أولياء مغاربة في مصر 7- سيدي عبد الرحيم القنائي: بنى الملك فاروق الأول ضريحه وأهدى إليه جمال عبدالناصر كسوة مطواة من الذهب

العلاقة التي تربط المصريين والمغاربة ،علاقة تمتد في الزمن منذ قرون،فقد تعددت أوجه هذه العلاقة كما تشهد بذلك كتب التاريخ .
ووفق المؤرخين، فقد هاجر العديد من المغاربة إلى الديار المصرية في عهد مولى إسماعيل، خاصة من فاس ومراكش، حيث استوطن أهل فاس في القاهرة، في حين استوطن أهل مراكش في الإسكندرية.
وتؤكد المصادر التاريخية، أن المغاربة الذين اختاروا مصر مقاما جديدا لهم، يعتبرون من التجار الكبار، وهناك تأقلموا مع أهل هذا البلد، فنمت تجارتهم، بل استطاعوا أن تكون لهم اليد العليا على المستوى التجاري والاقتصادي، فأصبحوا فعلا يشكلون النخبة هناك، ولهم تأثير واضح على مستوى الحكم.
تمكن المغاربة الذين اندمجوا بسرعة في المجتمع المصري،من توسيع تجارتهم، لتمتد إلى خارج مصر، وتصل إلى مكة والشام، بل بنوا حارات جديدة مازالت قائمة في مصر إلى اليوم، شاهدة على ما قدمه المغاربة من إضافة إلى وطنهم الجديد.
لم تقتصر الأيادي البيضاء للمغاربة على مصر في هذا الباب، بل ظهرت جليا على مستوى العلم والتصوف.
وكما يقال، إن كان الإسلام دخل إلى المغرب من الشرق، فإن تأثير المغاربة في المشرق جاء عن طريق علماء الصوفية.
في هذه الرحلة، نستعرض أهم أشهر المتصوفين المغاربة المدفونين في المشرق خاصة في مصر ،الذين تركوا بصمات وأتباع لمدارسهم الصوفية إلى اليوم ،حيث يستقطب هؤلاء المتصوفة المغاربة، الملايين من المريدين المصريين كل موسم.

 

 

هناك العديد من الحكايات التي صاحبت سيرة الولي المتصوف المغربي عبدالرحيم القنائي، إذ تقول الروايات، إن من أوصافه ، هناك وصف أسد الرجال الذي أجبر الأسد أن يدير الساقية، والرجل الذى لا تنفد الغلال من عنده فيوزعها على المحتاجين والفقراء، اليتيم العاشق الذي عانى فقد الأب فارتحل بحثا عن راحة وجدانية، القاضي الذي حكم بالعدل فرفض أن يتعلم عنده كل من ليس له عمل، الرجل الذي يتجه له المظلومون فيقرأون في رحابه فائدة الأربعاء كي ينصفهم ويصرخون حول مقامه» شيى الله ياسيد أو قطب قنا».
تقول المصادر إنه ولد في ترغاى بسبتة في المغرب، وعاش ودفن في قنا، حيث يشهد مقامه ومسجده المبني على الطراز الأندلسي احتفاء كبيرا من المواطنين، أو من حكام مصر على مدار التاريخ.
وقد أشارت جريدة الأهرام المصرية إلى تاريخ هذا الهرم، حيث استشهدت في هذا الباب بالرحالة ابن بطوطة، الذي وصف مقامه بقنا قائلاً: سافرت إلى مدينة قنا وهى صغيرة وحسنة الأسواق، وبها قبر الشريف الصالح الولى صاحب البراهين العجيبة، والكرامات الشهيرة عبدالرحيم القنائى رحمه الله، ورأيت بالمدرسة السيفية حفيده شهاب الدين أحمد».
ونقلت بوابة الأهرام عن الدكتور عصام محمد حشمت أستاذ الترميم بكلية الآثار بجامعة جنوب الوادي قوله، إن المسجد الحالي الذي شهد الكثير من التطوير والترميمات على مدار الزمن يتكون من صحن مربع مغطى بسقف ويحيط بالصحن أربعة إيوانات عميقة متعامدة أكبرها إيوان القبلة ويقع في الجهه الشرقية من المسجد ،ويتقدم كل إيوان عمودان – كل منهما مكون من عمودين ملتصقين ويعلو العمودين ثلاثة عقود تكون واجهة الإيوان.
وأوضح واصفا مسجد العالم المتصوف عبدالرحيم القنائي، أن المدخل الرئيسى للمسجد يقع في الجهة الجنوبية وهو مرتفع إذ يصعد إليه بست درجات وتتقدمه مظلة ذات أعمدة، وفى الركن الجنوبي الشرقي للمدخل توجد مئذنة الجامع وخلف الإيوان الشمالي يوجد ضريح العارف بالله سيدي عبدالرحيم القنائي وهو عبارة عن غرفة كبيرة مربعة تعلوها قبة ترتكز على رقبة تقوم على دلايات قصيرة في أركان المربع وخلف الإيوان الغربي توجد دورة المياه.
وكشف عصام حشمت أستاذ الترميم بكلية الآثار بجنوب الوادي أن النص التأسيسي الذي يرجع إلى عهد الملك فاروق تم طمسه أثناء أعمال التجديدات عام 2002م مطالبا باستخراج هذه النص التأسيسي ونقله في مكان بارز لما له من أهمية تاريخية، مؤكدا أن المسجد بني في عصر الدولة الأيوبية وقد قام همام شيخ العرب بعمل بناء وتجديدات له قبل أن يقوم الملك فاروق الأول بعمل توسعات وتجديدات للمسجد.
وعن البناء الأندلسي وتأثيراته يقول الباحث التاريخي شاذلي عباس ،إن محافظة قنا أقام بها الكثير من علماء الأندلس حيث كانت محافظة قنا من أهم معابر الحج القديمة مثل أحمد بن محمد أبوالعباس القرطبي المدفون في جبانة قنا خلف مقام سيدي عبدالرحيم القنائي ومثل الشيخ عبدالرحمن القرشي رفيق سيدي عبدالرحيم والمدفون بجواره، مؤكدا أن المرويات التاريخية تؤكد أن البناء الأندلسي ارتبط بعمارة سيدي عبدالرحيم القنائي منذ قديم الأزل.
ويؤكد شاذلي عباس أن محمد بك الدفتردار في عهد محمد علي باشا قام بعمل تجديدات له كما أوقف عباس الأول والى مصر، آنذاك، خمسين فدانا، للصرف منها على ضريح سيدى عبدالرحيم القنائى، وفى عام 1931، عملت الحكومة المصرية له كسوة من أسلاك الذهب، وفى عام 1948، بنى له الملك فاروق الأول الضريح الحالي، وفى عام 1967 أهدى إليه الرئيس الراحل جمال عبدالناصر كسوة مطواة من الذهب، وذلك بعد حمايته من السيول الجارفة التي رصدتها جريدة الأهرام في خمسينيات القرن الماضي.
وأصدر الملك العزيز بالله، ابن صلاح الدين الأيوبي، قرارا بتعيين الشيخ عبد الرحيم شيخا لمدينة قنا، ومنذ ذلك التاريخ أصبح يعرف بالقنائى، حيث تزوج بابنة الشيخ القشيرى، وبعد وفاتها تزوج ثلاث أخريات، أنجبن له 19 ولدا وبنتا وألف الكثير من المخطوطات والكتب وهي الكتب التي تظهر ثقافته الأنسانية العالية التواقة للعدل ووسطية الإسلام بدون تشدد وتطرف وانحيازه للإنسان دون عرقه ولونه وجنسه وهو ماجعل حتي الآن يعيش في قلوب محبيه .


الكاتب : إعداد وتقديم: جلال كندالي

  

بتاريخ : 19/03/2024