بعد تكثيف وزارة التربية الوطنية للمذكرات التربوية بشأن تحدي القراءة العربي في دورته الرابعة ، يبدو جليا أن هذا الورش الثقافي الكبير لم يعد حدثا مناسباتيا عابرا- ا-خصوصا بعد النجاح الباهر الذي حققته الطفلة المغربية « مريم أجعون « و الصورة المتميزة التي شرعت بلادنا تظهر بها في المنتظم الدولي سياسيا ،بيئيا ،ثقافيا ورياضيا- بل أضحى رهانا حضاريا و تنمويا رائدا تتوخى البلاد من خلاله النهضة والإقلاع و التنمية الشاملة.
واهم من يظن ان أسباب ضعف القراءة تعود إلى عامل أو عاملين؛ لأن ببساطة الإشكالية التربوية لا يمكن معالجتها إلا في ضوء مجموع العوامل التي أفرزتها أو تحيط بها سواء عن قرب أو بعد من أسبابها و منابعها. فإذا كان للطبيب أدواته وتقنياته التي يلجأ اليها أثناء استسلام المريض على فراش الفحص وطرقه في التواصل والتعامل مع هذه الحالة أو تلك؛ فان المهتمين بالشأن التربوي ببلادنا- وللأسف- لم يجدوا لحد اليوم الوصفة الناجعة لهذه المعضلة التي عمرت كثيرا ببلادنا؛ حتى صرنا نسمع اليوم أن المدرسة المغربية تنتج أجيالا لا يمتلكون مهارات قرائية ولا كفايات لغوية.
فأين الخلل ياترى؟ هل هو قائم في المقررات الدراسية ؟ أم في المدرسة نفسها ؟ أم في المدرس ؟ أم في التلميذ بعينه ؟ أم في حجرة الدرس؟ أم في علاقة المتعلم بأصدقائه ؟ أم في الطرائق التي تسير بها العملية التعليمية ؟ أم في نقصان الوسائل الديداكتيكية ؟ أم في ضعف الأنشطة الموازية؟ أم في علاقة المتعلم بوالديه؟ أم في محيطه الاجتماعي الهش والفقير؟
أم في بعد المدرسة عن سكنى المتعلم؟ أم في الاختراق الكاسح للثورة الرقمية لتلاميذنا -؟ إنها بدون شك مجموعة من العوامل المتداخلة فيما بينها ، والتي يمكن ترتيبها على الشكل التالي :
-عوامل سيكوتربوية- سيكوسوسيولوجية- سوسيوبيئية و سوسيومعرفية
-عوامل سوسيوثقافية التي تلخص بجلاء – في نهاية المطاف – غياب الكفاية التعليمية ؛ لدرجة أصبحت المدرسة العمومية تقصف بنعوت لم يسبق تداولها، خاصة في وسط الآباء والأمهات واوليا امور التلاميذ الذين جنحوا إلى اتخاذ قرار الانتقال إلى المدرسة الخصوصية الفتية بالرغم من التكاليف المادية التي يشترطها هذا الأخير.
وبما أن مكون القراءة أو النصوص يحتل في المنهاج الدراسي بشكل عام مكانة هامة باعتباره أولا، مدخلا أساسيا لكل المكونات المتبقية وثانيا الآلية التعليمية التكوينية التي بواسطته يكتسب المتعلم العديد من القيم والافكار و السلوكات على أساس استثمارها في مجتمعه بدءا بأساتذته ومرورا بأصدقائه وانتهاء بأقاربه . لذلك وجب على الأطراف المسؤولة على العملية التعلمية/ التعليمية: المؤطرالتربوي ؛ الطاقم الاداري ؛ المدرسون إعطاءها الوقت المناسب و العناية الكافية ؛ سواء بالوقوف على جملة الصعوبات التي تعترض المتعلمين و التي تحول دون استيعابهم لمضمون المقروء ، أو باقتراح نصوص جديدة ذات مضامين دينية أو اجتماعية أو تربوية ، اي قريبة من واقعهم المعيشي وتتميز بالاثارة و التشويق ؛ أوبتربيتهم على خلق مكتبات ببيوتهم حتى يصير البيت طرفا أساسيا في تغذية فكر المتعلم وتوسيع مداركه وأفاقه المستقبلية .
انها سلسلة اجراءات و شروط تتوخي النهوض بالفعل القرائي و هي خاصية – التكوين الذاتي- تنفرد بها مادة القراءة وحدها. لذلك فإن الاكتفاء بمعالجة بعض الاختلالات دون الاهتمام بما تبقى من التحديات المطروحة سيؤدي الامر في النهاية لا محالة إلىالمزيد من التعقيد و تقوية المشكلات التي أتعبت جسم منظومتنا التربوية ؛ تماما كما هو الحال بالنسبة لظاهرة تراجع القراءة بمؤسساتنا التعليمية.
ففعل تعلم القراءة لا يتم بالطريقة الميكانيكية و الآلية كما يتخيل للعديد من الناس؛ بقدر ما تخضع هذه الممارسة إلى توافر مجموعة من الشروط الشكلية والموضوعية التي يجب مراعاتها وفق الشكل التالي:
*- الشروط الشكلية: وعلى رأسها غلاف الكتاب وما يحتوي من ألوان و صورة و كتابة بارزة.
1- الشروط الموضوعية: وعلى رأسها النصوص المختارة من حيث النوع والطول والورق المستعمل.
2- طبيعة الحجرة الدراسية : من حيث المساحة والأهلية الصحية والتعليمية؛ باعتبار أن هناك حجرات غير مؤهلة للعملية التدريسية ؛ خصوصا تلك التي تكسرت نوافذها وتآكلت جدرانها- وأصبح تلاميذها غزوا للأمطار- واهترأت طاولاتها.
3- شخصية المدرس: إذ بقدر ما كان هذا الأخير نشيطا؛ منفتحا؛ مشاركا؛ مبادرا ومؤثرا؛ كان الانتباه والفهم والاستيعاب والتحصيل حاضرا والجد و المثابرة مكتوبان على محياه.
4- فضاءات المدرسة: إذ بقدر ما كانت هذه الأخيرة فسيحة ومتنوعة وتحتضن أنشطة معينة؛ كان المتعلمون أكثر تعلقا بها ومحبون لمدرستهم.
5- دينامية الإداة: تلعب شخصية المدير هي الأخرى دورا حيويا في الرفع من دافعية المتعلمين نحو التمدرس بشكل عام والقراءة بشكل خاص؛ وذلك لكونه يعتبر- في منظور البيداغوجيا الحديثة، الوسيط الاستراتيجي في ثالوث العملية التدريسية ؛ بالإضافة إلى الأدوار الطلائعية التي يقوم بها: من تدبير لمالية المؤسسة ورئاسة الاجتماعات الداخلية للمؤسسة وربط الشركات مع الغير، من جمعيات المجتمع المدني وفاعلين اقتصاديين و محسنين اجتماعيين.
6- السلطة البيداغوجية: غالبا ما كانت المدرسة الكلاسيكية تغيب دور المفتش التربوي في العملية التعليمية باعتباره عنصرا لا يتواجد بالمدرسة بصورة يومية كما هو الحال مع المدير والمدرس والمتعلم؛ والحال أن هذا الأخير يلعب يشكل ركيزة أساسية سواء لإنجاح العملية التدريسية أو للنهوض بالمنظومة التربوية بشكل عام؛ وذلك بواسطة سلسلة التقويمات والتقييمات التي يجريها على عمل السادة المدراء و المدرسين أو بواسطة الأوراش التربوية و التكوينية التي يقترحها لمواجهة آثار وأسباب كل ما من شأنه أن يعيق العملية التعليمية. فالمؤطر التربوي رقم مهم في المعادلة التربوية أحب من أحب و كره من كره.
ترى إلى أي حد يمكن لمضامين الخطة الاستعجالية-2015-2030-
تجاوز الأزمة الحاصلة واعادة الاعتبار لفعل القراءة في صفوف تلاميذنا ؟