اكتُب فقط

 

اكتُب فقط
أعتقد أن الكتابة، في عمقها، طريق يطرقه الإنسان لغاية ذاتية محضة، ويسلكه لبلوغ مالا يُبلغ، غير أنها تجعله بالاستعارات يشكّل الوجود ويحتفي بكينونته باللغة وداخلها، والكاتب وهو يرسم إشارة أو كيانا لغويا يقوم بتحويل المرئي إلى كائن باللغة تسري في عروقه دماء الخيال والتخييل ويشكّل تعبيرا عن متخيّل ما، لينفخ فيه الحياة بمايحمله من دلالات ومعاني لاحدود لها بفعل التنوع القرائي. وتستمر العملية على هذا المنوال وتختلف كيفية القول والتعبير من حال إلى حال وفق مجريات الوعي بقيمة هذه الكتابة التي تلبس لكل حال لبوسها الذاتية والنفسية والسكولوجية والاجتماعية والكونية.

اكتب فقط
لتشعر بأنك هنا، تنظر من نافذة العالَم إلى وجود ممتد في الملموس والمجرّد، في المعلوم والمجهول، فتسعى إلى تحويل هذه المسميات من وضع ميت إلى وضع حي في سياقات مختلفة، ومن ثمّ تحاول، قدر الإمكان، القبض على هذه المشاهد والصور المترامية هنا وهناك، وتشكيلها في نصوص حيّة بنوعية التركيب والبناء لعناصرها كي تتفاعل وتحقق كيانها البلاغي.

اكتب فقط
وغص في تلك الجغرافيات المنسية من الذات والعالَم، واحفر عميقا في طبقاتها اللغوية لتقف على ما نسميه جزافا حقيقة، وهي في الأصل والمحتد لا وجود لها، فالحقيقة وهم يأسر ذوي الرؤية المنطلقة من واحدية المعنى ويسجن ذوي العاهات في التفكير والخلْق، لكونها منعدمة ويستحيل تلمّسها بكل الوسائط الممكنة، لهذا نقول إن الإنسانية منذ وجودها وهي تبحث عن المعقّد والملتبس، وفي التعقيد والالتباس مكمن وهم الحقيقة . لذا في الكتابة لابد من حافز يدفع الذات إلى مقارعة المعتم بضوء اللغة النابع من تلك المناطق الداخلية والمتاخمة للخارج عنها ومنها وفيها.

اكتب فقط
لا تفكّر في المعنى، المعنى لايوجد هكذا، بل يصنع عن طريق القراءة، ولا يولد من رحم العدم، إنه متخلّق من هذا التشابك بين العدم والوجود، وفيهما يبدو أكثر تعدّدا ولانهائيا، حين نجد المعنى في النص يموت، فالنص الحيّ دائم الانبعاث والتجدّد إذا وقع تحت نور القراءة.

اكتب فقط
ولا تترك الحقائق تتسيّد، ففي المجرّد تكون الحقيقة واضحة الملامح والهيئة، وفي المعلوم تفتقد وجودها الذي يظل في حكم المجهول.


الكاتب : صالح لبريني

  

بتاريخ : 15/12/2022