«الأم المغربية» ملح المعنى وصانعة القيم

على قدر ما كان فتية المدرب وليد الركراكي يسجلون إصابات النصر في شباك كبريات الفرق العالمية (بلجيكا، كندا، إسبانيا والبرتغال)، بنهائيات كأس العالم 2022 بقطر، على قدر ما كان المغاربة يسجلون أهدافا أخرى في مرمى منظومة القيم بمختلف قارات الكرة الأرضية، كان في القلب منها صورة “الأم المغربية” المناضلة من أجل كرامة حياة ومن أجل أبنائها.
من نافل القول، تذكير بعضنا البعض، أن معركة اليوم في العالم هي معركة صور، وأن مجالها الأكبر (ليس فقط بمنطق الترويج) منظومة القيم التي تقدمها عنك إلى العالمين، من خلال صورة، في كافة أبعادها السلوكية والحضارية والسياسية. وقوة الصورة ليس في فطنة صناعتها في مختبرات الماركوتينغ التواصلي، بل في عفويتها التي تخرج فجأة لتفاجئ الجميع، فهي أشبه بقطرة مطر تنزل إلى عمق الأرض. وما حدث في ملاعب محفل عالمي مثل نهائيات كأس العالم، هو أن صورة “الأم المغربية” قد خرجت بلا رتوش في كامل عفويتها، لتحرك نبض العالم وتجعله يقف ليصفق طويلا للمعنى الإنساني الذي نسجته قبلة أم لاعبنا الخلوق أشرف حكيمي، التي صارت أيقونة عبر العالم، دفعت فناني الكرافيتي في كبريات مدن القارات الخمس يرسمونها على حيطان الحياة. بذات القوة التي جعلت صورة رقصة لاعبنا (الرقايقي) سفيان بوفال مع والدته، تصبح علامة ثقافية تطبع على الأقمصة وترسم على الحيطان من الخرطوم حتى جاكارتا وطوكيو وساوباولو.
ولأن الصورة رسالة، فإن صورة استقبال عاهل البلاد الملك محمد السادس لأبطال ملحمة مونديال قطر 2022، من أطر ولاعبي منتخب المارد حكيم زياش (حبة المشمش)، وأن تكون الأمهات في مقدمة المشهد بروتوكوليا، وملك البلاد في وسط الصورة بيده الموضوعة في دعة على كتف واحدة من تلك الأمهات (كناية عن صورة للعائلة).. أقول إن تلك الصورة قد أصبحت المادة الإعلامية الأولى عبر مختلف المحاميل الإعلامية عبر العالم، كناية عن بلد وعن منظومة قيم تميزه، فيها إعلاء ليس فقط لمكانة الأم بل فيها تمجيد لقيمة “العائلة”. وهنا كانت الرسالة نفاذة بمسافات في معنى “تامغربيت” عبر الكرة الأرضية.
إن اختيار هيئة التحرير أن تكون “الأم المغربية” شخصية السنة، إنما يتصالح مع المعنى الذي خلقته صور أمهاتنا عبر العالم، في معرض قيم هائل (تواصلي) مثل نهائيات كأس العالم لكرة القدم. نعم، سيحسدنا البعض قليل على ذلك، ليس مهما حتى الإلتفات إلى حضيض ما ينزل إليه ذلك البعض، لأن من يحلق عاليا مثل النسر يكون نظره صوب القمم والسحاب والنجوم وليس الحفر (أليس يعلمنا شاعر تونس العظيم أبو القاسم الشابي: “ومن لا يحب صعود الجبال/ يعش أبد الدهر بين الحفر”). نعم، سيحسدنا البعض قليل على ذلك، لكن الكثير الكثير من أبناء الحياة عبر مختلف القارات والثقافات واللغات والأديان، يغبطوننا بمحبة أن ذكرنا بعضنا البعض بقيمة “قبلة على جبين الأم” ووضع رأس ابن على صدر الأمهات. هي الحياة نقترفها حين نستطيع إليها سبيلا. وتلك معركة صورة ربحناها مغربيا بمسافات عالية في السمو.
الوطن عند أمي أن أعود لها سالما في المساء، نعم ذلك يقين القلب، لكنه أيضا أن لا أعود لها مهزوما أو ذليلا. وملح المعنى ل “تامغربيت” كامن في تفاصيل حاسمة، من عناوينها أن المرأة المغربية (الأمهات والجدات واللاَّلاَّتْ) تنسج معنى للمقاومة من أجل الحياة هائل وراسخ في صمت.
ذلك بعض من السَّمْت الذي يقوي عضد البلاد ويجعل ظهرها صلبا سليم في خطو الطريق. فكم هو طويل صف “المرأة المغربية” التي ترفرف كالنحل في صبر أيوبي، كي تنتج العسل في معنى الوجود وفي صيرورة الأيام، بالقليل الذي في اليد. وكم هو طويل صف “الأم المغربية” (من ذات نموذج أمهات أشرف حكيمي وحكيم زياش وسفيان بوفال وبدر بانون وأشرف داري ويحيى جبران وباقي لائحة الشرف الرياضي)، اللواتي يقمن بما يرونه واجب المقاومة من أجل كسرة خبز وإزار أمان لحماية الخلية البكر لأي مجتمع التي هي الأسرة. هذه “الأم المغربية” هي التي اكتشفها فينا العالم في محراب الأولمب الرياضي لكرة القدم، وشكرنا ومجدنا أن ذكرناه بقيمة “الأم” و “العائلة”، بدون أن نخطط لذلك، ترجمانا أننا “نحن”.
إننا حين اخترنا في هيئة التحرير أن تكون “الأم المغربية” شخصية السنة، فإنما لنتصالح مع معنى القيم التي أعدنا اكتشافها في أنفسنا، تلك التي تجعلنا (حتى في فقر ما باليد من إمكانيات) نمشي واثقي الخطو في درب الحياة. لأننا نملك الثروة الأبقى: الكرامة.


الكاتب : لحسن العسبي

  

بتاريخ : 31/12/2022