ما بين أول الكتب المنشورة وصولا لأحدثها، هناك حكايات عن رحلات الكتاب والمبدعين مع دور النشر، هناك صعوبات ومعوقات مع نشر العمل الأول، وهناك أيضا المشكلات المتكررة والمتشابهة بين المبدعين ودور النشر، سواء في ما يخص تكلفة الكتاب، أو توزيعه، والعقود المبرمة بين الطرفين، أو حتى حقوق الملكية الفكرية وغيرها.
في هذا الحوار مع جريدة «الدستور» يتحدث الروائي المغربي محمد سعيد أحجيوج عن هذه القضايا مجتمعة، وعن تجاربه مع عالم النشر.
صدر لمحمد سعيد أحجيوج: «كافكا في طنجة» «القاهرة، 2019»، صدرت الرواية بالإنجليزية «مارس 2023» كما ترجم فصلها الأول إلى الإيطالية، ثم «أحجية إدمون عمران المالح» «بيروت، 2022»، التي وصلت القائمة القصيرة لجائزة غسان كنفاني للرواية العربية «فلسطين، 2022»، «ليل طنجة» «القاهرة، 2022»، حصلت على جائزة إسماعيل فهد إسماعيل للرواية القصيرة، «ساعي البريد لا يعرف العنوان» «طنجة، 2022»، وأخيرا «متاهة الأوهام» «بيروت، 2023».
p ما الصعوبات التي صادفتك في طريق نشر كتابك الأول؟
n الصعوبة الوحيدة هي إيجاد الناشر، أو تحديدا التواصل مع الناشر، أغلب الناشرين لا يتميزون بفضيلة التواصل، أي أنك ترسل إليهم مخطوط الكتاب «وبعضهم يشترط أن ترسل لهم حصرا ولا يمكنك الإرسال إلى ناشرين آخرين قبل تلقي رد الرفض» ثم تنتظر شهورا في انتظار رد لا يأتي.
بالنسبة لروايتي الأولى»كافكا في طنجة» مررت على أكثر من ناشر قبل أن أجد الناشر الذي رحب بنشرها. لكن مع ذلك، مباشرة بعد توقيع العقد، توقف الناشر عن «التواصل» ومرت أشهر من انعدام التنسيق معه بشأن التدقيقات اللغوية والتصميم.
نعم، غياب التواصل، هذه هي أكبر مساوئ الناشرين العرب في عمومهم، وتلك صعوبة ما زلت أعانيها حتى اليوم، وقد صدرت لي خمس روايات.
p ماهي المشاكل التي واجهتها بخصوص حقوق النشر والملكية الفكرية؟ كيف تواجه هذه المشكلات مع الناشر؟ وما أصعب موقف تعرضت له؟
n أصر منذ البداية أن يكون العقد واضحا وهو ما يقلل من احتمال المشاكل.
هناك فقط مشكلة صغيرة، بشأن روايتي الأولى، التي لست راضيا بالمرة على طريقة نشرها؛ سوء تصميم الكتاب وعدم توزيعه. عرضت مرة على الناشر أن أشتري النسخ المتبقية عنده من الرواية، مقابل إنهاء التعاقد، هنا ظهر في كلام الناشر بعض الطمع، وأراد تعقيد الأمر، سكتت على ذلك إلى أن تفاجأت بأن الناشر يقول بأنه طبع ألف نسخة من الكتاب، رغم أن العقد ينص على طباعة 500 نسخة في الطبعة الأولى، ولا يمكنه طباعة نسخ أخرى دون إعلامي مسبقا، إخلال الناشر ببند من العقد يعني تلقائيا أن العقد كله صار باطلا. لكن أنا في المغرب والناشر في مصر، وتعقيدات التقاضي أو المواجهة كبيرة. قررت أن أدع الأمر جانبا، لأركز على رواياتي الجديدة، وأنتظر انتهاء العقد مع الناشر، في فترته القانونية، لأعيد نشر الرواية لاحقا.
تبقى المشكلة الأخرى التي يعاني منها أغلب الكتاب وهي تهرب الناشرين من دفع مستحقات الكاتب، على تواضعها. أنا مثلا، من بين من نشرت معهم ، ناشران كبيران اثنان. واحد منهما دقيق في تقاريره وأداء مستحقاتي، والآخر يبدو أنه يعيش في كوكب آخر ولم أتوصل منه بأي تقرير عن المبيعات رغم مرور أكثر من عام ونصف على نشر الرواية، ولم يرد على رسالتي بشأن ذلك الموضوع.
p هل قمت يوما بسداد كلفة نشر كتاب لك؟
n روايتي الأولى هي «كافكا في طنجة»، صدرت خلال دجنبر 2020، لم أدفع شيئا من تكلفة النشر، لكن قبل ذلك، وتحديدا سنة 2003، نشرت رفقة صديق مجموعة قصصية مشتركة، على نفقتنا، كان طموحنا كبيرا آنذاك، وقد أتبعنا الكتاب بمشروع مجلة أدبية، أيضا كنا ننشرها على نفقتنا الخاصة. كان هذا خلال السنوات بين 2003 و2005. ولو شئنا الدقة، لو فهمت سؤالك بشكل دقيق، فأنا فعليا لم أدفع تكلفة النشر لناشر، بل للمطبعة، أي تلك صيغة مبكرة من النشر الذاتي. أما أن أدفع لناشر معين تكلفة النشر، فهذا مستحيل على كل الأوجه.
p ما الذي حلمت به لكتاب من كتبك ولم يتحقق وتأمل أن تتداركه مع مؤلف جديد؟
n كل ما يمكن أن يحلم به كاتب لأجل كتابه يصطدم بصخرة صلدة: واقع أن توزيع الكتاب عربيا سيئ، سيئ جدا، قليلة جدا هي الكتب التي تملك فرصة، حظوة، التوزيع الكبير والعرض في المكتبات، أغلب الكتب تبقى موجودة في حيز ضيق، ولا توفر للكاتب فرصة الوصول إلى جمهور قراء أكبر، هذا حلم لم يتحقق، ولا فارق أن تصدر كتابا جديدا لتتدارك ذلك، الفرق الوحيد يأتي من حظوة تصدر الكتاب في إحدى قوائم الجوائز الشهيرة، عندها فقط يمكن أن تهتم المكتبات بطلب كتابك من الموزع، والموزع يتحمس لطلبه من الناشر.
p في رأيك صناعة النشر في تقدم أم تراجع؟
n لا أرى للأسف ما يمكن أن يجعلني أتحدث عن تقدم في صناعة النشر، بل الحقيقة أنني لا أستطيع، وفق أي مقياس، وصف النشر العربي أنه «صناعة» حقيقية. بالكاد يمكن إحصاء، على أصابع اليد الواحدة، عدد الناشرين العرب الذين يمكن وصفهم أنهم مؤسسات قائمة على أساس صحيح، يتعاملون مع النشر باعتباره صناعة، صناعة تجارية وصناعة ثقافية.