الأستاذ عبد الغني أبو العزم يحاور الراحل الكبير أندري ميكيل

انتقل إلى عفو الله البروفسور أندريه ميكيل يوم 27/12/2022 عن سن 93، ووفاء لمكانته العلميّة ومواقفه السياسيّة المتضامنة مع الشعوب العربيّة، والقضيّة الفلسطينيّة، ونظرا للعدد الهائل من الطلاب العرب الذين تتتلمذوا على يديه، وتمكنوا من أداة البحث الجامعي والأكاديمي، نقدم هذا الحوار الذي أجراه الدكتور عبد الغني أبو العزم وذلك سنة 1982 ونشر في مجلة شؤون عربيّة، يعبر فيه البروفسور عن آرائه وأفكاره ورؤيته للأشياء سياسيّاً ووطنيّاً تذكاراً ووفاء، وهو يعد من الوجوه البارزة في مجال الدراسات العربيّة بأوروبا، برز خلال مسيرته العلميّة وندواته الجامعيّة الأسبوعيّة مع الطلاب والباحثين العرب (في جامعة السوربون والكوليج دو فرانس) كقطب رائد لما يتمتع به من سعة الأفق ورحابة الصدر، وتفتح على أفكار الآخرين من جهة، ولما يكنه من صداقة عميقة للعرب من جهة أخرى. اشتغل في البداية بالسلك الديبلوماسيّ، ثم تفرغ للدراسات العربيّة والأدبيّة واللغويّة بجامعة السوربون، حيث قضى أربع سنوات بالمدرسة التطبيقيّة، وسنتين بجامعة فانسان- باريس السابعة، وست سنوات بجامعة باريس الثالثة، كأستاذ ومدير معهد الدراسات الإسلاميّة، وهو أستاذ كرسي بالكوليج دو فرانس، له العديد من المقالات في المجلات العلميّة المتخصصة في الشؤون العربيّة، من أهم كتبه: «العرب وحضارتهم»؛ «الجغرافيّة الإنسانيّة للعالم الإسلاميّ»، في أربعة أجزاء. ومن بين اهتماماته دراساته لحكايات ألف ليلة وليلة عجيب وغريب. ومن مشاريعه الضخمة، إعداده لترجمة جديدة لألف ليلة وليلة – ليست هناك قصص بريئة –

 

ما هو تقييمكم لتجربة الاستشراق في أوربا، وفي فرنسا على الخصوص، وحول ما يقال عن ارتباطات هذه التجربة بالمصالح الاستعماريّة ؟

إن سؤالك سؤال عام وهو يتضمن في ذات الوقت سؤالين، ويمكن أن أعطي مبدئياً جواباً شموليّاً، وعلى الخصوص أن الجدل حول موضوع الاستشراق قديم، وقد أعاد إثارته من جديد الكاتب الفلسطيني إدوارد سعيد بعد صدور كتابه «الاستشراق». كيف يمكن أن نحدد مادة الإنتاج الاستشراقي؟ وما هي دلالته التاريخيّة؟ وعلى ماذا يعبر بالذات؟ هذه هي الأسئلة التي ينبغي تحديدها أولاً لضبط الموضوع وحصره، وضمن هذا التوجه، يمكن أن أقول إنه يعبر عن إنتاج مجتمع في مرحلة ما، وهكذا فإن التأمل حول ما يسمى بالمجتمعات الشرقيّة والرؤية التي كونها الغرب عنها هي انعكاس مباشر لذلك الإنتاج في شتى مجالاته، وليس من المستغرب أبداً أن تكون مادة الاستشراق مرتبطة بالمجتمعات التي كانت مرتبطة بدورها بالغزو الاستعماريّ إلى ما بعد الحرب العالميّة الثانية، ولكن أن يستنتج من هذه الأطروحة العامة حكم عام، وهو أن الاستشراق إنتاج استعماريّ خالص ، ففي ذلك نوع من التجني وعدم التحري، ولا أستطيع كباحث أن أسلم بهذا الأمر، بل يمكن أن أذهب أبعد من هذا فأقول : إنه ينبغي التمرد، وبشكل قوي ضد هذه الأطروحة، وعلى الخصوص إذا تحدثنا بطريقة إجماليّة.
يمكن في هذا الإطار أن أشير إلى شيئين : أولهما : إذا قيّمنا علميّاً إنتاج بعض الأفراد من المستشرقين، وأكتفي بالإشارة فقط إلى كل من بلاشير وماسينيون، فإننا سنتوصل بكل سهولة ووضوح تام إلى رد الاتهام القائم على أساس تلك المعادلة العامة: استشراق = استعمار، وهذا النوع من التقييم الفردي يمكن أن يؤدي إلى تصحيح بعض المفاهيم، التي تعتمد على العموميّات في أحكامها.
أما الشيء الثاني الذي يمكن أن أبرزه في هذا المجال، كجواب عام، فهو يتعلق بالشروط التاريخيّة التي ساهمت في ظهور الإنتاج الاستشراقيّ، والعقليّة التي تحكمت فيه، وكما أوضح ذلك الأستاذ مكسيم رودنسون في كتابه الأخير عندما حدد أن الاستشراق هو إنتاج شروط تاريخيّة، ولم تتحكم فيه فقط العلاقات القائمة ما بين الشرق والغرب، وإن اختلاف الرؤية في ما بينهما كان حصيلة تميز في عقليّة الغرب، على عكس ما يقال لحد الآن، وبتعبير آخر إنه لمن الصعب تحديد الإنتاج الاستشراقيّ حسب المظاهر الاجتماعيّة والاقتصاديّة، وفي ضوء العلاقات السائدة ما بين الشرق والغرب.
هذا ما يمكن تقديمه كجواب أوليّ وعام في ما يتعلق بمسألة الاستشراق في الماضي، وتعقيباً على هذا الجواب لا يفوتني هنا إلا أن أصرح وبشكل فظ، إن هذا المشكل لا يهمني إطلاقاً، وما يهمني هو ما ينتج في هذه المرحلة بالذات… ولماذا ؟ وما هي أشكاله ومضامينه ؟ أما الاسشراق هكذا فأنا لا أعرفه ولاعلاقة لي به، وفي نفس الوقت أود أن ألفت الانتباه في هذا الصدد، الى أن ما يهمني ليس هو الشرق وحده، بل العالم العربي من المحيط إلى الخليج، أدبه ولغته وحضارته، وهذا ما أحاول أن أتخصص فيه على الأقل، ومن التفاهة أن نعتبر أن الشرق هو العالم العربي.
وبغض النظر عن التحولات التي يشهدها عالمنا، أود أن أفتح قوسين حول طبيعة التوجهات العالميّة التي تنحو منحى تعميق علاقات المساواة، وقد بدأت تأخذ مكانها شيئاً فشيئاً ما بين الدول بصفة عامة والدول العربية، والغرب بصفة خاصة، هذا الاتجاه العام ينبغي أن يشكل المحور الطبيعيّ ما بين الدول. وأن يفتح المجال لعقليّة جديدة، عقليّة شركاء متساوين لمواجهة مستقبل الإنسانيّة.
وبغض النظر عن التحولات التي يشهدها عالمنا، أود أن أفتح قوسين حول طبيعة التوجهات العالميّة التي تنحو منحى تعميق علاقات المساواة والتي بدأت تأخذ مكانها شيئاً فشيئاً ما بين الدول بصفة عامة والدول العربيّة والغرب بصفة خاصة، هذا الاتجاه العام ينبغي أن يشكل المحور الطبيعيّ ما بين الدول. وأن يفتح المجال لعقليّة جديدة عقلية شركاء متساوين لمواجهة مستقبل الإنسانيّة.
وفوق هذا وذاك، أود كذلك أن أوضح قضية أخرى تتعلق بمفهومي لدراسة المجتمع العربيّ الحديث، وحتى نحدد إطار النقاش، وإزالة كل التباس. لقد ساد في الأذهان أن كل مستعرب أو مختص في قضايا العالم العربي هو بالضرورة وأوتوماتيكيّاً باحث في الاسلاميّات، كما كان الأمر في الماضي، إذ أن الاستشراق التقليدي القديم كان في مجمله منحصراً حول دراسات المجتمعات الإسلاميّة، وكانت مادة الإسلام هي المحور، وأعتقد بضرورة تجاوز هذا التصور، وعلى هذا الأساس إن ما يهمني كباحث معاصر هي الظاهرة العربيّة، قضايا وهموم العالم العربيّ… وبطبيعة الحال ليس معنى هذا طرح الإسلام جانباً، كيف ذلك وهو يكوّن جزءاً أساسيّاً للعالم الذي أدرسه ؟
ويمكن أن أقول وبشكل فظ إن ما يهمني هو دراسة الإنسان العربيّ، سواء كان ملحداً أو ماركسيّاً أو مسلماً، تحديد هويته التاريخيّة والحضاريّة، تحديد توجهاته وتصوراته وطموحه.

 

 هل هناك مراحل متميزة للاستشراق، وهل يمكن تحديد مضامينها ؟

إني لست متطلعاً بما فيه الكفاية لأحدد تاريخيّاً المراحل التي مر منها الاستشراق وإذا أردت أن أتحدث عن هذا الجانب، فإني سأطرح بطبيعة الحال الإطار التاريخيّ للاستشراق الفرنسيّ، والطبيعة التي تحكمت فيه منذ البداية، وما اشتملت عليه من توجهات.
لقد تكوّنت الإشعاعات الاستشراقيّة الأولى مع فرانسوا الأول إلى لويس الرابع وإلى حدود الثورة الفرنسيّة. وهذه المرحلة كانت تهدف إلى تكوين مختصين في اتجاهين محددين : أولهما: تكوين تقنيين في اللغة لمساعدة تطوير العلاقات التجاريّة والعلاقات الديبلوماسيّة (سفراء ومستشارين، وما إلى ذلك في بلدان الشرق الأوسط). ثانيهما : تكوين رجال يعرفون من الداخل المجتمعات الإسلاميّة وذلك عن طريق اللغة والحضارة العربيّة الإسلاميّة، وكان الهدف من هذا المنحى هو محاولة لتثبيت العقائد الدينيّة النصرانيّة أو ما كان يسمى في ذلك الوقت بعقائد العالم المسيحيّ. وهذا الهدف كان يتطلب معرفة الحضارة الإسلاميّة العربيّة من الداخل للدفاع عن المسيحيّة في إطار الصراع الدائر ما بين العالم المسيحيّ والعالم الإسلاميّ. وهنا أُريد أن أتوقف لحظة لأتساءل: هل كان كل الرجال الذين يعلمون اللغة العربيّة قبل الثورة الفرنسيّة لهم الطموح نفسه والتوجهات نفسها ويهدفون فعلاً إلى تثبيت العقيدة المسيحيّة، ومسايرة توجهات الكنيسة ؟ أم كانت لهم أهداف أخرى؟ تجاريّة على سبيل المثال !! إن هناك على الأقل استثناءات ذات قيمة، ويمكن أن أدلي باستثناء واحد في هذا الصدد، هذا الاستثناء هو كيوم بوستيل أحد مؤسسي الاستشراق في فرنسا والذي كان يدون جدال أحد كبار العلماء، تحدوه الموضوعيّة والشغف العلمي بمقياس المرحلة التي كان يعيش فيها بطبيعة الحال. لقد كان رجلاً متعاطفاً مع العالم الذي يدرسه، يغمر قلبه الحب والتقدير تجاهه. وهذا الاستثناء كان في تلك المرحلة التي كانت تصب في اتجاه تثبيت العقائد المسيحيّة والمغامرة التجاريّة ومع كل التمايزات المطلوبة.
وعندما جاء القرن الثامن عشر، عصر الأنوار حمل معه تغييرات أساسيّة، ورسم توجهات جديدة على مستويات عدة في الرؤية والتفكير وأسلوب معالجة القضايا. كما برز متميزاً عن المرحلة السابقة. متميزاً بفكره العلميّ وبمواقفه ضد الكنيسة وثقلها وتحكمها المفرط على الحياة المدنيّة، أي ضد سيادة الفكر المسيحيّ الكاثوليكيّ على الخصوص وسيطرته على العالم الغربيّ.
وهذا التوجه حمل معه تساؤلات عن حياة الآخرين وبدأ بعض الباحثين الغربيين يطرحون أسئلة عن الحضارات الأخرى، حضارات لا يمثل فيها رجال الدين ثقلاً كبيراً. وأشهر مثال في هذا الشأن هو مثال فولتير والذي ينبغي فحصه بإمعان، رؤية فولتير للإسلام المرتبطة بالمرحلة التي عاشها، خلفياتها ومضامينها وما أرادت أن تعبر عنه بالذات، إن الإسلام عند فولتير هو إسلام يمتاز بسعة الأفق ورحابة الفكر، ويضمن بامتياز حريّات الأفراد أكثر مما هو موجود في الكنيسة الكاثوليكيّة بالغرب، وفوق هذا وذاك إن موقف فولتير هو دقيق للغاية أكثر مما يقال عادة. لماذا ؟ لأنه إذا كان قد استطاع في الواقع أن يكون رؤية شاملة عن الإسلام، فإنه تناول شخصيّة النبي محمد (ص) بتحفظ حذر، ومحمد الذي تحدث عنه فولتير (ولفظ اسم محمد بنفس النطق الفرنسيّ المتداول تعمداً) هو إنسان له مشاركة فعليّة وعمليّة في تأسيس الدين الإسلاميّ، وهو بهذا رجل سياسيّ بكل ما تحمله هذه الكلمة من معنى؛ إنسان اهتم بالبساطة السياسيّة، وهو بهذا المفهوم قد سجل بالنسبة لفولتير سلطة في التاريخ كأي رجل سياسي.
إذن، وفي كل الحالات، هناك تساؤل بدأ يطرح نفسه مع انعطاف القرن الثامن عشر والقرن التاسع عشر، ويمكن أن يقال إن القرن التاسع عشر قرن غامض، وهذا صحيح لأنه يبدأ تحت وطأة هذا التساؤل الذي تحدثت عنه أنفاً، وسيغير تدريجيّاً شيئاً فشيئاً من هيئته ووضعه، وسيعبر عن هذا الوضع الرحالة الأوروبيّون الذين كانوا نموذج المرحلة آنذاك، ولنشير فقط إلى جيرار نرفال، هؤلاء الرحالة كانوا يقدمون الدليل والبرهان على حب المعرفة ويحملون هماً كبيراً من أجل معرفة الآخر… معرفة الرجل العربيّ الشرقيّ، وهذا ما ينبغي رؤيته والنظر إليه بموضوعيّة، لقد كانت هناك محاولة التخلص من الصورة التي تقترحها المجتمعات الغربيّة للذين يرحلون إلى الشرق.
وستأتي في ما بعد المرحلة الاستعماريّة الامبرياليّة وعلى الخصوص بعد الغزوة الاستعماريّة للجزائر، وبعد منتصف القرن، لندخل في مرحلة جديدة ومعها تبدأ في الواقع الإنتاجات الكبيرة للاستشراق والتي ستستمر إلى ما بعد الحرب العالمية الثانية والتي ستوظف قوتها في اتجاهين : اتجاه كمي واتجاه كيفي.
الاتجاه الكمي – كان يتمحور حول إنتاج غزير يحدده طغيان الهيمنة الاستعماريّة على الدول العربيّة – الإسلاميّة، وهذ النوع من الإنتاج كان طبيعيّاً إذا نظرنا إلى الأمور برؤية المرحلة. ومما لا شك فيه إن الهيمنة الغربيّة قد أثارت الأوساط الثقافيّة بالعالم الغربيّ ودفعت بها إلى الإنتاج الثقافي الغزير حول الثقافة واللغة والحضارة العربيّة وما إلى ذلك من المواضيع … مجموعة من المؤلفات ارتبطت مباشرة بالعقليّة الاستعماريّة وتدخل ضمن توجهاتها: وأكبر مثال ساطع يمكن أن أقدمه في هذا المجال هو مثال العالم الهولندي سكوكوغرون المختص في شؤون اندونيسية والذي كان إنتاجه مرتبطاً مباشرة بالعقليّة الاستعماريّة وابناً شرعيّاً لها.
الاتجاه الكيفيّ – وهو يتمحور حول إنتاجات كيفيّة، ولقد برز في هذا المجال علماء كانوا يهتمون بالدرجة الأولى بمواضيع علميّة محددة من أجل تعريف العالم الغربيّ بالهويّة الحضاريّة الثقافيّة للمجتمعات الإسلاميّة والعربيّة.
والاستشراق الفرنسيّ له مساهمات كبيرة في هذا الصدد، ومن الصعب إنكارها، ويكفي إثارة بعض الأسماء مثل سيلفستر دوساسي وباربي دومينار ودومونبن وماسينيون ولاوست وبلاشير من أجل إبراز هذا الاتجاه، والذي يؤكد وجود علم استشراقيّ تقليديّ يشرف العلم الفرنسي، والعلم بصفة عامة.
وأود أن أذكر هنا بين قوسين الأعمال النحويّة التي أنجزها سلفستر دوساسي في بداية القرن التاسع عشر، لقد استطاع هذا العالم أن يكتب النحو العربيّ في ضوء مفاهيم وقواعد النحويّين العرب أنفسهم، لقد كان رهاناً رائعاً في تلك المرحلة وأعتقد أن مثال دوساسي وكل الآخرين الذين تحدثت عنهم سابقاً يكفي لإصدار أحكام عادلة في حقهم وإعادة النطر في بعض المواقف التعميمية لأن الأمر يتطلب نوعاً من التمييز وتقصي الحقائق بأسلوب علميّ لإظهار الحقيقة كما هي، ولقد حان الوقت كذلك لإعادة النظر في تلك المعادلة الخاطئة والقاتلة التي ترى أن الاستشراق = الاستعمار.

 

 نعترف أن الأمر يتطلب نوعاً من التحديد والتمييز، مع العلم إن القاعدة بالنسبة للجمهور غير العلميّ وحتى العلميّ أحياناً لا تعطي قيمة لحالات الاستثناء، ولكن مع ذلك ألا تعتقدون بأن هناك محوراً متميزاً كان يدور حوله الاستشراق …؟ ومع هذا كله يبقى الآن أن نبحث في إنتاجات المرحلة الحاليّة. في رأيكم هل يمكن تغليب الجانب الثقافيّ على الجانب السياسيّ وهل يوجد هناك ترابطاً في ما بينهما ؟

في كل الحالات يمكن أن أقول إن هذه المسألة لم تعد مطروحة بهذا الشكل، لأننا قد نجحنا في نهاية الأمر في طرح مفهوم علميّ ينطلق من المعالم الداخليّة لأي مجتمع يراد دراسته، وبعبارة أوضح: إنه ينبغي علينا من أجل دراسة أي مجتمع أجنبي أن ننطلق من الداخل انطلاقاً من إنتاجه الحضاريّ والتاريخيّ والفنيّ، ومن قيمه وقوانينه ونظامه وأشكاله ومظاهره الفكريّة والفلسفيّة والأدبيّة والنحويّة والقانونيّة.
لماذا هذا التوجه ؟ لأننا نشاهد اليوم ظاهرة ثقافيّة وبصورتها المتداولة، وكما نحسها، أي مجموع الانتاجات والتي ليست بالضرورة مرتبطة بالبنية التحتيّة كما يسميها كارل ماركس لها علاقة بإنتاج المجتمع المادي حسب أصول النظريّة الماركسيّة. إننا نعرف اليوم أن الظواهر الثقافيّة لها حياتها الخاصة، وهي تتداخل بشكل قوي في الوقت نفسه مع الظواهر الاجتماعيّة الاقتصاديّة، وهذا شيء مهم لدراسة الاستشراق لأننا من هنا سنبدأ. تفكيك أشياء كان له دائماً بعض الثقل الزائد في الشرق التقليديّ، حيث كنا نواجه عادة ما يتضمن القول إن العالم الإسلاميّ العربيّ هو الإسلام ولا شيء آخر وبالتالي فإن الظواهر الثقافيّة هي التي تتحكم في كل شيء، وعلى سبيل المثال، كانت الانتفاضات وظواهر العائلات المالكة في التاريخ الإسلاميّ في الأصل نتيجة أنظمة فكريّة وشيع ونتيجة من نتاج طريقة تحليل وتأويل القرآن، وولاية النبي محمد، وما إلى ذلك.
لقد أصبحنا نعرف اليوم إن الأمور يجب أن تأخذ مجرى آخر، وهذا يفرض علينا أن نكون أكثر حذراً، ومعارف العصر تنحو إلى دراسة الظواهر الاجتماعيّة – الاقتصاديّة بمقدار دراسة الظواهر الثقافيّة، وهذا التوجه يطبق على دراسة العالم العربيّ وحضارته مثله في ذلك مثل كل الحضارات الأخرى، وإن العرب في التاريخ القديم والحديث، هم كغيرهم من رجال الشعوب الأخرى، لهم نفس المشاكل التي يتخبط فيها الآخرون بدون امتياز، ويخضعون لتداخل الظواهر في ما بينها.
ولأعود إلى سؤالك المتعلق بمحور الاستشراق، هل هو سياسيّ أم ثقافيّ ؟ أعتقد أنه لا ينبغي أن نولي ظهورنا إلى الحائط أمام الحقائق الثابتة، وفي الوقت الذي أصبحت فيه الأمور واضحة في ما يتعلق بعلاقات الغرب والعالم العربيّ، علاقات قائمة على أسس سياسيّة واقتصاديّة، مشاكل السوق – النفط – الحوار ما بين الجنوب والشمال وما إلى ذلك من مشاكل …وبالإضافة إلى هذا كله نعرف أن هذه المشاكل لا حل لها إلا عن طريق الحل السياسيّ، وهنا في رأي ينبغي تحديد مفهوم السياسة وهذا هو جوهر الحوار. إن السياسة بعكس ما هو متداول ليست هي المتاجرة والخذلان والتلاعب بالمواقف، بل هي فن يفرض ضرورة وضع المشاكل كما هي وكما ينبغي أن توضع ما بين شركاء متساوين في الحقوق، سواء كان ذلك داخل الدولة أو في ما يتعلق بالعلاقات الثنائيّة ما بين دولة ودولة.
وبطبيعة الحال إن العلاقات القائمة ما بين العالم العربيّ والغرب هي علاقات في عمقها سياسيّة، ولكي تعطي نتائجها المثمرة ينبغي أن ترتكز على قاعدة الاعتراف العميق المتبادل ما بين الطرفين، ومن هنا يمكن أن ننفتح على المجال الثقافيّ.

 

 إن النقاش حول دور الاستشراق كما أكدتم ليس بالأمر الجديد، وقد تم تناوله من لدن مختلف المفكرين سواء في آسيا الشرق الأقصى، أو في العالم العربيّ وكلهم يشيرون بأصابع الاتهام إلى المستشرقين، وضمن هذا السياق جاء كتاب إدوارد سعيد. ما هو تقييمكم لما جاء فيه من آراء وانتقادات وعلى الخصوص أنها أثارت غضب المستشرقين، أين أخطأت وأين أصابت ؟

 

لأبدأ أولاً بتجاوزاته وأخطائه، وهي تتعلق بالمشروع الذي اعتمد عليه وأسقطه في أغلب الأحيان في التعميم والتبسيط، إذ أنه سعى إلى أن يصور مادة الاستشراق على أنها نتاج مرحلة اجتماعيّة اقتصاديّة ليؤكد بذلك على أنها من صنع استعماريّ. وكما قلت سابقاً إن هناك استثناءات كثيرة وعندما تصبح الاستثناءات كذلك يمكن أن نتساءل في ما إذا كانت المسألة قد وضعت في إطارها الصحيح وبشكل جيد، هذا من جهة، ومن جهة أخرى، إن التغييرات والتحولات في العقليّة الغربيّة تجاه الشرق ليست دائماً من نتاج وضعيّة اجتماعيّة – اقتصاديّة وكما حدد ذلك الأستاذ مكسيم رودنسون، ولا شك أن تلك التغيرات والتحولات الغربيّة قد ساهمت في تغيير الرؤية أحياناً، لقد أشرت سابقاً إلى عصر الأنوار وأعود مرة أخرى لأؤكد أن تلك العصور عبرت عن ظاهرة نشأت في الغرب كانت تحاول أن تتأمل العلاقات القائمة ما بين الدين والدولة والحريّات الفرديّة، ومن خلال هذه الظاهرة نشأ تغير في رؤية الغرب تجاه الشرق.
لم يحاول ادوارد سعيد أن ينفذ إلى عمق مادة الاستشراق، وأكتفي بالتعميم والتبسيط وكان هذا في رأيي هو الطابع الغالب على أطروحاته، وبغض النظر عن هذا الانتقاد فلقد أصاب كإنسان ملتزم بقضيّة ومؤمن بها. وأنا هنا أخضع خضوعاً كاملاً أمام قناعته الوطنيّة والتي هي مرتبطة ارتباطاً عضويّاً بالقضيّة الفلسطينيّة، قضيّة العصر وبكل ما تحمله هذه الكلمة من معنى، وهذا ما ينبغي الاعتراف به، وما عبر عنه هو في الواقع من التزام عميق ونداء أخوي صادق موجه إلى الغرب هو دلالة على عمق المأساة. فعلينا أن نفهم ذلك النداء ولنفهم هذه الحرارة المنبعثة من داخله والمنطلقة في ذات الوقت من داخل الآخر، وهو بهذا التوجه مصيب وله الحق في ذلك …. وعلى الخصوص عندما يقول إذا أردنا أن نتفاهم في المستقبل، فإن ذلك لن يتم إلا عن طريق تفاهم متبادل ومشترك وعميق، وهذه الفكرة الدائمة في كتاب ادوارد سعيد هي التي استولت عليّ وأخذت كل انتباهي.

 

 إنكم ترفضون مصطلح الاستشراق، وتعتبرون أنفسكم بعيدين عن عالمه ولا علاقة لكم به، هل هناك تصنيف جديد للدراسات الغربيّة حول العالم العربيّ؟

نعم.. إن مصطلح الاستشراق لم يعد يعني شيئاً، ويمكن أن توجد تسمية أفضل هي المناطق الثقافيّة للعوالم، وبالمعنى التقليدي للكلمة، إذ العالم العربيّ ليس هو العالم الإيراني أو العالم الهنديّ أو العالم الصينيّ، وأذكر في هذا الصدد المؤتمر الكبير للمستشرقين الذي انعقد في باريس منذ سنوات وقد استقبلنا أكثر من 200 عالم أجنبي جاؤوا يتناقشون تحت يافطة الاستشراق، لقد كان المؤتمر عبارة عن خليط من المواضيع لا تناسق بينها، كل واحد يغني على هواه، من موضوع مصر عبد الناصر إلى سياسة الإمبراطوريّة الإسلاميّة، إلى مصر الفرعونيّة مروراً باللوحات المسماريّة إلى صين ماوتسي تونغ، والهند تحت الحماية البريطانيّة، وما إلى ذلك من المواضيع التي يصعب تحديد انتمائها…فهل كل هذه المواضيع تدخل في إطار الاستشراق الذي لا حل له ؟ وأعتقد أن هذا المثال يكشف أن مصطلح الاستشراق لم تعد له قيمة علمية بهذا المعنى. ومن أجل هذا أفضل تسمية المناطق الثقافية للعوالم، لأنه يوجد عندنا كذلك متخصصون في ثقافة وحضارة ولغة الإنكليز والألمان والإيطاليين والاسبانيين بجانب متخصصين في شؤون العالم العربي، ويمكن أن أشير كذلك إلى ضرورة وجود متخصصين في الإسلام كظاهرة دينية واجتماعية وإن على الغرب أن يبذل مجهوداً خاصّاً للقيام بدراسات عن إسلام الدول الأخرى غير الدول العربيّة، إسلام أندونيسية والهند وأفغانستان وإيران وأفريقيا السوداء وغيرها من المناطق التي يوجد فيها الإسلام. وإذا كنت أدعو إلى هذا فلأننا لا نملك مع الأسف إلا عدداً قليلاً من الباحثين في هذا المجال، ولقد حان الوقت لتكوين شباب يهتم بإسلام البلدان المذكورة. وخلاصة القول إني لا أْعرف من بين زملائي وتلامذتي من يدعي بأنه مستشرق أو ينتمي إلى عالم الاستشراق، أعرف لغويّين يدرسون اللغة العربيّة، ومؤرخين لعصر من عصور الدول العربيّة أو متخصصين في الإيديولوجيّة العربيّة المعاصرة.

 

ضمن هذا الإطار، هل يمكن أن تحدثوننا عن تجربتكم العلميّة كباحث في الأدب العربيّ والجغرافيّة العربيّة وما هي بعض خلاصاتكم ؟

 

أود أن أثير انتباهكم أولاً الى أن مسألة التخصص العام لم تعد تعني شيئاً كثيراً، وعندما يدعي أحد التخصص في الأدب العربيّ القديم الذي يمتد خلال أربعة عشر قرناً، فإن ذلك يعد تفاهة علميّة لأنه لن يخرج عن إطار السرد والإعادة والتكرار لا أقل ولا أكثر. وضمن هذا المفهوم لا أستطيع أن أدعي شيئاً كثيراً أو أن أتحدث عن تجربتي في مجال الأدب العربيّ على الخصوص، هناك رؤية تكونت لي خلال كتابات قصيرة عنه، وكل ما قمت به لا يخرج عن مجد دراسة عصر من العصور وحسب ذوقي الشخصيّ وما يثير اهتماماتي.
وإلى حد الآن عندي اهتمامان رئيسيان : الجغرافيّون العرب، وقصص ألف ليلة وليلة.
ما يتعلق بالجغرافيّين العرب، أنجزت لحد الساعة ثلاثة أجزاء حول ما سميته بالجغرافيّة الإنسانيّة للعالم الإسلاميّ : القرن الحادي عشر، أتمنى أن أنجز الجزء الرابع إن سمح لي الوقت بذلك، وسيكون موضوعه الرجال في العالم الإسلاميّ – العربيّ في القرن الحادي عشر.

 

 لماذا وقع اهتمامك على هذا النوع من الأدب ولماذا شغفت به ؟

لأني وبكل بساطة كنت واعيّاً منذ البداية بنقص كبير في ما يتعلق بصورة الأدب الشعبيّ، تعابيره، أشكاله، مضامينه، والذي كان مهملاً، ولا يدخل في صلب الأدب العربيّ القديم الذي كان يدور حول أدب النخبة لا غير، هذا الاهم وفي مرحلة كان مرده الاهتمام والتركيز على من يكتب ويقرأ، كان الرجال الذين لهم القدرة على إسماع أصواتهم هم أولئك الذين يعرفون الكتابة ومن أهل العلم والأدب والثقافة، وهذا الأمر كان سائداً في الشرق والغرب على حد سواء.
هناك دراسات طويلة وعريضة عن الأدب العربيّ القديم أو ما يمكن أن نسميه بالأدب الرسميّ، ولا شيء عن الأدب الشعبيّ، وهذا النقص هو ما أردت تفاديه والوقوف عنده، لأن الأدب الشعبي هو عامل موضوعيّ، وله حكم موضوعيّ، حكم قيمة… كيف كان يعيش الناس في الشرق العربيّ السلاميّ في العصور الوسطى ؟ مما لا شك فيه أن معرفة هذا التراث الشعبيّ تساعدنا على توضيح الصورة، ولقد وجدت في أدب الجغرافيّين ما يعوض هذا النقص.

 كيف ذلك ؟

هناك سببان:
أولاً إن الجغرافيين على خلاف الشعراء والأدباء والمفكرين أرادوا أن ينظروا إلى واقع الناس كما هو، وأن يضعوا ذلك بكلام مباشر، ولغة بسيطة، وأن يسافروا إلى مختلف البقاع، أرادوا أن يقولوا لنا كيف كان يطبخ الخبز في أرمينيا في القرن العاشر، وكيف كانت تنظم تجارة الزيت ما بين المغرب العربيّ ومصر في القرن العاشر.
ثانياً إن الجغرافيين أنفسهم كانوا من مثقفي الدرجة المتوسطة، وكانوا بطبيعة الحال يعرفون الكتابة، وهذا ما يؤكد أنهم كانوا ينتمون إلى البورجوازيّة الصغيرة. إلا أنهم لم يكونوا من الكتّاب الكبار، وإن حاولوا ذلك وعلى سبيل المثال : لقد حاولوا كتابة الشعر وفشلوا في ذلك تماماً، وهذا الجانب ليس مهماً لأن ما يهمنا هو نتاجهم الآخر، الصورة التي أعطونا إياها عن الرجل العادي، رجل الشعب وهذه الصورة لا يمكن تعويضها بشيء آخر، فمن أجل هذا العطاء جاء اهتمامي، ومن خلال هؤلاء الجغرافيّين بمكن أن نحدد تعميماً عامّاً عن العالم العربيّ الإسلاميّ سنة الألف لنعرف عقليّة الرجل المتوسط، رجل قاعدة الحضارة العربيّة الإسلاميّة.
وهذه الدوافع نفسها هي التي قادتني إلى ألف ليلة وليلة، وهي تختلف بطبيعة الحال عن الكتابة الجغرافيّة، لأنها كانت من صنع أحد الكتبة، ولكن هذا لم يمنع أغلبيّة كبيرة من الناس، أن تعتقد أن ألف ليلة وليلة قد جاءت ضمن سياق شعبيّ، وهي في رأيي تشكل مصدراً لا يعوض لمعرفة أجواء العالم العربيّ – الإسلاميّ القديم.
لا أريد في هذه العجالة أن أتحدث عن ألف ليلة وليلة وعلى الخصوص أن الكل يدعي معرفتها، ولكن أريد فقط أن أشير إلى أننا قد كوّنا لجنة صغيرة بمشاركة الأستاذ جمال الدين ابن الشيخ، مدير القسم العربيّ بجامعة باريس السابعة، والأستاذ كلود برومند، وذلك من أجل البحث في كل ما يتعلق بألف ليلة وليلة، وبدأنا فعلاً نشر بعض أبحاث هذه اللجنة، وسوق أصدر بدوري كتاباً في الخريف المقبل تحت عنوان «سبع قصص من ألف ليلة وليلة». ولكن الأهم من هذا أننا نعتزم خلال العشر السنوات القادمة إنجاز ترجمة حديثة للقارئ الفرنسيّ مع مقدمة طويلة تشرح نشأة هذه القصص، وما هي العلاقات التي نقيمها مع الآداب العالميّة في مجال القصة -الحكاية – وهذه هي إحدى مهمات المستعربين ليعرفوا الجمهور الكبير بالمؤلفات الرئيسية للأدب العربي، وأعتقد أن هذا المشروع سيكون من أكبر المشاريع الأدبيّة والتي تدخل على النفس السعادة والحبور.

 واضح من خلال سياق حديثكم أن ما تصوره ألف ليلة وليلة من واقع يشكل مقدمة للبحث عن ماهية الإنسان العربيّ والإسلاميّ في المرحلة التي كتبت فيها وهذا هو ما يشدكم إليها. ألم يكن للشكل تأثير على اختياركم ؟

المضمون والشكل معاً، وأغتنم هذه الفرصة لأقول إني عدو للمدارس الأدبيّة، لأني أعتقد أن المدارس كلها جيدة، شريطة أن تأخذها في كلياتها، وعلى الخصوص ما ينبغي على الباحث أن يكون حراً في التعامل معها.
عندما بدأت دراستي ل»عجيب وغريب» كنت أهتم بشكلها، أي إني كنت أحاول دراستها من الداخل لمعرفة كيف تكوّنت، وإن كنت أعرف من البداية بأني لن أقتنع بدراسة شكليّة، وما كان مهماً هو معرفة ما يترجمه الشكل وما يشوهه – وأقول مؤكداً ما يشوهه – لأن الراوي أو الكاتب وبشكل عام يشوه ويخون دون أن يشعر بذلك أو بدون معرفة، ويمكن أن يكون أقل فائدة مما أراد أن يقوله أو يحكيه.
أردت انطلاقاً من هذه الدراسة الشكليّة إن أبين كيف ولماذا كتبت قصة «عجيب وغريب»، وفي مرحلة تراجع العرب إلى الوراء، وتركوا المبادرة التاريخيّة لفائدة الايرانيّين والأتراك، وفي هذا الوقت أخذت قصة ألف ليلة وليلة تحكي وتروى للعرب تاريخ مجدهم وعزتهم وبطولة الفتوحات الإسلاميّة الأولى، وهذه القصة تصل إلى حد أن تقول للعرب، إن الأمل وكل الأمل لم يفقد بعد، والتاريخ يمكن أن يبدأ من جديد، ونهاية الأمر أن قصص ألف ليلة وليلة ليس لها زمان، حكايات الأمس واليوم ويمكن أن تكون حكايات الغد.
إن النتائج التي توصلت إليها تشعرني بأنه بالإمكان دراسة ألف ليلة وليلة بطريقة أخرى، وهذا ما قمت به في كتابي الثاني والذي سوف يصدر في الخريف المقبل تحت عنوان «سبع قصص من ألف ليلة وليلة « مع عنوان صغير -ليست هناك حكايات بريئة، لقد أردت من خلال هذه القصص أن أدرس المجتمع الذي استوحت منه أحداثها، وحاولت أن أعرف لماذا كتبت ؟ وما هي العقليّة الأخلاقيّة التي تعبر عنها، والبحث عن الجانب السياسيّ فيها!!! وما هي الخلفيّة الفكريّة للمدرسة الاسلاميّة التي كانت تختفي وراءها هذه القصص، ولوضعها في حيز الوجود ؟ … إذن، هكذا وكما ترون ليست عندي مسبقات فكريّة أو أولويات لدراسة قصة من قصص ألف ليلة وليلة أو أي نص آخر.
القاعدة الوحيدة التي اعتمدت عليها مع طلابي هي قراءة النص، النص يعبر عما يتضمنه بنفسه، وما يريد أن يقوله من خلال ما يحتوي عليه من مضمون وشكل وبطريقته الخاصة – سسيولوجيّاته وكل ما يوحي به.
ولا يفوتني أن أقول إنها مغامرتي الخاصة، مغامرة باحث غربي بما تحمله هذه الكلمة من معنى، لقد ولدت في فرنسا ومن عائلة فرنسيّة لها جذورها التاريخية العميقة في هذه الأرض، وجئت من خارج العالم العربيّ جئت إليه بفعل دوافع يمكن أن أقول عنها أنها كانت دوافع فولكلوريّة في البداية، لأن ما كان يهمني هو هذا الشرق الذي كونت عنه فكرة منذ طفولتي الأولى وتعلقت به، هذا العالم الذي جذب كل اهتمامي وبالتحديد عالم ألف ليلة وليلة، عالم المآذن وأشجار النخيل… العالم الذي عرفته عن طريق التاريخ الاستعماريّ، وعن طريق الغزوة الاستعماريّة للجزائر، وعن طريق كل ما يمكن أن يتخيل في هذا المجال، شرق الأسطورة والبطولة، وبعد أن خصصت وقتاً ما لتعلم اللغة العربيّة بدأت أكتشف النصوص الأدبيّة العربيّة، ويمكن أن أقول أني عشت شهوراً بل سنوات صعبة لأني لم أكن تخلصت بعد من كل الرواسب القديمة ومن نماذجي الفكريّة الخاصة، وقد تطلب الأمر سنوات عديدة قبل أن أستعيد حقيقة وهي أن الشعر العربي الذي أدرسه ليس شعريّ، وإن النحو العربيّ هو شيء آخر يختلف عن القوالب النحويّة التي درست بها لغتي، وإن الطريقة التي كتب بها التاريخ العربيّ ليست بالضرورة نفس الطريقة التي كتب بها تاريخيّ.
فهل بعد هذا كله يمكن أن أقول عن نفسي إني مستشرق، كلا إني رجل غربي حتى العظم، أحب لغتي الفرنسية، ورؤيتي لحضارتي الأوروبية التي تتميز بالوضوح بالنسبة لي مما يؤهلني لانتقادها عندما يتطلب الأمر ذلك، إني إلى حد ما من إنتاج هذه الحضارة… ولكن لا أعرف هل نجحت… ولكني عندما أدرس نصوصاً عربيّة أحاول أن أنسى بأني أوروبيّ، أحاول أن أكون هذا الرجل الذي يحمل شخصيّتين وكما حددها ليفي استراوس في كتابه (Les Tristes Tropiques)، إن من يدرس حضارات أجنبيّة من الداخل هو من يعرف كذلك إن كل الحضارات لها أشياء مشتركة. إن مخ الرجل قد صنع بنفس طريقة كل الرجال الآخرين. وإن ما يجعلهم مختلفين كما قلت سابقاً هي الطريقة الأصلية والأسلوب الأصيل لكل حضارة وكيف تنظر وتحلل المشاكل المشتركة.

 إن المساهمة الاستشراقية تطرح إشكالات أمام المثقفين العرب، وأغلب التيارات الفكريّة تعتبر إنه من الصعب الفصل ما بين المنهج والرؤية لتلازمهما، فهناك رفض مسبق لكل مّا يأتي من المستشرقين إلا في حالات نادرة. وهناك في الوقت نفسه نقد مكثف ضد الليبراليّين العرب الذين ينظرون إلى تراثهم من خلال الرؤية الاستشراقيّة، ما رأيكم في طبيعة هذا النوع من الصراع ؟

في إطار صداقتي العميقة للعرب، يمكن أن أقول بكل صراحة وصدق كامل إن المثقفين العرب الذين يفكرون على هذه الصورة هم على جانب من الخطأ والصواب في آن واحد، وعلى الخصوص الذين يشتغلون بمناهج المستشرقين، مصيبين لو كانت هذه المناهج مناهج سيئة، ومخطئين إذا كانوا يعتقدون فعلاً أنها مناهج جيدة. ولكي نحدد الأمل بشكل ملموس ونخرج من العموميّات، نأخذ مثال علم اللغة، لأن الأمر واضح نحدد الأمل بشكل ملموس ونخرج من العموميّات، نأخذ مثال علم اللغة، لأن الأمر واضح بما فيه الكفاية، وعلى الخصوص إننا نملك في هذا المجال كنزاً غنيّاً ومهماً لم يستغل لحد الساعة، هذا الكنز هو ما نسميه بالنحويين العرب، ومقابل هذا توجد مدارس مختلفة في أوروبا، فها مدرسة علم اللغة الاجتماعي، ومدرسة علم اللغة البنيوي، ومدرسة علم اللغة العام وما إلى ذلك، مدارس تنشأ وتموت، قد تدوم أو لا تدوم. والمسألة في رأيي لا ينبغي أن تأخذ طابع البحث والنقاش حول أهل هذه المدارس ومن أي مكان هي، هل هي مدارس غربيّة أم شرقيّة، لأن ما هو مهم هو معرفة مساهمتها، وما تحمله من جديد يخدم معرفة اللغة ويوضح معالمها ويُبسط قواعدها… وإذا كانت هذه المناهج صالحة للغات الأوروبيّة، فإنها بالتأكيد ستكون صالحة لكل اللغات، ولا يهم أن يكون قد أتت من الغرب. وليس من المفيد أن نضيع الوقت في التساؤل عن أصلها، لأن ما ينبغي اعتباره هو انتماؤه إلى الإرث الفكريّ العالميّ، وصلاحيّتها وقدرتها على المساهمة في توضيح صورة اللغة، وما يمكن أن تسمح به من معرفة متقدمة للغة العربيّة. سواء كان يدرسها عرب أو غربيّون. وأعتقد أن مثال اللغة يبقى مثالاً واضحاً وصالحاً لتوضيح الإشكالية المطروحة.
وأعود لأقول بكل نزاهة وفي إطار ما أكنه من ود وحب وصداقة للعرب، إنهم لا يمكن أن تستمروا في إعادة القول خلال عشرين سنة أو خمسين سنة القادمة إن كل ما ينتج من إنتاج في عالم غير عالمكم هو إنتاج سيء دون أن تقترحوا أنتم مناهج جديدة وبدائل جديدة والتي تستطيع أن تثبت على أرض الواقع إن كل ما هو موجود من مدارس وأبحاث، وإنتاج في الغرب غير ملائم وشبيه. إن النقد الصادر عن المثقفين العرب له ما يبرره وبدون جدال، وقائم على خلفيات فكريّة وتوجهات قوميّة، ولكن أي نقد لا يمكن أن يثبت ويصمد إذا هو لم يعتمد على الإنتاج، على الخلق والابتكار، وهذا هو الإطار الذي ينبغي أن نحدد فيه سيرنا وتصوراتنا ومفاهيمنا.

 

 إن جانب النقد يعبر بالضرورة عن الرغبة في البحث عن البديل، وفي ضوء الهزائم التي عرفها العالم العربيّ الحديث… وإن إثارة موضوع الأصالة والتراث على سبيل المثال يعبر بالتأكيد على هذه التوجهات… ويكفي الإشارة إلى النداءات المتتالية التي تدعو إلى العودة إلى المنابع الأصلية للثقافة العربية لتأكيد الذات… وعلى ضوء التطورات الجارية في عصرنا هذا.

 

إني أفهم هذه التوجهات، وأفكر بطبيعة الحال في العلاقات الجديدة التي بدت تأخذ مكانها ما بين دول العالم العربيّ والغرب، وما يشكله النفط من محور في هذا الاتجاه. هناك أشياء أخرى، الاستراتيجيّات الاقتصاديّة وكل الاستراتيجيّات السياسيّة، هناك كل التساؤلات الكبيرة المطروحة على صعيد مستقبل العالم غداً… مستقبل أطفالنا، وأبناء أطفالنا… ما هو شكل العالم الذي سنتركه لهم ؟ هل هو عالم المآسي والآلام ؟ عالم تتصارع فيه قوتان تفرضان قوانينهما ومفاهيمهما، أمام أنظار الآخرين الذين يحاولون بصعوبة أن يخرجوا من إطار اللعبة الدوليّة والضغوطات الخارجيّة وليحققوا استقلالهم وليتخلصوا من التبعيّة، (أتكلم هنا عن بلادي كما أعبر في الوقت نفسه عن وجهة نظر بلدان أخرى).
صحيح جداً أن العالم العربيّ قد عرف هزائم وانتكاسات متكررة، إلا أن النكبة الحقيقيّة والعميقة في هذه اللحظة تسمى نكبة فلسطين. وأعتقد جاداً إن هذه القضيّة والتي هي قضية العصر هي قلب التاريخ المعاصر وجوهره وهي التي تحدد العلاقات ما بين الغرب والدول العربيّة، ويمكن أن نقول وكل الدول الإسلاميّة.وكل ما أحسه وأشعر به أنه بقدر ما ستبقى القضيّة الفلسطينيّة معلقة وبدون حل عادل، فإن كل المشاكل الأخرى ستستمر بكل ثقلها، هذه القضيّة هي المركز، وهي لا تحكم فقط العلاقات ما بين الغرب والدول العربيّة بل تحكم علاقات هذه الأخيرة وتضعها على المحك، ووضع مصر حالياً يبين ارتباك الصورة على المستوى العربيّ، وهذا ما يجعلنا نشعر بأننا نعيش اليوم كذلك قضيّة جديدة هي قضيّة مصر ومكانتها في العالم العربيّ.
إنه لحزن كبير أن نرى مصر في عزلة عن العالم العربيّ، وهي مفتاحه، وقد كانت رمزاً للمقاومة العربيّة خلال مرحلة طويلة، وهكذا كان يراها الرجل الغربيّ ولنشير فقط إلى الحدث التاريخيّ الكبير الذي تمثل في تأميم قناة السويس، وما كان له من أثر على الصعيد الدوليّ وعلى الدول العربيّة نفسها. إن القضيّة الفلسطينيّة هي مركز الصدارة، وهي التي تقود المشاكل الأخرى ولأن هذه المشاكل توجد ضمن هذا الأفق، ومن ضمنها الاستراتيجيّات الجديدة في مجال الاقتصاد والسياسة التي ينبغي إقامة صرحها ما بين الغرب والدول العربيّة، وتبقى كل المشاريع والقضايا الأخرى (الحوار بين الشمال والجنوب على سبيل المثال) متعلقة بالقضيّة الفلسطينيّة والتي ستبقى مستمرة ما دام الفلسطينيّون لم يقيموا بعد دولتهم الوطنيّة.

كيف ترون الوحدة العربيّة في ظل الخصوصياّت الثقافيّة لكل بلد عربيّ، أو بالأحرى كيف ترون أفق وحدة الأمة العربيّة ؟

 

إني أحتاط بشكل حذر من مقولة العوالم المتحدة، وحتى لا يحدث أي التباس في ما سوف أقوله ولكي أكون مفهوماً بما فيه الكفاية، سأتحدث عن فرنسا بلدي. إني سعيد جداً بأن أسمع اليوم حديثاً جديداً ولغة جديدة عن مفهوم اللامركزيّة بعد وصول الاشتراكيين إلى السلطة، ولست أقل وطنيّة من أي فرنسي آخر، أنا من جنوب فرنسا من أصل أوكستان وما زال عدد من أفراد أسرتي يتكلمون اللغة الأوكستانيّة (occitan)، ولا يضع أي واحد منهم موضع الشك انتماءه الفرنسي لفرنسا.
إني فرنسي قلباً وقالباً، ولكن يؤلمني أن أرى اللغة الأوكستانية (occitan) تموت، لأن في ذلك خسارة وطنية وخسارة إنسانيّة، كلما ماتت لغة من اللغات لأن القوة في التنوع والاختلاف، وإذا ما وجد فرنسي موحد له نفس المشارب والأهواء يجهل ويناهض لغات الشعب المتعددة واللهجات الإقليميّة، فإن ذلك سيكون حدثاً مؤسفاً وتعاسة كبيرة لا حدود لها. بهذه الرؤية يمكنني القول إنه إذا ما وجد مصري لا يتميز عن أخيه العربي في تونس في لهجته وذوقه وتقاليده، فإننا بذلك نفقد جو أحدهما، إن الاحتفاظ بلهجة من لهجات إقليم من الأقاليم لا يلغي أبداً الأهداف المشتركة، وأشير هنا إلى الذين يتكلمون البربريّة سواء بالجزائر أو المغرب فهم ينتمون بحكم المصير المشترك إلى الأمة العربيّة كما ينتمون في الوقت نفسه إلى المغرب والجزائر. إن وجود عالم عربي موحد وبلون واحد من المحيط إلى الخليج، وإلغاء اللغات واللهجات المحليّة والثقافيّة المحليّة ، فيه خسارة للعالم العربيّ وللإنسانيّة بأكملها.
هذا من جهة، ومن جهة أخرى فإنه لمن التعاسة ألا تتم الوحدة اللغويّة على صعيد العالم العربيّ تحكمه لغة مشتركة، تسمح لكل الرجال العرب أن يتفاهموا في ما بينهم، هذا يعني ضرورة التقدم الصحفيّ، والتقدم التربويّ، وكل ما يمكن أن يساهم في هذا المجال لتعميق اللغة المشتركة، من أجل تفاهم أكبر مع احتفاظ كل واحد على خصوصيّته ولهجته الإقليميّة والواقع المعيش في بلده، ولا أقول وطنيّته.
ويبدو لي أن المنظمة المؤهلة لتعلب هذا الدور الأساس هي جامعة الدول العربيّة ومنظماتها الثقافيّة، وعن طريقها يمكن أن يحقق المعجم اللغويّ، معجم اللغة العربيّة المعاصرة الحديثة. إن التاريخ يسير بسرعة هائلة، ولا يمكن أن نقضي عشرين سنة من النقاش لكي نترجم كلمة أو مصطلحاً، إن الأمر يتطلب سرعة كاملة، ولا يهم في نهاية الأمر دقة الترجمة وإلى أي حد تعبر عن المعنى المقصود، لأن كل كلمات لغة من اللغات ليست بالضرورة ملائمة ومعبرة عن المعنى المحدد لها، لأن ما هو مهم هو أن يكون هناك اتفاق عام حول المصطلح، وبأنه يعبر عن هذا المعنى أو ذاك، ينبغي تجاوز مرحلة التعثر، لأن التاريخ كما قلت يخطو خطوات بدون توقف وبسرعة هائلة.
وخلاصة القول إن مصلحة العالم العربيّ وقوته هي في إقامة الوحدة، وبالقدر الممكن، وأعتقد في الوقت نفسه إن الوحدة الحقيقيّة هي تلك الوحدة القوميّة التي لها القدرة على ضبط التمايزات والتباينات والاحتفاظ بها. وأكرر مرة أخرى إن ما أقوله ينطبق على البلدان الأوروبيّة كما ينطبق على البلدان العربيّة.

 هل لكم تصور محدد للقضيّة الأمازيغية ؟

أعتقد أن الضرورة تدعو إلى لغة مشتركة، مثلما هو الأمر بالنسبة لفرنسا حيث اللغة الفرنسيّة هي لغة الجميع ولغة التعلم. واللغة المشتركة بالنسبة للبلدان العربيّة هي اللغة العربيّة، اللغة التي يحتضنها الجميع والتي ينبغي تدعيمها والعمل على انتشارها، وأعتقد أن الانطلاق من هذه الضرورة يمكن جداً أن يضع التباين والتنوع في مكانه المناسب، مما يسهل إمكانيّة إيجاد الحلول. واسمح لي لنرجع إلى مثال فرنسا لأني أشعر بارتياح عما أريد قوله، لأن الأمر يتعلق ببلادي… لقد تحققت الأمة الفرنسيّة في الثورة الفرنسيّة، تحققت حول برنامج الوحدة اللغويّة، وكان أبائي وأجدادي في جنوب فرنسا يعاقبون التلاميذ الذين يتكلمون اللغة الأوكستانية أثناء الاستراحة المدرسيّة، إنه نفس نموذج المعلمين اليعقوبيين الذين شيدوا الجمهوريّة الثالثة وانتبهوا في نهاية المطاف إلى إقامة الأمة الفرنسيّة، وأعتقد اليوم إن الأمة الفرنسيّة قادرة بقوتها أن تسمح في داخلها لكل الفوارق والاختلافات أن تعبر عن ذاتها، وهذا ما يضمن ديمومتها.
كانت فرنسا أثناء الحرب العالميّة الأولى قوية تناضل ضد ألمانيا، مع العلم لو أنك سألت الألزاسيين المحاربين الذين كانوا خلف المتاريس عن لغة المحاربين الآخرين في الواجهة فإنهم سيجيبونك بأنها ليست ذات اللغة التي كانوا يتكلمونها. لأن لغة رجال الشمال تختلف عن لغة أهل الجنوب، ولكن مع الأسف إن القوميّين العرب لا يريدون أن يفهموا هذه الحقيقة، ألأنهم يعيشون مرحلة تاريخيّة دقيقة، لتكوين أسس وحدة الأمة العربيّة مثلما كان الأمر في القرن التاسع عشر، ربما … إلا أنني لست متأكداً من ضرورة المرور من نفس المرحلة، على كل حال ينبغي تحقيق الوحدة اللغويّة، وعسى ألا تختفي الأصالة المحليّة على حساب المشروع الوحدويّ.

 ما هي التوجهات التي ترون أن الاشتراكيين في السلطة يمكن أن يقيموها في مجال البحث العلمي مع العالم العربي لتعميم أواصر التعاون وإزالة التخوفات في هذا الشأن؟

إنها إحدى القضايا المطروحة أمام الرأي العام، وكمفكر أعتبر أن التاريخ هو الذي يصنع التاريخ وليس الأفراد، وإن الحقائق لا يمكن تجاوزها، ولا تخضع للرغبات الذاتية، ومن هذه الزاوية فإنه لا يعقل إن تتغير الأشكال الديبلوماسيّة، وهذا شيء محتمل، وإذا ما حدث عكس ما أتوقع فإني سأضطر لإعادة النظر حول ما يجري حاليّاً في فرنسا كأحد المتعاطفين سياسيّاً مع الاتحاد الاشتراكي الحاكم. وبغض النظر عن كل الاحتمالات المرتقبة، إن وصول الاشتراكيين إلى السلطة يمكن ألا يشكل أمراً سيئاً في البداية، وبالتأكيد إن القضية الفلسطينيّة تأخذ حجماً كبيراً في هذا الإطار وهي محور هذه العلاقات، وعلى الخصوص إننا أمام رئيس للجمهوريّة معروف بصداقته لإسرائيل، وإني أعتقد أن هذه الصفة ستؤهله أكثر من غيره أن يفهم الإسرائيليّين بعض الأشياء الضروريّة، وأن يشرح لهم حقائق الموقف المطلوب لهذه المرحلة، وليضع كل ثقله من أجل إيجاد حل عادل للمسألة الفلسطينيّة.
وما يتعلق بموقفي فهو موقف ثابت لأني مقتنع بأن أي حل يبقى بدون قيمة ما لم يتمكن الفلسطينيون من إقامة دولتهم الوطنيّة وهذا هو الحل الذي يمكن أن يضع الأمور في نصابها.


الكاتب : عبد الغني أبو العزم

  

بتاريخ : 10/01/2023