احتفال احترافي بالمسرح والمسرحيين/ات في الدورة 23 من المهرجان الوطني للمسرح بتطوان

شهدت مدينة تطوان الجمعة الماضي، افتتاح الدورة 23 من المهرجان الوطني للمسرح، حفل كان بمثابة اعتذار، عما يجوز وصفه بـ «كارثة» السنة الفارطة إن تنظيميا أو تنشيطيا، ورد الاعتبار للمسرح وممارسيه ومتابعيه.حيث استقبلتنا الاحترافية من باب قاعة سينما «أبينيدا»، التي اختارها المنظمون مكانا لحفلي الافتتاح والاختتام عوض مسرح «اسبانيول»، نظرا لسعتها وتواجدها في موقع لا يعيق حركة السير، كما يمكن ركن عربات تنقل الضيوف بمحيطها.
جدير بالذكر، أن مناقشة العروض برمجت في نفس القاعة مساء، في خطوة يصفق لها، لأنها ستسمح لمن سيشاهد الأعمال، بالتفاعل مع الطاقم الفني والتقني للمسرحيات في نفس اليوم، بدل الانتظار لصباح الغد، حيث ينصرف أغلب الجمهور لمشاغلهم، مما يجعل حماستهم في التدخل يخفت.
ثاني عنصر أشعر ضيوف/ضيفات المهرجان بالارتياح، هو احترام توقيت الحفل، فعند السادسة والنصف أعطيت الأوامر لفتح الأبواب، مما أعطى الفرصة لمن يريد توثيق حضوره بالصور على المنصة، قبل الدخول للقاعة وبدأ الاحتفالية على الساعة السابعة، كما جاء في بطاقة الدعوة الخلاقة التصميم، ومن باب الشيء بالشيء يذكر، فلا زال توزيع الدعوات تشوبه العشوائية وعدم استفادة المهتمين منها، كما السنوات الماضية.
في بهو القاعة الفسيح، رحب المنظمون/ات بالجمهور من خلال حفل الشاي، الذي يعد تقديمه سابقة في تاريخ الاحتفال بالمسرح.
وبعد أن أخذ الجميع مكانه، بإشراف من مرافقي/ات القاعة، أعطيت انطلاقة الحفل، من خلال عازف الغيطة ذي الزي الشمالي، تبعه دخول كل من المغنيتين: الشفشاونية دلال البرنوصي، والحسيمية إيمان تيفور، لتأدية النشيد الوطني أولا، ثم لتقديم فقرات غنائية متفرقة من الحفل، حيث أديتا أغان تراثية جبلية، وهو ما اعتبر تكريما للمنطقة التي احتضنت فعاليات المهرجان منذ أن تقرر استقراره بتطوان.
بيد أن الجمع بين المغنيتين، لأداء بعض الأغاني لم يكن صائبا، سيما وخامة صوتهما مختلفة، إذ بدا جليا تفوق دلال البرنوصي التي تمتلك مساحة عريضة، في صوتها القوي والمطواع مع كل الألوان الموسيقية، على إيمان تيفور ذات الصوت الناعم والمحدود مساحة ولونا، لنتساءل هنا عن ضرورة مشاركة مغنيتين عوض الاقتصار على واحدة، وهل للأمر علاقة بكون إحداهما زوجة للمدير التقني للمهرجان.
وعن تصميم فقرات الحفل، فهو مستوحى من كل ما يرتبط بأب الفنون، تمثيلا ورقصا وغناء وسينوغرافيا وأزياء، دون نسيان الانفتاح على الوسائط، من خلال «المابينغ» ولوحاته الخلابة التي رافقت العروض كخلفية.
أما الوصلة التعبيرية التي عرضت فيها، مجسمات جوائز المهرجان الثمانية، فكانت في منتهى الابتكار، وتصميم تلك المجسمات عبارة عن تمثال، من إبداع التشكيلي والأديب أحمد جاريد، يَحْتارُ رَائِيه إن كان إغريقيَّ الشكل نسبة لمهد المسرح، أم مغربيا نسبة لوطنية الحدث، أم أوسكاريا، كاستشراف لمستقبل المهرجان، من حيث تطور مستواه التنظيمي، وأهميته كحدث مرتقب.
وقد أعلن المدير الفني للمهرجان، في كلمته، عن اعتماد المجسم كهوية بصرية للمهرجان، ابتداء من هذه الدورة.
إلى ذلك، اعتبرت الفقرة المسرحية، ذروة الحفل ومنتهى تكريم الحمامة البيضاء، إذ اقتبست من أول نص مسرحي مطبوع في المغرب سنة 1933، لمؤلفها عبد الخالق الطريس، تحت عنوان انتصار الحق بالباطل، قبل أن يسرد بطل المسرحية قصة أقدم المسارح بتطوان، كمسرح فكتوريا (المصلى حاليا) والذي بني سنة 1914، ومسرح اسبانيول في 1923، مما أسهم في تجذر ثقافة ارتياد الجمهور التطواني للمسرح، ومن ثمة ارتباطهم وعشقهم له.
البالي وراقصاته في إحدى الفقرات، كنَّ كفراشات يَحُمن حول الركح ويحرسنه.
تقديم الحفل كان بالعربية والأمازيغية، واقتصر على دعوة الوزير والمكرمين لإلقاء كلمتهم، فيما فقرات الحفل الأخرى، تُركت مهمة تقديمها لظهورها على الخشبة، كتأكيد على أن المسرح مكان للإبداع الفني، لا لتدبيج الكلام. وقد أبهرنا زي المقدمة الأمازيغي، الصارخ بالعراقة والجمال، كعراقة المحتفى به (المسرح)، وجمال ما قدم باسمه. أما أناقة المقدم العصرية، فيمكن قراءتها كمواكبة الركح للتطور التقني أو للهواجس الحالية.
وقد وسم الاقتضاب كلمة وزير الشباب والثقافة والتواصل التي أكد من خلالها مكانة المسرح المغربي في الصناعة الثقافية، وتطوره وطنيا ودوليا، فيما غابت كلمات باقي ممثلي السلطة، الذين كانوا يأخذون حيزا أكبر في أي حفل افتتاح، وهذا أمر محمود، لأن المهرجانات هي مناسبات للاحتفال بالفن والفنانين/ت، وليس لإلقاء الخطب.
فقرة التكريمات أيضا كانت راقية ومنظمة، فعدا عن كون اختيار الأسماء الذي راعى النوع واختلاف الأجيال، مثل جيل ما بعد المؤسسين مع الممثل محمد خيي، وجيل الشباب مع الممثلة جليلة التلمسي، ورد الاعتبار لفناني/ات تطوان، من خلال تكريم الثنائي الكوميدي عبد الكريم الجبلي، والراحل حسن الزيتوني، اختار المنظمون، عرض شهادات في حق المكرمين مسجلة، فكان التنوع بين الخشبة والشاشة، طاردا للملل ومتحكما بالوقت، مع تسجيل ملاحظة أن كلمات المحتفى بهم، كانت موجزة أيضا، وعلى نفس المنوال تم تقديم أعضاء وعضوات لجنة التحكيم، وفيما يخص اللجنة فتواجد عضوة، هي زوجة لواحد من فريق التنظيم، المكلف بتسيير الندوات يطرح أكثر من سؤال.
باختصار، لقد كان كل ما يمر على الخشبة في ليلة الافتتاح، بعيد عن الاعتباطية، وبقالب يميزه التناغم. قليل الكلام لكنه يشاهد ويطرب، كما لا يمكن تفضيل فقرة عن أخرى، فكلها كانت تجمع بين تكثيف المتعة وتركيز الوقت.
وجاءت نهاية الحفل «كْلاَشًا»، إذ والجمهور منتشي بإيقاع أغنية «أراسي وما داز عليك وباقي»، مرت على الخشبة إحدى الممثلات بـ»البيجامة»، كتذكير على رفض مهزلة تقديم حفل السنة الماضية، من طرف إحدى الممثلات بنفس اللباس، وما جره من امتعاض وتقزز، في نفوس كل من حضره آنذاك .
وأختم بأن تنظيم هذا الحفل الاحترافي، كان وراءه أساتذة وطلبة المعهد العالي للمسرح والتنشيط الثقافي، وهكذا تكون الأمور مبهرة.. إذا أسندت إلى أهلها.


الكاتب : جلوى بركاس

  

بتاريخ : 15/12/2023