الألتراس المغربية الحركة الرياضية ذات الوجوه المتعددة : 13 تذاكر الموت والإنسانية أيضا

الألتراس المغربية من هي، وإلى أي وسط ينتمي أفرادها، وما الهدف من تكوين هؤلاء الشباب لهاته المجموعات؟ هي مجموعات مكونة من شباب مغاربة من فئات اجتماعية وثقافية مختلفة، معظمهم ينحدر من أوساط شعبية، اجتمعوا على حب وتشجيع فريق واحد، لا تتحدد أعمارهم في عمر معين، وتختلف أجناسهم وأعراقهم وأصولهم، وعلاوة على شغف اللعبة الذي يتملكهم، فاختلافاتهم تتوحد وتتقوى لتكون روابط متماسكة ومشتركة، تؤطرهم مقومات عدة؛ كالوفاء والولاء وحس الانتماء …

 

 

في نهاية شهر ماي 2012، وقبل انطلاق مباراة القمة بين المغرب التطواني والفتح الرياضي، على أرضية ملعب الأمير مولاي عبد الله بالرباط، وقف الجميع لقراءة الفاتحة ترحما على أرواح ثلاثة مشجعين لفريق «الحمامة البيضاء»، لقوا مصرعهم قبل المباراة، في حادثة سير بالقرب من جماعة «أربعاء عياشة»، في إقليم العرائش، في الطريق الجهوية رقم 417 الرابطة بين مدينتي العرائش وتطوان، حين كانوا في طريقهم إلى العاصمة، ماتوا وهم يرتدون قميص الفريق التطواني، الأحمر والأبيض.
من بين الضحايا أنس لحكيم، الطالب الجامعي والناشط الحقوقي والعضو السابق في حركة 20 فبراير، على غرار صديقه أيوب الرياضي، الذي اقتنى تذكرة ولوج المركب الرياضي من سانية الرمل، ليعود إلى تطوان جثة هامدة، والذي كتب على صفحته في «فايسبوك»، ساعات قبل وفاته: «الوجهة نحو الرباط إن شاء الله». لكن الله شاء أن ينهي حياته وهو في كفن المغرب التطواني. إضافة إلى الفقيد حمزة التعواطي، الذي التحق بالرفيق الأعلى، قبل أن يشهد حلم اللقب وهو يتحقق.. بينما أصيب أزيد من 25 شخصا بجروح خطيرة في هذا الحادث الأليم، الذي نتج عن اصطدام حافلة صغيرة تقل 25 مشجعا، بسيارة خفيفة تقل 5 مشجعين، كانوا في طريقهم نحو الرباط لمتابعة مباراة فريقهم ضد الفتح الرياضي، برسم الجولة الأخيرة من البطولة الوطنية الاحترافية.
ورغم أن بعض الكتابات تحدثت عن تعرض الموكب التطواني لغارات بالحجارة من مجهولين، إلا أن محاضر الدرك نفت ذلك، وتبين أن الأمر يتعلق بحادث سير، حين قام السائق بتجاوز معيب، انتهى بسقوط الحافلة في منحدر خطير. ظل الجرحى يتلقون العلاجات الضرورية بمستشفيات كل من تطوان والعرائش وأصيلة، ودفن الموتى بمقبرة تطوان في موكب جنائزي مهيب.
لكن تبقى أكثر المواجهات دموية في تاريخ المغرب التطواني، هي التي أعقبت «ديربي» الشمال بطنجة، حين امتد التراشق إلى خارج ملعب مرشان، بين بعض جماهير اتحاد طنجة وقوات الأمن، حيث تعمد بعض المحسوبين على جماهير الفريقين تكسير زجاج السيارات وإحراق القمامات والاعتداء على المارة، وكالعادة فإن أغلب المشاغبين كانوا قاصرين.
ليست حركة «الألتراس» مجرد فيلق يقف في خنادق المواجهات، بل إنها لا تتردد في فعل الخير، إذ لا يخلو سجل كل فصيل من مبادرات إنسانية تسجل في دفتر حسناتها.
ساهمت الفصائل المساندة للرجاء الرياضي في الحملة التي أطلقها منخرطو الفريق، التي كانت تروم جمع تبرعات من أجل توفير مبلغ كراء طائرة خاصة للتنقل إلى زامبيا، وقدرت القيمة الإجمالية للمبلغ الذي ساهمت به فصائل المشجعين بحوالي عشرة ملايين سنتيم، علما أن ثمن كراء الطائرة حدد في مبلغ 200 مليون سنتيم.
وتندرج هذه المبادرة في سياق التخفيف من الأزمة المالية ومساعدة المكتب المسير للرجاء على توفير طائرة خاصة، تؤمن سفر الفريق الأول من مطار محمد الخامس الدولي بالدار البيضاء إلى زامبيا، لمواجهة فريق نكانا الزامبي، لحساب الجولة الثانية عن المجموعة الرابعة من دور مجموعات مسابقة كأس «الكاف».
كما قامت فصائل الألتراس الرجاوية بحملة دعم القراءة من خلال قافلة «اقرأ»، واختارت منطقة نائية لتنزيل المبادرة، وتحديدا في ضواحي أمزميز، حيث تم توزيع العتاد المدرسي وطلاء مؤسسة تعليمية.
وعلاقة بالموضوع ذاته، خلد فصيل «لوس ماتادوريس»، الموالي لفريق المغرب التطواني، يوم المعلم ووقف إجلالا له، مكرسا مقولة: «كاد المعلم أن يكون رسولا»، بل إن جماهير الملاعب اختارت تكريم مربي الأجيال في التفاتة إنسانية تمسح صورة المشجع المشاغب، الذي لا يتقن إلا لغة الاحتجاج. وأصدر الفصيل المذكور بيانا قال فيه: «إن معلمينا يستحقون التنويه».
من جهته، تفاعل ألتراس «إيمازيغن»، المساند لفريق حسنية أكادير، مع وفاة الفنان أحمد بادوج، أحد أعمدة الفن السابع الأمازيغي، الذي وافته المنية نتيجة إصابته بجائحة كورونا. واستحضر أعضاء الفصيل في مبادرة مؤثرة القيمة الرمزية لهذا الفنان، الذي يعد أيقونة ورمزا تحتفظ به الذاكرة الثقافية الأمازيغية. وعاد الفصيل نفسه ليخلد أربعينية الفنان الجزائري القبائلي «إيدير»، بمشاعر الحزن والأسى نفسها.
وجند الفصيل الودادي «الوينرز» كافة خلاياه للانخراط الكلي في حملة «جميعا ضد قساوة البرد»، من خلال عملية التبرع وتجميع الملابس الشتوية، سواء المستعملة أو الجديدة، وكذا الأغطية والأحذية وكل ما يلزم لإدخال الدفء إلى بيوت المحتاجين. ومست هذه المبادرة الإنسانية فئة واسعة من المتضررين من البرد، لاسيما في المناطق النائية، واستهدفت بالخصوص الفقراء والمعوزين، ﻭعابري السبيل كاللاجئين السوريين والأفارقة. فضلا عن حملة واسعة للتبرع بالدم حطمت رقما قياسيا وطنيا.
وسجل جمهور فريق الجيش الملكي موقفا يحسب له، حين تبرع وبشكل مكثف بالدم، ودعا الخلايا التابعة للفصائل المساندة للنادي العسكري إلى الانخراط في هذا العمل الإنساني، الذي خلف صدى طيبا في المشهد الرياضي المغربي. واستهدفت المبادرة ضحايا حادث انقلاب القطار ببوقنادل، حيث توجه عدد كبير من منخرطي، مجموعة «بلاك أرمي»، و«إلترا عسكري» إلى نقاط التبرع بالدم، بمدينتي الرباط وسلا، للمساهمة في هذا العمل الإنساني.
كما ساهمت جل الألتراس المغربية ومن بينها كاب صولاي الدكالية في حملة دعم ساكنة الحوز المتكررة من الزلزال الأخير الذي ضرب الحوز وتارودانت سواء بجمع الأطعمة والأفرشة أو بتنظيمها ووضعها داخل الشاحنات وهو نفس الأمر الذي قامت به ألتراس بيضاوية ورباطية ومن شمال وجنوب المنطقة.
وعلى امتداد عقد كامل من الزمن ناقشت مكونات الحركة الرياضية إشكاليات الأمن الرياضي، وكشفت عن المقاربات الجديدة التي تتجاوز ما هو أمني، بل إن الأيام الوطنية المفتوحة للمديرية العامة للأمن الوطني بالدار البيضاء، ومناظرات مكافحة شغب الملاعب بالمعهد الملكي للشرطة، قد رصدت عمق إشكالية أمن الملاعب.
وكان محمد بوزفور، رئيس قسم الأمن الرياضي بالمديرية العامة للأمن الوطني السابق، قد أشار في أكثر من مداخلة إلى الخطط التي نهجتها مديرية الأمن الوطني لتأمين الفرجة الرياضية بدون عنف، مصرا على البعد التشاركي في تدبير هذا الملف، من خلال انخراط كل الشركاء، مشيرا إلى اندثار المشجع الكلاسيكي وظهور جيل جديد من المشجعين يعرف بـ«الألتراس».
وعلى الرغم من خلق خلايا أمنية في ربوع المملكة وتتبعها لتحركات المشجعين داخل المدينة وخارجها، إلا أن العنف ظل حاضرا بقوة، ما دام ملازما للفئات الهشة، خاصة في ظل انسحاب الأسرة والمدرسة من عملية التأطير، في وقت تقتصر الحلول على التصدي للعنف داخل الملاعب، الشيء الذي يترك رجال الأمن في واجهة مدفع الانتقادات بعد أي أحداث لا رياضية.
تعززت الممارسة الأمنية بالمغرب بإحداث بنيات شرطية مركزية وغير ممركزة، تتمثل في قسم الأمن الرياضي التابع لمديرية الأمن العمومي، والخلايا الأمنية التابعة له بمختلف المدن. مهمتها تتبع التظاهرات الرياضية، وفق مقاربة علمية تتوخى الدقة وجمع الإحصائيات وإنجاز دراسات تحليلية لمختلف الظواهر المرتبطة بالفرق المنافسة والبنيات التحتية الرياضية، مع تحديث أساليب المعالجة والتتبع لسلوكات الجماهير. وكل التقارير المعدة من طرف هذه الوحدات يعتمد عليها عند وضع الترتيبات الأمنية الخاصة بالمنافسات الرياضية المرتقبة، بالتنسيق مع باقي المتدخلين.


الكاتب : إعداد: مصطفى الناسي

  

بتاريخ : 26/03/2024