أولياء مغاربة في مصر أبو العباس البصير السبتي.. الولي الذي أرضعته غزالة وطافت الكعبة حوله 23

العلاقة التي تربط المصريين والمغاربة ،علاقة تمتد في الزمن منذ قرون،فقد تعددت أوجه هذه العلاقة كما تشهد بذلك كتب التاريخ .
ووفق المؤرخين، فقد هاجر العديد من المغاربة إلى الديار المصرية في عهد مولى إسماعيل، خاصة من فاس ومراكش، حيث استوطن أهل فاس في القاهرة، في حين استوطن أهل مراكش في الإسكندرية.
وتؤكد المصادر التاريخية، أن المغاربة الذين اختاروا مصر مقاما جديدا لهم، يعتبرون من التجار الكبار، وهناك تأقلموا مع أهل هذا البلد، فنمت تجارتهم، بل استطاعوا أن تكون لهم اليد العليا على المستوى التجاري والاقتصادي، فأصبحوا فعلا يشكلون النخبة هناك، ولهم تأثير واضح على مستوى الحكم.
تمكن المغاربة الذين اندمجوا بسرعة في المجتمع المصري،من توسيع تجارتهم، لتمتد إلى خارج مصر، وتصل إلى مكة والشام، بل بنوا حارات جديدة مازالت قائمة في مصر إلى اليوم، شاهدة على ما قدمه المغاربة من إضافة إلى وطنهم الجديد.
لم تقتصر الأيادي البيضاء للمغاربة على مصر في هذا الباب، بل ظهرت جليا على مستوى العلم والتصوف.
وكما يقال، إن كان الإسلام دخل إلى المغرب من الشرق، فإن تأثير المغاربة في المشرق جاء عن طريق علماء الصوفية.
في هذه الرحلة، نستعرض أهم أشهر المتصوفين المغاربة المدفونين في المشرق خاصة في مصر ،الذين تركوا بصمات وأتباع لمدارسهم الصوفية إلى اليوم ،حيث يستقطب هؤلاء المتصوفة المغاربة، الملايين من المريدين المصريين كل موسم.

 

من المغاربة المتصوفة الذين استقروا بمصر، هناك أبو العباس البصير، وهو أبو العباس أحمد البصير السبتي والملقب بابن غزالة لقصة تداولت عن ميلاده.
وتقول العديد من المراجع التاريخية ، أن أبو العباس البصير ولد أعمى لأب من ملوك المغرب، وكان وقتها والده في غزوة، فوضعته أمه في الغابة بعد أن وجدته كفيفا وقررت أن تبلغ أباه أنه مات حتى لا يحزن على ابنه الكفيف، وبالفعل هذا ما حدث، فواساها الملك ودعا الله أن يعوضه عن ابنه، وأثناء مروره بالغابة وجد غزالة ترضع طفلا صغيرا فإذا بالأمر يتعلق ب أبو العباس، فأخذه وأعاده إلى أمه التي بكت لما رأته وأخبرته بما حدث فصفح عنها.
العارف بالله الشيخ أبو العباس السبتي ، تقول مراجع تاريخية، إنه
كان ولي عهد الإمارة في سبته ومن أسرة الملك في دولة الموحدين
والمرابطين ، وقد نشأ منذ صغره على حب العلم وحب الزهد والتصوف
كما كان هادئ الطباع دمث الخلق يحب الفقراء والمساكين ، وكان يجالس عامة الناس منذ طفولته ؛ حتى أحبه عامة الناس في سبته بالمغرب ، وآثروه على غيره من بيت الإمارة ، مما أوغر صدر أخيه عليه ، فخاف من ضياع الإمارة منه ، فدبّر له مكائد لكي يتخلص منه ، مما دعا أبو العباس إلى ترك البلاد والهجرة إلى مصر فارا بعلمه ونفسه من زيف الملك
والإمارة فجاء «أبو العباس « إلى مصر وسكن في أورقة الأزهر الشريف ،
وفي إحدى الليالي وهو نائم جاءه جده رسول الله صلى الله عليه وسلم
زائرًا في المنام ويوصيه بقوله عليك بصعيد مصر ، فاستيقظ أبو العباس
من نومه يفكر في الرحيل إلى الصعيد، ولكنه أجّل فكرة الرحيل فجاءه الرسول صلى الله عليه وسلم مرة أخرى في منامه قائلاً له :»عليك بصعيد مصر عليك بصعيد مصر عليك بصدفا ! فقام أبو العباس يعد للرحيل مجهزا متاعه مصطحبًا كتبه يرافقه خاله وابن عم أبيه محمد بن عبد الحق المغربي الموجود ضريحه الآن بقرية مجريس بصدفا «وقد ورد هذا في كتاب « المشجر في أنساب أولياء الله الوافدين لمصر من المغرب».
وفق المصادر التاريخية، فإن الشيخ أبو العباس البصير قد تتلمذ على يد الشيخ جعفر الأندلسي تلميذ شيخ أبي مدين الغوث القطب الشهير.
من كراماته أنه كان يرسل لصديقه الشيخ أبي السعود بن أبي العشائر القطب الصوفي البارز رسائل عبر ماء الخليج وكانت تصله دون أن تبتل.
عرف أبو العباس البصير بالتقشف والتجرد في طريقته الصوفية الأمر الذي أزعج مريديه الذين كانوا يعيشون عنده فقط على القراقيش والليمون المخلل، الأمر الذي تسبب في ضيقهم وقرروا ذات مرة أن يذهبوا إلى زاوية الشيخ أبو السعود التي كانت موجودة وقتها في منطقة باب الشعرية حاليا حتى يأكلوا اللحم والدجاج وكل ما لذ وطاب، فلما ذهبوا قدم لهم الشيخ قراقيش وليمون مخلل أيضا حتى لا يجعلهم لا يعودون لشيخهم، فحزنوا وعادوا لشيخهم الذي مسك طوبة حمراء وطلب من أحد مريديه أن يبيعها في السوق، فلما وصل المريد إلى السوق تحولت الطوبة إلى ذهب أحمر فباعها بألف دينار، فقال لمريديه فليأخذ كل واحد فيكم 100 دينار وليرحل عني، فرفضوا، فأعاد الأموال للصائغ وحصل على الذهب الأحمر الذي عاد طوبة فألقاه الشيخ بمنزله.
تردد أيضا عن كرامات أبو العباس بأنه عند زيارته مكة بصحبة أحد أصدقائه وهو أبو الحجاج الأقصري للحج، طافت الكعبة بهما ولم يطوفا هم حولها دلالة على إنهما من الصالحين، بحسب ما ورد في بعض كتب الصوفية.
حدث تضارب في تاريخ وفاة البصير، فمن المؤرخين من قال إنه توفى عام 623 هـ، ومنهم من قال إنه توفى عام 592 هـ وقد تم دفنه في القرافة الموجودة بسفح المقطم.

 

 


الكاتب : إعداد وتقديم: جلال كندالي

  

بتاريخ : 06/04/2024