أُنْشُودَةٌ مَذْبُوحَةٌ عَلَى بْيَانُو قَدِيمٍ

 

هُوَ ذَا جرْح النشيد يبَايع نَاياً يلْهَجُ بِغُرْبَة رُعاة
يساورهم نسيان أخضر يروي حكايا أحبّة تركوا
أشواقهم لوجع الذكرى كما يتركون أحلامهم رهينة الأسرة
وقد طوحتهم مجاهل العزلة إلى مراتع الصَّبَابة هُيَامَى
فيا الأميرة على حرف الخاء
الأجدر بك
أن تحرسي الباب الذي تركته لمخالب الغياب
وتنتظري قدوم أسراب السنونو لتزف إليك وصايا العتاب
العتاب الذي يتآلف مع برودة الجدران
أقصد الجدران التي تصون وضاءة البصمات
التي تودِّع أحلامنا على إيقاع الأسف
التي تصفق بأرواحنا عاليا لأياد تشمخ رحيلا
لمناديل تشهق حدادا
هو حبك هكذا يبارك نداوة الألم
الألم الجميل طبعا
لأن الألم رائع في حبك
لأن الغياب حضور في حبك
لأن النأي وصال في حبك
لأن العشق تعبد في حبك
فأولى بك
أن تواظبي على اشتعال الأرق في عز الندم
هذا الندم حليف جنود يعتنون بشحذ البنادق
في صدأ الحروب
أكثر من عشقهم لتربة الوطن
ولتحية العلم في كل صباح بليد
وأن توقظي الدروب التي تينع بغبطة الذكريات
فالذكريات أنشودة مذبوحة على بيانو قديم
البيانو الذي يعف عن إيقاظ التقاسيم حسرة على أنامل غادرته
خلسة إلى كورال العزلة
هذه العزلة صديقة / لطيفة / طيبة
تغني لي خيبة يقودها قطار السادسة مساء
القطار الذي تأخر فجأة
وتركته سكران بعذوبة عطرك الفرنسي
لذلك
كرهت قطار السادسة مساء
محطته التي تذبح حيرتي ارتباكا
كشك الصحف الذي يسخر من سذاجتي البدوية
المقهى الذي تلبسه الكراسي رتابة
المدينة التي تغشى العابرين اغترابا
فيا البعيدة القريبة
أما زلت تذكرين الرسائل المدججة بروائح الأنفاس
و الدموع التي بَلَّلْتِ بها القلب ذاك المساء الأحمق…؟
أما زلت تحتفظين برواية «في البدء كان الحب»
أم ضاعت هي الأخرى،، كما ضاع حبنا أسفا…؟
و البحر أمازال صديقا لك
كلما استبد بك حنين النوارس،، أم تغيرت عاداتك…؟
أمازال «باب الرواح» يحتفظ بخجل ارتباكي…؟
أما زال شاطئ «سلا» يذكر،، حفيف خطوي على وداعة رماله…؟
و «بابُ شَعْفَة « أمازال -كما عهدته- يحرس المدينة بمدافع تصوب
فوهاتها ضد الفاتحين المحتملين و ينام قرب المقبرة…؟
فآه منك عليك
حين يحالفني ريب الخميس في يقين أربعاء قديم
الأربعاء الذي يأتيني بثلاثاء سخيف
يعلق تعاويذ الاثنين على» باب الأحد» الغابر في ضجيج السبت
كم هو عنيد هذا الأسبوع
يترك جمعة تسطع بوضاءة التهاليل
ويلزم كُونْتوَارِ الضياع
فالأجدر بك
أن ترتبي المواعيد الخاسرة على أرائك مقهى «النصر»
المقهى الذي يسبح بكآبة الفناجين
بكراس تأكل غيظها من وجع الرحيل
تسخر من حياة تعانق وأد الغناء في شفاعة الأنين
لكن حسنا ما فعلت،، حين ودعت نجاة الصغيرة
وهي تتهادى في فساتينها المهملة
الجذلى على قدمي تسألني «الرحيلا»
تشعل شجن الأوتار
تشفع لي حرقة البياض
تترك يمام الحب على
شجر الذكرى هديلا
فها هو الهديل يخرب أوكاره
الربوة الفريدة في حمرتها تحرس القرية وهي ترتدي حداد الغيوم
الصفصافة الوحيدة ترتب عريها الأصفر
أهازيج الصبايا تنتحر على غنة الحناجر
لذلك
أغلقت الباب الذي تركته لمخالب الغياب
فسرير الرابعة سهدا يدعوني إلى نشوة النوم
علني أحلم بأسراب السنونو
وبفساتين «نجاة الصغيرة» التي أغوت ذهول الكراسي
وبمنديل أم كلثوم المترع بجذل الآهات
و بغرفة تسبح» لراحلة» الْحَيَّانِي
لا تعرف لمن ستغني
ولا أعرف لمن سأغني…؟


الكاتب : صالح لبريني

  

بتاريخ : 30/12/2022