الأقاليم الجنوبية .. دينامية متواصلة لتطوير العرض الصحي في الصحراء

 

تحتفل بلادنا، يومه الخميس السادس من نونبر الجاري، بذكرى مرور 50 سنة على تنظيم الحدث التاريخي للمسيرة الخضراء، وهي مناسبة للوقوف على ما تم إنجازه من مشاريع تنموية للنهوض بالأقاليم الجنوبية وتطويرها خلال مسيرة نصف قرن على مستوى عدد من القطاعات ومن بينها قطاع الصحة الحيوي، حيث عرفت عدد من الأقاليم الجنوبية خلال كل السنوات الفارطة جهودا كبيرة لتعزيز العرض الصحي وتطوير البنية التحتية الاستشفائية، ولعلّ من بين اللحظات الأساسية في مسيرة الصحة في هذه المنطقة، ما تلا الزيارة الملكية التاريخية لمدينة العيون سنة 2015، وإطلاق البرنامج التنموي للأقاليم الجنوبية.

كلية الطب والصيدلة بالعيون

خلال هذه العشر سنوات التي عرفت وضع برنامج صحي متنوع يهدف إلى تخفيف العبء الصحي وتقليص الفوارق المجالية عن مواطني هذه المناطق المغربية العزيزة، تم تشييد كلية للطب والصيدلة بميزانية بلغت 300 مليون درهم، على مساحة عشر هكتارات، تضم مراكز للمحاكاة، البحث العلمي، التكوين المستمر، ومدرجات وغيرها من الفضاءات، والتي استقطبت الطلبة والطالبات المنحدرين من العيون، وكلميم، والسمارة، وطرفاية وطانطان وباقي الأقاليم الجنوبية، بعد أن شرعت في تكوين أطباء الغد خلال الموسم الجامعي 2021 – 2022، ويعتبر الفوج الذي يحظى بالتكوين اليوم في مدرجاتها هو الفوج الرابع.
كلية للطب والصيدلة ستساهم بكل تأكيد في الرفع من الإمكانيات البشرية على مستوى الموارد الصحية، والإجابة عن سؤال الخصاص، والتي ستعمل في إطار الهيكلة الجديدة التي تجعل من المجموعات الصحية الترابية رافعة صحية جهويا، على توفير أطر طبية من بنات وأبناء الأقاليم الجنوبية لتطوير الخارطة الصحية بالشكل الذي يلبي كل الاحتياجات الصحية لساكنة الصحراء العزيزة.

المستشفى الجامعي

ولأن كل تكوين طبي مرتبط بتوفير أرضيات التداريب فإن أشغال بناء مستشفى جامعي بمدينة العيون تتواصل على قدم وساق حتى يساهم في تكوين أطباء الغد من جهة وفي تعزيز العرض الصحي والاستجابة للاحتياجات الصحية لساكنة الأقاليم الجنوبية، وهو ما سيمكّن من القيام بتدخلات صحية وجراحية في وقت سريع مما سيضمن النجاعة والفعالية ويحول دون قطع مئات الكيلومترات نحو وجهات صحية أخرى ويحد من العراقيل المجالية التي قد تعترض طريق تطوير الصحة في مكان ما.
هذا المستشفى الذي من المنتظر أن يفتتح أبوابه نهاية شهر نونبر الجاري، وفقا للتصريحات الرسمية، بعد أن قطعت الأشغال به مسافات مهمّة تقدر بحوالي 85 في المئة من نسبة الأشغال، تم تخصيص ميزانية مهمة له تصل إلى حوالي مليار و 200 مليون درهم، وتم تشييده على مساحة تبلغ 18 هكتارا، ضمنها 95 ألف متر مربع مغطاة، بطاقة استيعابية تهم 500 سرير، والذي من المنتظر أن يؤمّن خدمات صحية مختلفة لأزيد من 451 ألف نسمة، حيث يضم أجنحة مختصة في المستعجلات، والإنعاش، وطب النساء والتوليد، وطب الأطفال، والجراحة، والأمراض النفسية والعقلية وغيرها من التخصصات الطبية المختلفة.

المستشفى الجهوي
الدينامية الصحية في مدينة العيون لا تقف عجلتها عن الدوران عند حدود إحداث كلية الطب والصيدلة أو مواصلة أشغال المستشفى الجامعي بل تشمل كذلك ورشا آخر وهو المتعلق بتوسيع وتأهيل المركز الاستشفائي الجهوي مولاي الحسن بن المهدي، الذي كان قد خصّص له مبلغ 153 مليون درهم، من أجل تعزيز العرض الصحي في الإقليم وتحسين التكفل بالمرضى وتجويد ظروف عمل مهنيي الصحة به.
وهمّت الأشغال التي شهدها هذا المستشفى الممتد على مساحة 8205 أمتار مربعة، تشييد مركب جراحي مكون من خمس قاعات، ومصلحة للتخدير والإنعاش بسعة 10 أسرّة، إضافة إلى مصلحة للولادة بطاقة سريرية تصل إلى 60 سريرا، حيث من المفروض أن ترتفع الطاقة السريرية للمستشفى من 240 إلى 310 أسرّة، مع تجهيزه بالمعدات الطبية والتقنية الحديثة والمتطورة التي من شأنها الرفع من جودة الخدمات الصحية المقدمة للمرضى.

الداخلة .. الصحة ببعد إفريقي

هذا التوسع الصحي الذي عرفته وتعرفه المناطق الجنوبية للمملكة شهدت ملامحه مدينة الداخلة هي الأخرى التي انطلقت بها أشغال تشييد المستشفى الجامعي محمد السادس، التابع لمؤسسة محمد السادس للعلوم والصحة، وقبلها تم افتتاح جامعة محمد السادس للعلوم والصحة التابعة لها هي الأخرى، الذي تزامن مع انطلاق الموسم الجامعي 2024 – 2025 لكلية محمد السادس للطب وكلية محمد السادس لعلوم التمريض ومهن الصحة والمدرسة العليا محمد السادس لمهندسي علوم الصحة.
هذا الحضور الصحي بالداخلة لم يكن مقتصرا على الرؤية المحلية فقط بل شمل كذلك استحضار البعد الإفريقي، إذ شهدت المدينة أيضا إحداث الأكاديمية الإفريقية للعلوم والصحة، لتكون بذلك قطبا صحيا إفريقيا ومؤسسة موجهة للنهوض بالبحث والتطوير في مجال العلوم الصحية بإفريقيا. وإلى جانب هذا النوع من الاستثمارات الذي عرفته الداخلة فقد التحق القطاع الخاص بالركب التنموي الصحي هو الآخر واستطاع بدوره أن يدخل باب الاستثمار في الصحة.

مسارات علاجية مختلفة

عرفت الأقاليم الجنوبية طيلة هذه السنوات العديد من الجهود لتعزيز منظومة الرعاية الصحية التي يجب أن تكون متكاملة وأن ينطلق مسارها من المؤسسات الصحية من المستوى الأول ثم الثاني. هذا المسار الأساسي في العلاجات الصحية وفي الوقاية الصحية يجد صداه، على سبيل المثال لا الحصر، في افتتاح 5 مراكز صحية جديدة بجهة الداخلة وادي الذهب خلال السنة الفارطة، ويتعلق الأمر بكل من المراكز الحضرية «المسيرة» و «مولاي رشيد» من المستوى الأول، ثم «السلام» و «بئر انزران» من المستوى الثاني، فضلا عن المركز القروي «العرقوب».
وقبل ذلك تم افتتاح ست مراكز حضرية من المستوى الأول بكل من العيون وبوجدور وطرفاية، وإلى جانب ذلك تم تشييد المركز الصحي الحضري «التعاون»، مع ضرورة استحضار الخطوات التي يعرفها المستشفى الإقليمي بطرفاية الذي يتم إنجازه على مساحة تقدر بـ 90 ألف متر مربع، وبطاقة استيعابية تبلغ 70 سريرا.

الموارد البشرية .. العمود الفقري للمنظومة

تعتبر الموارد البشرية العمود الفقري للمنظومة الصحية، التي في غيابها أو في ضعف حضورها كمّا وكيفا، لا يمكن للبنيات التحتية تقديم الخدمات الصحية المنتظرة منها، وهو ما جعل من إحداث مناصب جديدة للمهنيين في هذه الرقعة الجغرافية الغالية على المغاربة يعتبر من بين الأولويات التي انكبت عليها وزارة الصحة والحماية الاجتماعية، حيث عملت نموذجا، على تخصيص مناصب جديدة للأطباء المتخصصين في طب النساء والتوليد مؤخرا بمجموعة من المراكز الاستشفائية بجهات العيون الساقية الحمراء، الداخلة وادي الذهب، وكلميم واد نون.
مناصب همّت المستشفى الجهوي الحسن الثاني بالداخلة، المستشفى الإقليمي ببوجدور، المستشفى الجهوي مولاي الحسن بن المهدي بالعيون، إلى جانب المستشفى الإقليمي بالسمارة والمستشفى الإقليمي بطرفاية، ونفس الأمر بالنسبة للمستشفى الإقليمي بأسا الزاك والمستشفى الإقليمي بسيدي إفني، خاصة بالنسبة للتخصصات المتعلقة بطب النساء والتوليد الذي يعتبر تخصصا حيويا من شان تطويره والرفع من جودته تقليص نسبة وفيات النساء الحوامل والأطفال، وهو الهدف الذي يندرج ضمن أهداف الألفية الإنمائية التي يعمل المغرب على تطوير المؤشرات الصحية المتعلقة بها.

مسيرة مستمرة

هذا التوجه من أجل تطوير العرض الصحي، وطنيا وجهويا في الأقاليم الصحراوية على غرار باقي المناطق المغربية، تعترضه بكل تأكيد العديد من التحديات على رأسها ما يتعلق بالموارد البشرية المتخصصة، والعمل على الرفع من جاذبية القطاع العام حتى يكون مستقطبا، وهو ما دفع إلى إحداث مستشفيات جامعية وكليات للطب والصيدلة في العديد من الجهات، من أجل تكوين جهوي يجعل الجهات المحتضنة لهاته المرافق التكوينية والصحية قادرة على استثمار رصيدها من أطباء الغد وممرضي وتقني الصحة من الأجيال المقبلة، لتأهيل العرض الصحي جهويا، وهي المسيرة التي تتواصل بكل قوة، خاصة بعد إطلاق الورش الملكي الرائد للحماية الاجتماعية، والعمل على تعميم التغطية الصحية، بالشكل الذي يجعل من ولوج المواطنين عامة للخدمات الصحية يكون سلسا ومتكافئا، ولا تعترضه القيود والإكراهات المادية والمجالية.


الكاتب : وحيد مبارك

  

بتاريخ : 06/11/2025