّاني محمد ابن إبراهــيم بن أحمد بن الأسود، وأبوبكر محمد بن الحسين الميورقي، وأبوعلي الحسن بن عـــلي بـــن الحسن بن عمر الأنصاري، وإبراهيم بن أحمد بن عبد لله السلمي الحاكم، وأبراهيم بن صالح بن إبراهيم بن صالح المرادي، وإبراهيم بن الحاج أحمد بن عبد الرحمن الأنصاري، والوليد بن موفق أبوالحسن السبتي، وحسين بن محمد بن فيرة بن حيون بن سكرة الصدفي، وأبوالفضل عياض بن موسى بن عياض اليحصبي، وابن تومرت مؤسس الدولة الموحدية، وسند بن عنان الأزدي أكبر تلاميذ الطرطوشي، وأحمد بن أحمد بن إســــحاق الدندانفاني السمعاني، وأحمد بن محمد بن أحمد الأصفهاني، وأبوطاهر السلفي، إسماعــــيل بـــن مـكـــي بــن إسماعيل بن عيسى الزهري، وظافر بن عطية بن مولاهم بن فائد اللخمي.


الكاتب : إعداد وتقديم: جلال كندالي

  

بتاريخ : 30/03/2024