الألتراس المغربية الحركة الرياضية ذات الوجوه المتعددة -06- عندما يفتخر الوداديون بوداد الأمة والرجاويون بالرجاء العالمي

الألتراس المغربية من هي، وإلى أي وسط ينتمي أفرادها، وما الهدف من تكوين هؤلاء الشباب لهاته المجموعات؟ هي مجموعات مكونة من شباب مغاربة من فئات اجتماعية وثقافية مختلفة، معظمهم ينحدر من أوساط شعبية، اجتمعوا على حب وتشجيع فريق واحد، لا تتحدد أعمارهم في عمر معين، وتختلف أجناسهم وأعراقهم وأصولهم، وعلاوة على شغف اللعبة الذي يتملكهم، فاختلافاتهم تتوحد وتتقوى لتكون روابط متماسكة ومشتركة، تؤطرهم مقومات عدة؛ كالوفاء والولاء وحس الانتماء …

تذهب بعض الأبحاث التاريخية حول الألتراس، إلى اعتبارها وُلدت من رحم السياسة، فمهد الحركة في إيطاليا عرف تأسيس مجموعات مشجعة، لها توجهات سياسية معينة؛ فيما تصر الفصائل المشجعة المغربية على عدم تحزبها أو تبنيها لأي مواقف وإيديولوجيات سياسية.
الألتراس تبرر هذا المبدأ بتمسكها باستقلاليتها المادية، وحرصها على تجنب أي اختراق.
هذا السياق التاريخي، يفسر نسبيا الحمولة السياسية والاجتماعية لبعض الأشكال التعبيرية للألتراس. الألتراس تتبنى أيضا مواقف من قضايا وطنية. حيث تغنت جماهير الرجاء قبل أربع سنوات ونصف بمغربية الصحراء في لقائها مع وفاق سطيف الجزائري في سطيف، وهو ما تكرر أيضا، خلال الأيام القليلة الماضية، حين حل الرجاء البيضاوي ضيفا على فريق مولودية الجزائر:” بالعقلية السياسية جينا نقولو الصحراء مغربية”.
أما الوينرز، الفصيل المساند للوداد الرياضي، فلا يتوانى عن الافتخار بكون فريقهم نادٍ للأمة، أسسه مقاومون مغاربة، وراكم رصيدا نضاليا في سنوات الاستعمار:” فدائيين والمقاومين قالوها والخطابي صاوب ليهم أول قنبولة”.
إلا أنه فجأة، استيقظ المغاربة في السنوات الماضية، على ضجة أغنية ”في بلادي ظلموني”، لألتراس ”إيغلز”، المساند لفريق الرجاء الرياضي.
الأغنية صدرت قبل أشهر من ذلك من طرف الفصيل، غير أنها لم تلق هذه الشهرة سوى أشهرا بعد ذلك، بفعل تداولها على نطاق واسع على مواقع التواصل الاجتماعي.
تناسلت بعد ذلك مجموعة من الأغاني بنفس الحمولة، لجماهير النادي القنيطري واتحاد طنجة والوداد الرياضي.
الفرضية الأولى التي تمخضت عن عشرات المقالات، هو احتمال أن تكون هذه الأغاني، تمهيدا لتسييس الملاعب المغربية.
هل كان الأمر مجرد هرطقة ومحاولة للركوب على احتجاجات الجماهير… أم نظرة مستقبلية؟
ترانيم الغضب التي صاح بها الجمهور في لحظة انتشاء، فإذا بها تجوب وسائل الإعلام العربية والعالمية.
مع نضج الحركية في المغرب، أضحى كل فصيل يمتلك عددا هائلا من الأغاني من إنتاجه، تلتزم بمعايير تقنية محترمة وتنتج ذاتيا.
حمولة الأغاني تزاوج بين التغني بأمجاد ومسار النادي والفصيل المشجع من جهة، ومن جهة أخرى، تحمل العديد من الرسائل ذات البعد الاجتماعي والسياسي. من التيمات المتواترة في هذه الأغاني هو تقويض دور رجال الأمن والشكوى من انتشار البطالة والفقر ومناشدة الهجرة إلى أوربا. ما يغيب عن ذهن الكثيرين، هو أن هذه الأغاني وحمولتها السياسية والاجتماعية، لازمت الألتراس منذ ظهورها. النموذجان هما أغنية” دمنا عربي” لألتراس إيغلز (الفصيل المساند للرجاء الرياضي) الذي أعرب عن أهمية العلاقة التاريخية بين المغاربة والجزائريين. بالإضافة إلى أغنية” حرية” للوينرز (الفصيل المساند للوداد الرياضي) التي يشكو فيها مناصرو الوداد من قمع حرية عضو الألتراس ومن معاملة عناصر الأمن لهم.
المعطى الثاني الذي يتم تغافله أثناء الحديث عن أغاني الألتراس هو السياق. المغرب على امتداد السنوات الأخيرة، عاش على وقع الاحتجاجات. تجسدت هذه الأخيرة في الحراك في كل من زاكورة والريف وجرادة، بالإضافة إلى حملة المقاطعة، التي اعتبرت شكلا احتجاجيا لم يسبق له مثيل في المغرب. هذه الظرفية غذت إمكانية انتشار هذه الأغاني، حيث وصل صداها للحراك الجزائري وصدحت في احتجاجات طلبة الطب في المغرب
حتى أن زملاء لنا في مهنة المتاعب كانوا يتابعون ويكتبون بحرقة تشبه حرقة الألتراس كما كتب زميلنا هشام روزاق ذات ديربي بيضاوي، لنتركه يحكي عن مباراة يعشقها الكثير من المغاربة « أنه كان رائعا… إلى أن انتهى لعب الكرة، وبدأ “الّلعب ديال الدراري”، كما يقول المغاربة.مقابلة في كرة القدم، تعودنا على سحرها منذ عقود، تحولت فجأة إلى طلاسم في دفاتر السحرة. تحولت إلى ما يشبه بخور المشعوذين وتعاويذهم.»
ويضيف «مباراة الديربي بين فريقي الدار البيضاء، لم تكن في النهاية سوى مرادف لوعدها الأزلي، وعد المتعة والفرح… حتى تلك الدموع التي ذرفها البعض، هي في النهاية، عنوان فرح. فرح بعشق كائن يستحق أن نبكي لأجله، وأن نحمل دقات القلب إلى أقاصي احتمالها، وأن نمارس على الجسد، قساوة اختبار العشق حد الإغماء… حد انفلات الروح.
هذا الديربي، الذي حوله بعضهم اليوم إلى ما يشبه اكتشاف الماء الساخن، كان قصيدة عشق موعودة بالخلود. قصيدة… كتبت بغير حروف الدجالين الذين… يريدون للديربي اليوم، أن يصير صغيرا مثلهم، وقحا مثلهم، تافها… مثل كل التفاهات التي تسكنهم.
لم نكن نعرف معنى تقسيم الملعب بين فريقين، بين “المگانة” و”فريميجا”، كانت الفرجة أصلا… أن نجلس معا، أن نقتسم الفرحة والحزن معا، وأن… نناكف بعضنا كما لو أن أفضل الأهداف، هي تلك التي يسجلها بعضنا على بعض «… ويؤكد الزميل روزاق «كنت، ولا زلت رجاويا، رغم كل الغضب من فريق الرجاء الذي صار يشبه فريق كرة قدم لم يكنه، فريق لم يعد يمنحنا تلك الفرجة التي لم تكن قط قرينة انتصار أو هزيمة، بقدر ما كانت وعد “دقة دقة” التي… لا يعرف معناها غير الراسخين في عشق الرجاء.
كنت، ولا زلت، ابن حي “بورگون”. وكان الانتماء للرجاء حينها، أمرا مستغربا في حي عشق الوداد… لكنه لم يكن قط، جملة في قاموس كراهية أو حقد.… كان يوم الأحد بالنسبة لنا، قداس فرحة وفرجة. كانت الأمهات، تجهزنا للذهاب للملعب، كما لو أنهن يجهزن عريسا يوم زفافه. أفضل الملابس وتسريحة الشعر، وبعض دراهم إضافية لاقتناء “نوگا” أو “گلاص”.» إنه إلتراوي من زمن آخر…


الكاتب : n إعداد: مصطفى الناسي

  

بتاريخ : 18/03/2024