أوكرانيا تطالب بوقف فوري لإطلاق النار وروسيا تحدد شروطها وأهدافها من الحرب
تواصلت المواجهات العسكرية في أوكرانيا لليوم السادس، منذ أن قرر الرئيس الروسي شن حرب، وضعت بلاده في مواجهة مع الغرب، الذي يواصل الضغط من خلال حزمة عقوبات غير مسبوقة، لإرغامه على وقفها.
وكما كان متوقعا لم تسفر الجولة الأولى من المفاوضات بين روسيا وأوكرانيا عن اختراق من شأنه أن يؤدي إلى إسكات السلاح، في انتظار جولة أخرى لم يعلن بعد عن موعدها.
وتباينت المواقف بين الطرفين، ففي حين تطالب أوكرانيا ومن ورائها الدول الغربية، بوقف إطلاق النار فورا ودون شروط، سارعت موسكو، سواء على لسان الرئيس بوتين أو وزير الخارجية لافروف إلى تحديد شروطها، والتي تعدت نزع سلاح أوكرانيا وتحييدها إلى نزع الأسلحة النووية الأمريكية من أوروبا، وهي شروط تنذر باستمرار المواجهة وتصاعدها.
جولة أولى من المفاوضات بدون أفق واضح
لم تسفر الجولة الأولى من المفاوضات بين الوفدين الروسي والأوكراني عن أيه نتيجة، حيث مازالت المواجهات متواصلة على العديد من الجبهات، في الوقت الذي حدد فيه كل طرف أهدافه، ليتم الاتفاق على عقد جولة ثانية، لم يحدد تاريخها بعد، وإن كانت أنباء قد أشارت إلى أنها قد تعقد على الحدود بين بيلاروسيا وبولونيا.
ووفقا للرئيس الأوكراني فإن كييف «لم تحصل على النتيجة التي كانت تود الحصول عليها» في نهاية هذه الجولة الأولى من المفاوضات، لكنه أشار إلى «المقترحات المضاد ة» التي قدمها الوفد الأوكراني «لإنهاء الحرب».
وقالت الرئاسة الأوكرانية إنه بالنسبة لكييف فان «المسألة الأساسية هي التوصل إلى وقف فوري لإطلاق النار وسحب القوات الروسية من الأراضي الأوكرانية».
وقال إن «هذه المحادثات جرت على وقع عمليات قصف وإطلاق نار استهدفت أراضينا… إن توقيت القصف بالتزامن مع عملية المفاوضات كان جليا».
وتابع «أعتقد أن روسيا تحاول بهذه الطريقة البسيطة الضغط» على كييف، مضيفا «لا تضيعوا وقتكم».
وندد الرئيس الأوكراني فولوديمير زيلينسكي بالقصف الذي شنته القوات الروسية على مدن أوكرانية في وقت كان فيه الوفدان الروسي والأوكراني يلتقيان في بيلاروسيا للمرة الأولى منذ بدء الغزو الخميس الماضي.
وكان الكرملين قال عبر الناطق باسمه دميتري بيسكوف إنه لا يريد «الكشف» عن موقفه خلال هذه المفاوضات التي «يجب أن تجري بصمت».
موسكو : هذه شروطنا لوقف الحرب
في وقت رفض الوفد الروسي الإعلان عن شروطه من المفاوضات، حدد الرئيس الروسي فلاديمير بوتين خلال مكالمة مع الرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون هذه الشروط والتي تتمثل في الاعتراف بالقرم أرضا روسية ونزع سلاح أوكرانيا و»اجتثاث النازية» فيها.
وأكد الكرملين بعد المكالمة أن إنهاء النزاع «ليس ممكنا إلا إذا أخذت المصالح الأمنية المشروعة لروسيا بالاعتبار وبشكل غير مشروط»، مبديا أمله في أن تؤدي المفاوضات «إلى النتائج المرجوة».
وإذا كانت هذه هي الشروط التي نقلها الرئيس بوتين إلى الرئيس ماكرون، إلا أن الأهداف الروسية من الحرب على أوكرانيا، تتعدى المجال الأوكراني، وبدا ذلك جليا في كلمة وزير الخارجية سيرجي لافروف إلى مؤتمر نزع الأسلحة الذي احتضنته جنيف أمس الثلاثاء.
وشهدت كلمة لافروف مقاطعة وفود عديدة من بينها أوكرانيا والدول الغربية،
وغادر الدبلوماسيون القاعة عند بدء خطاب لافرورف المسجل مسبقا.
وكان يفترض أن يحضر الوزير الروسي إلى جنيف إلا انه ألغى سفره بسبب «العقوبات المناهضة لروسيا» التي تمنعه من السفر في أجواء الاتحاد الأوروبي. ووحدها بعض الوفود بقيت في القاعة من بينها اليمن والجزائر وفنزويلا وسوريا وتونس. وعلا التصفيق خارج القاعة ترحيبا بالمقاطعة.
خلال كلمته، بسط لافروف الشروط الروسية والتي حددها في إعادة السلاح النووي الأمريكي من أوروبا إلى الولايات المتحدة، قائلا إنه من غير المقبول وجود الأسلحة النووية الأمريكية على أراضي عدد من الدول الأوروبية.
كما طالب لافروف بعقد مؤتمر لمعاهدة حظر الانتشار النووي، قائلا إن مأساة أوكرانيا هي نتيجة تواطؤ الرعاة الغربيين للنظام الإجرامي الذي تشكل هناك.
وأضاف لافروف بأن روسيا قلقة للغاية بشأن الوضع في منظمة حظر الأسلحة الكيميائية الذي أصبح نتيجة للسياسة الغربية، معتبرا أن تحقيق الضمانات الأمنية الملزمة قانونيا من جانب دول حلف الشمال الأطلسي له أهمية أساسية بالنسبة روسيا.
قصف عنيف على المدن الكبرى على رأسها كييف وخاركيف
على الصعيد الميداني، تواصلت أمس، ولليوم السادس، المواجهات العسكرية على مختلف الجبهات. وفي هذا الإطار أظهرت صور ملتقطة عبر الأقمار الاصطناعية رتلا عسكريا روسيا يمتد على عشرات الكيلومترات يتقدم ببطء باتجاه كييف، فيما أفادت هيئة الأركان الأوكرانية أن موسكو تجمع قواتها استعدادا للهجوم على العاصمة الأوكرانية ومدن أخرى.
وذكرت شركة «ماكسار» الأميركية للتصوير بواسطة الأقمار الاصطناعية خلال الليل، بعد نشر صور عدة التقطت من الفضاء : «يتألف الرتل من مركبات جزء منها يسير بعيدا بعض الشيء عن بعضه البعض، والجزء الآخر يسير جنبا إلى جنب في صف ين أو ثلاثة صفوف متراصة».
وأضافت الشركة أن الرتل «يمتد من تخوم مطار أنطونوف (حوالى 25 كيلومترا من وسط كييف) في الجنوب إلى تخوم بريبيرسك» شمالا.
وهذا المطار مسرح، منذ بدء غزو روسيا لأوكرانيا، لمواجهات عنيفة إذ يحاول الجيش الروسي التحكم بهذه المنشاة الإستراتيجية للسيطرة على المدينة.
وأكدت هيئة أركان الجيش الأوكراني أمس أن القوات الروسية تجمعت خلال الساعات الأربع والعشرين وتضم مدرعات وقطعا مدفعية «لتحاصر أولا كييف والسيطرة عليها فضلا عن مدن كبيرة أخرى في أوكرانيا».
وقال مصدران لوكالة فرانس برس الاثنين أحدهما دبلوماسي والآخر أمني إن موسكو تستعد لهجوم عسكري وشيك.
وأقام المدافعون عن العاصمة التي خضعت لحظر تجول طوال عطلة نهاية الأسبوع، خنادق وأعادوا برمجة لوحات الكترونية على الطرقات لتحذير الروس من أنهم «سيستقبلون بالرصاص».
وفي حين بدت القوات الروسية وكأنها تستعد للمعركة في محاولة جديدة للسيطرة على كييف، استمرت في تضييق الخناق على المدن الأوكرانية الكبرى الأخرى.
وفي هذا الإطار وصل الجيش الروسي الثلاثاء إلى مدينة خيرسون في جنوب أوكرانيا، قرب شبه جزيرة القرم الخاضعة لسيطرة موسكو، وهو يقيم نقاط تفتيش على مشارفها، وفق ما أعلن رئيس البلدية.
وقال إيغور كوليخايف على فيسبوك إن «الجيش الروسي يقيم نقاط تفتيش على مداخل خيرسون». وأضاف «خيرسون كانت وستبقى أوكرانية».
في غضون ذلك، قصفت القوات الروسية الثلاثاء وسط خاركيف، ثاني كبرى المدن الأوكرانية، في هجوم طال مقر الإدارة المحلية، وفق ما أعلن محافظ المنطقة أوليغ سينيغوبوف، بينما انقطعت الكهرباء عن مدينة ماريبول.
وقال سينيغوبوف في فيديو على «تلغرام» «تعرضت الساحة المركزية في مدينتنا ومقر إدارة خاركيف لهجوم إجرامي». وأضاف «يواصل المحتلون الروس استخدام الأسلحة الثقيلة ضد السكان المدنيين»، مشيرا إلى أن عدد الضحايا لم يعرف بعد، ونشر تسجيلات مصورة تظهر انفجارا كبيرا وركاما داخل المبنى.
ويبلغ عدد سكان خاركيف حوالي 1,4 مليون نسمة، معظمهم ناطقون بالروسية، وتقع قرب الحدود الروسية، وكانت هدفا للقوات الروسية منذ بداية الحرب.
كما انقطعت الكهرباء عن مدينة ماريبول الأوكرانية المطلة على بحر أزوف بعدما تعرضت لهجمات من القوات الروسية، بحسب ما أعلن المسؤول الإقليمي بافلو كيريلنكو.
بدوره، أفاد مسؤول في منطقة سومي، الواقعة شمال خاركيف قرب الحدود الروسية، أن حوالى 70 جنديا أوكرانيا قتلوا في القصف الروسي على منشأة عسكرية في المكان.
وقال المسؤول دميترو جيفيتسكي على «تلغرام» «قتل العديد، حاليا، يتم إعداد قبور لنحو 70 جنديا أوكرانيا قتلوا»، وذلك بعد ضربات روسية استهدفت بلدة أوختيركا، ونشر صورا لأبنية متفحمة وجدران منهارة بينما عمل عناصر الإنقاذ على البحث وسط الركام، لكن الجيش الأوكراني لم يؤكد الوفيات.
ونفت روسيا استهداف مناطق مدنية رغم سقوط صواريخ في أحياء سكنية، في الوقت الذي تفيد أوكرانيا بأن أكثر من 350 مدنيا قتلوا منذ شنت موسكو هجومها الأسبوع الماضي.
المفاعلات النووية تثير المخاوف
أفادت الوكالة الدولية للطاقة الذرية بأن القوات المسلحة الروسية تتواجد على مقربة من أكبر محطة نووية في أوكرانيا، معربة عن «قلقها البالغ»
وحتى الساعة لا تزال المفاعلات الستة لمنشأة زابوريجيا «بأمان»، وفق معلومات تلقتها الهيئة الأممية للإشراف على المواقع النووية التي تبلغها السلطات الأوكرانية بشكل منتظم بالتطورات الميدانية.
وأوضحت الوكالة الدولية للطاقة الذرية أن القوات الروسية «تنشط قرب المحطة» لكنها لم تسيطر عليها إلى الآن.
وحذر مدير الوكالة رافايل غروسي مجددا من «أي عمل من شأنه أن يهدد أمن» المواقع النووية في البلاد.
وتوجد في أوكرانيا أربع محطات نووية فاعلة تؤمن نحو نصف احتياجات البلاد على صعيد التيار الكهربائي، ومستودعات عد ة للنفايات المشعة بينها محطة تشيرنوبيل التي شهدت في العام 1986 أسوأ كارثة نووية في التاريخ.
وأكد غروسي أن «أي حادث يمكن أن تكون عواقبه وخيمة على الصحة العامة والبيئة»، كما شدد على «أهمية» أن تواصل الفرق المتواجدة في هذه المواقع عملها المعتاد وأن «تتمكن من أخذ قسط من الراحة».
وفي موقع محطة تشيرنوبيل التي أصبحت في قبضة الروس، لم يتم استبدال رئيس الفريق المناوب منذ 24 فبراير، وفق الوكالة.
وفيما يتعلق بالتصعيد النووي الذي سبق وأعلن عنه بوتين، أكدت الولايات المتحدة أنها لم ترصد أي تغيير «ملموس» في الوضع النووي الروسي منذ أن وضع الرئيس الرئيس الروسي قوته الرادعة في حالة تأهب.
وقال مسؤول كبير في البنتاغون لصحافيين غداة إعلان بوتين «لا نزال نراقب ونرصد الوضع من كثب». وتابع «لا أعتقد أننا رأينا نتيجة ملموسة لقراره. ليس بعد، في أي حال».
واعترف المسؤول بأن من «الصعب معرفة ماذا وراء أمر بوتين» لكن «مجر د تطر قه إلى» مسألة «استخدام القوات النووية» أو «التهديد بها» هو أمر «لا طائل منه ويشكل تصعيدا مهما»، مؤكد ا أن روسيا لم تهدد «أبدا» من قبل حلف شمال الأطلسي.
واعتبر متحدث باسم وزارة الخارجية الأميركية أن هذا «الخطاب الاستفزازي حول الأسلحة النووية خطير». ولم تغير الولايات المتحدة من وضعها النووي ردا على قرار فلاديمير بوتين.