كلما عقدت لجنة دعم الفيلم السينمائي المغربي إحدى جلساتها بشأن التداول في المشاريع المعروضة على أنظارها، إلا وانتظر أصحاب هذه المشاريع النتائج التي ستسفر عنها مداولات هذه اللجنة. ومباشرة بعد إعلان النتائج، تتضارب الآراء والمواقف بين مثمن لقرارات اللجنة، وبين منتقد لها. هذا الواقع أصبح مألوفا ومتواترا منذ أن أنشئ صندوق الدعم سنة 1980 وإلى حدود الساعة. فالرضى التام عما يقدمه هذا الصندوق لم يتحقق أبدا سواء على مستوى ما يخصصه من اعتمادات سنوية لفائدة المشاريع السينمائية، أو على مستوى توزيع هذه الاعتمادات. لقد كانت قراراته على الدوام محط انتقاد، ولم تحظ في أي وقت من الأوقات بإجماع المهتمين بالشأن السينمائي في بلادنا. وقد اختلفت حدة النقد الموجه إلى هذا الصندوق، ففي الوقت الذي اختار فيه بعض السينمائيين والمهتمين بالشأن السينمائي المغربي خطابا مرنا ودبلوماسيا، ينحو في جوهره نحو السلم والاستسلام، ارتأى آخرون أن يكون خطابهم عنيفا جارحا، لا يتردد أبدا في إشهار سيف العداء والمواجهة. ولعل أقسى ما وجه من نقد للجنة الدعم وللمركز السينمائي المغربي خلال السنوات الأخيرة، ما صدر مؤخرا عن المنتج والسينمائي إدريس شويكة مباشرة بعد انتهاء عملية البث في المشاريع المقدمة للدعم برسم آخر دورة من دورات 2017. فقد أشار إلى أن اللجنة التي بثت في هذه المشاريع تتبنى السياسة الحالية للمركز السينمائي المغربي القاضية بالإقصاء المنهجي لأعضاء الغرفة الوطنية للأفلام، وأنها عينت خلسة وبطريقة غير قانونية، وأنها اتخذت قرارا أخرق يقضي بتحديد غير قانوني لسقف التسبيق على المداخيل، وأنها حرمت السينمائيين الموهوبين والمتمرسين من حقهم في الاستفادة من الدعم.
لكن دعونا نعترف أولا أن صندوق الدعم قد أسهم في بعث الحياة في الجسم السينمائي المغربي، وضخ دماء جديدة في شرايينه، من خلال توسيع دائرة الإنتاج، وتحريك عجلته، ومن شك في ذلك، فلينعش ذاكرته، وليستحضر معاناة الجيل الأول من السينمائيين المغاربة الذين اعترضتهم صعوبات جمة حالت بينهم وبين إنجاز ما كانوا يطمحون إلى إنجازه، يكفي فقط أن نذكر أن حميد بناني لم ينجز خلال ثلاثين سنة إلا فيلمين طويلين، وأضاف إليهما فيلما ثالثا خلال المدة الأخيرة . ومن ساوره الشك أيضا في الدور الذي قام به صندوق الدعم في تسريع وثيرة الإنتاج السينمائي المغربي، فليقارن بين وضعية الإنتاج قبل إنشاء صندوق الدعم، ووضعية الإنتاج بعد إنشاء هذا الصندوق. فبالكاد كان السينمائيون المغاربة ينجزون ما يقارب الفيلمين في السنة قبل الإنشاء، غير أنهم استطاعوا بعد الإنشاء أن ينجزوا أكثر من ذلك، حتى وصل العدد إلى ما يقرب من عشرين فيلما سينمائيا أو يزيد في السنة.
تمويل عمومي
لقد نشأت البوادر الأولى للدعم السينمائي بالمغرب أثناء السنوات الأخيرة من عمر الحماية الفرنسية على المغرب من خلال صيغة أطلق عليها صندوق دعم السينما، لكن هذه الصيغة لم تدم سوى بضع سنين، ليعاد التفكير مجددا – وبعد مرور سنوات طوال على استقلال المغرب ناهزت العشرين – في إطلاق مشروع لدعم السينما وصل الآن إلى سنته الثامنة والثلاثين. وقد عرف هذا المشروع خلال مسيرته مجموعة من التحولات والتغيرات تمثلت في الصيغ التالية :
– الصيغة الأولى وانطلقت سنة 1980، وخلالها سيعتمد صندوق الدعم في وارداته على الرسم الإضافي على تذاكر السينما، وقد أشرفت عليه لجنة يرأسها مدير المركز السينمائي المغربي، و تشكلت هذه اللجنة من ممثلين عن وزارات الإعلام والمالية والشغل، وعن المنتجين والموزعين والمساعدين على إبداع الفيلم، وعن عالم الأدب والفن بتعيين من وزارة الثقافة. وحدد القانون المنظم لهذا الصندوق ثلاثة شروط لدعم الفيلم، وهي أن يتم إنتاجه من طرف مغاربة، أو من طرف شركات تتوفر على مقر بالمغرب، ويملك الحصة الكبرى من رأسمالها أشخاص ماديون أو معنويون مغاربة، وأن ينجزه مخرج مغربي، وطاقم تقني مغربي، وأن يصور في قسم كبير منه على الأقل بالمغرب، مع اعتماد التجهيزات التقنية المحلية. أما المنحة المالية، فقد حددت بالنسبة للأفلام الطويلة في مستويين، ثمانون ألف درهم كمساعدة قاعدية تستفيد منها جميع مشاريع الأفلام، وثلاثمائة ألف درهم تعطى للأفلام ذات المستوى الجيد، كما حددت بالنسبة للأفلام القصيرة في عشرين ألف درهم(أبحاث في السينما المغربية، مصطفى المسناوي). وقد تراوح مبلغ الدعم في هذه الفترة بين مائتين وخمسين ألف، وخمسمائة ألف درهم بالنسبة للفيلم الطويل، وبين أربعين ألف، وسبعين ألف بالنسبة للفيلم القصير( الكتاب الأبيض للسينما المغربية).
– الصيغة الثانية وانطلقت سنة 1988، وخلالها ألغي الطابع الأوتوماتيكي للمنحة، وتغيرت تشكيلة اللجنة التي صارت تتكون من منتج/مخرج، وكاتب أو تقني أفلام، ومنشط سينمائي، وتجتمع هذه اللجنة – والتي يعين أعضاؤها لمدة سنتين من طرف غرف المنتجين والموزعين وأرباب القاعات والتقنيين والفدرالية الوطنية لأندية السينما والمركز السينمائي المغربي – مرتين في السنة، وبحضور ممثل عن المركز السينمائي المغربي، ومراقب مالي بصفتهما ملاحظين. والأساس في عمل هذه اللجنة هو مراعاة جودة الأعمال المقترحة للتصوير، وذلك اعتمادا على تقديم ملف يتضمن سيناريو الفيلم وبطاقته التقنية وتقديم كلفة إنتاجه ليستفيد من دعم ما قبل الإنتاج، أو على تقديم فيلم بعد إنجازه ليستفيد من دعم ما بعد الإنتاج. وفي الحالتين معا لا ينبغي أن تتعدى المنحة المقدمة ثلثي كلفة الفيلم. وتتراوح قيمة هذه المنحة بين خمسمائة ألف درهم ومليونين وأربعمائة ألف درهم بالنسبة لمشاريع الأفلام الطويلة( أبحاث في السينما المغربية)، وتتراوح بالنسبة للفيلم القصير بين خمسين ألف وثلاث مائة وخمسين ألف درهم(الكتاب الأبيض). وفي حالة الأعمال المنجزة، فتتراوح قيمة المنحة بين مائتين وخمسين ألف درهم وسبعمائة وعشرين ألف درهم بالنسبة للفيلم الطويل، وتقف فيما يتعلق بالفيلم القصير عند ثلاثين ألف درهم. كما قد تمتنع اللجنة عن تقديم الدفعة الأخيرة من المنحة إذا تبين لها أن النسخة النهائية من الفيلم لا تتطابق مع التزامات المخرج/ المنتج. وقد ارتفعت موارد الصندوق خلال هذه المرحلة من مليوني درهم سنة 1987 إلى ثمانية ملايين درهم سنة 1997.
الصيغة الثالثة وانطلقت سنة 1997، وخلالها تم تقسيم لجنة الدعم إلى لجنتين فرعيتين يعين أعضاؤهما من طرف وزير الاتصال، وقد حددت مدة انتدابهما في سنة واحدة قابلة للتجديد بالنسبة لثلث الأعضاء ومرة واحدة فقط. ويتم هذا التعيين بناء على لائحة مقترحة من طرف المركز السينمائي المغربي، والغرفة المغربية لمنتجي الأفلام، في حين يمكن للوزير أن يعين أعضاء آخرين غير مذكورين في هذه اللائحة. فاللجنة الفرعية الأولى هي لجنة القراءة واختيار مشاريع الأفلام، وتتكون من خمسة أعضاء أو نوابهم ينتمون إلى الوسط الثقافي والفني ولهم علاقة وطيدة بهذا الميدان، مع التنصيص ألا يكونوا أعضاء في أية غرفة مهنية أو هيئة عاملة في القطاع السمعي. وتضم اللجنة بالإضافة إلى ذلك ممثلا عن وزارة الاتصال أو نائبه. واللجنة الفرعية الثانية هي لجنة تقييم مبلغ الدعم، وتضم خمسة أعضاء من بينهم ثلاثة خبراء رسميين أو نوابهم، يتم اختيارهم من بين المخرجين أو المنتجين أو أطر من تقنيي السينما إضافة إلى ممثل عن المركز السينمائي المغربي أو نائبيهما(أبحاث في السينما المغربية). وفي هذه المرحلة سيتراوح مبلغ الدعم بين مليون وأربع مائة ألف درهم، و ثلاثة ملايين وست مائة ألف درهم بالنسبة للفيلم الطويل، وبين مائة ألف درهم و ثلاثمائة وسبعين ألف درهم بالنسبة للفيلم القصير، وستنتقل موارد الصندوق خلال هذه الحقبة من ثمانية ملايين درهم سنة 1997 إلى ثلاث وثلاثين مليون درهم سنة 2003(الكتاب الأبيض).
الصيغة الرابعة وانطلقت سنة 2004، وخلالها سيقع تغيير في فهم الدعم، وكذا في فلسفته، إذ سيتحول من دعم لا يسترجع، إلى دعم على شكل تسبيق على المداخيل، على المستفيد منه أن يسدده من إيرادات استغلال الفيلم. وقد انتقل المبلغ السنوي للدعم من ثلاثة وثلاثين مليون درهم سنة 2003 إلى ستين مليون درهم سنة 2011، كما تراوح مبلغ الدعم الممنوح للأفلام من مليوني درهم إلى خمسة ملايين وخمسمائة ألف درهم بالنسبة للفيلم الطويل، وبين مائة ألف درهم و ثلاثمائة ألف درهم بالنسبة للفيلم القصير(الكتاب الأبيض) .
ويعيش صندوق الدعم حاليا مرحلة جديدة انطلقت سنة 2012، وينظمها مرسوم صادر في نفس السنة، وقد حدد هذا المرسوم أهداف الدعم، وأنواعه، وشروطه، ومعاييره، ومبالغه، وطرق صرفه، وإرجاعه، وآليات تتبعه، كما أوكل إلى لجنة مسؤولية البث فيه، وحدد قواعد وكيفيات اشتغالها، ومن المضامين البارزة لهذا المرسوم منح الدعم لشركات الإنتاج المغربية في شكل تسبيقات على المداخيل لمشاريع الأفلام الطويلة والقصيرة قبل الإنتاج وبعد الإنتاج، ولمشاريع الأفلام الوثائقية الطويلة قبل الإنتاج وبعد الإنتاج، ومنح الدعم لهذه الشركات على شكل مساهمة مالية لمشاريع كتابة وإعادة كتابة سيناريو الأفلام الروائية الطويلة المرشحة للاستفادة من التسبيق على المداخيل. وقد حدد مبلغ الدعم الممنوح لمشاريع الأفلام الروائية الطويلة والقصيرة والأفلام الوثائقية الطويلة في ثلثي الميزانية المقدرة من طرف لجنة الدعم، على ألا يتعدى مبلغ التسبيق عشرة ملايين درهم بالنسبة لمشاريع الأفلام الطويلة، ومائتي ألف درهم بالنسبة للأفلام القصيرة، ومليون درهم بالنسبة للأفلام الوثائقية الطويلة، ويطبق نفس التشريع على الدعم الممنوح للأفلام الروائية الطويلة والقصيرة والأفلام الوثائقية الطويلة بعد الإنتاج. ويتراوح مبلغ الدعم المالي الممنوح لكتابة وإعادة كتابة السيناريو ما بين أربعين ألف درهم ومائة ألف درهم. كما أحدث هذا المرسوم لجنة تتولى دراسة وانتقاء الأعمال المرشحة للدعم، وكذا تحديد مستويات الإعانات المالية التي يمكن تقديمها لهذه الأعمال. وتتكون هذه اللجنة إضافة إلى رئيسها من أحد عشر عضوا من بينهم أربعة أعضاء ينتمون إلى عالم الثقافة والفن ولهم صلة وطيدة بميدان السينما، وثلاثة أعضاء من ذوي الكفاءات الضرورية لتقييم ميزانية الفيلم يتم اختيارهم من بين المهنيين، وأربعة أعضاء يمثلون كلا من الوزارة المكلفة بالاتصال والوزارة المكلفة بالمالية والوزارة المكلفة بالثقافة والمركز السينمائي المغربي، وتعين السلطة المكلفة بالاتصال رئيس وأعضاء اللجنة بناء على اقتراح من المركز السينمائي المغربي، واستشارة الغرف المهنية المعنية في ميدان السينما، وذلك لمدة سنتين قابلتين للتمديد لمدة سنة إضافية واحدة .
سؤال الجودة
ومن الصعب التنكر للحركية والانتعاش اللذين عرفهما ميدان الإنتاج السينمائي بالمغرب بفضل صندوق الدعم، فقد عرفت الفترة بين 1980 و1987 إنتاج خمسة وثلاثين فيلما طويلا، وثلاثين فيلما قصيرا. كما تم إنتاج أربعة وثلاثين فيلما طويلا، وثمانية وعشرين فيلما قصيرا خلال الفترة الواقعة بين 1988 و1997. وخلال فترة 1998 و2003 أنتج المغرب خمسين فيلما طويلا، واثنين وثلاثين فيلما قصيرا. أما خلال الفترة بين 2004 و 2012 فقد قفز العدد إلى مائة وأربعة عشر فيلما طويلا، وسبعة وخمسين فيلما قصيرا. وبالإضافة إلى هذا التحول الكمي الذي عرفه الإنتاج بفعل سياسة الدعم، فإن الفيلم المغربي قد أصبح يحتل مكانة هامة على الصعيد المغاربي والعربي والإفريقي، وغدا يتصدر المداخيل في السوق المحلية، كما أصبح يحضى بالاعترافات، ويحصد الجوائز خلال مشاركته في المهرجانات العربية والقارية والدولية(الكتاب الأبيض) .
إذا كان صندوق الدعم قد أسهم بالفعل في تسريع وثيرة الإنتاج السينمائي، وأتاح الفرصة لمجموعة من الوجوه الجديدة أن تقتحم عالم الإخراج السينمائي، وأثرى الفيلموغرافيا الخاصة بالكثير من السينمائيين المغاربة، فهل استطاع بالفعل أن ينهض بالمستوى الفني للمنتج السينمائي المغربي، وأن يدفع به في اتجاه منافسة الأعمال السينمائية التي تنتمي على الأقل إلى بلدان إفريقية أو آسيوية ؟
الحق أن التغييرات التي عرفها صندوق الدعم خلال مسيرته الممتدة من السنة التي رأى فيها النور وإلى حدود اللحظة الراهنة، قد مكنت من تجاوز مجموعة من الاختلالات سواء على مستوى اختيار اللجنة الموكول لها مهمة انتقاء المشاريع المستحقة للدعم، أو على مستوى معايير هذا الانتقاء . إلا أن هذه التغييرات لم تستجب لأفق انتظارات جمهور السينما بالمغرب، ولم تلب طموحات فئات عريضة من النقاد والسينمائيين المغاربة. فلازالت الأصوات تتعالى منادية بالإصلاح، داعية إلى إعادة النظر في تركيبة لجنة الدعم بما يضمن مزيدا من الحياد والاستقلالية، وإلى تدقيق أكثر في المعايير المعتمدة في تقديم الدعم، حتى لا يتكافأ الجيد و الرديء، ويوضعان معا في سلة واحدة. كذلك فإن سياسة الدعم لم تحقق ما كان منتظرا منها على المستوى الفني، فأغلب المتابعين للشأن السينمائي المغربي يكادون يتفقون على أن الكثير من المنجز السينمائي المدعوم قد خرج إلى الوجود بصورة ضعيفة للغاية سواء على مستوى القضايا التي عالجها، أو على مستوى أسلوب المعالجة، ويستدلون على ذلك بالنتائج المخيبة التي يجنيها هذا المنجز السينمائي في الملتقيات السينمائية العالمية ذات التاريخ العريق و ذات الإشعاع الواسع، وعلى ردود الفعل السلبية الصادرة عن المشاهدين بحق معظم الأعمال السينمائية المغربية.
ومن الأسباب المسؤولة عن فشل معظم الأعمال السينمائية المغربية في تحقيق الجودة المنشودة في رأي بعض المهتمين بالشأن السينمائي المغربي، على الرغم من المبالغ التي يرصدها صندوق الدعم سنويا للفيلم المغربي، غياب مؤسسات الإنتاج في المغرب بمفهومها الحرفي بحيث يبقى المخرج هو المنتج، والصعوبات الإدارية التي يطرحها صرف الدفعات الأربع، وسوء تدبير واستغلال ميزانية الإنتاج في بعض الأعمال، واستمرار إغلاق القاعات السينمائية. ولتجاوز هذه الوضعية تقتضي الضرورة إخراج السينما من مرحلة التعاونيات، والدفع بها نحو بناء صناعة سينمائية حقيقية، وتشجيع الدولة للخواص لدعم عملية الإنتاج، وتجاوز الشباك الواحد، والرفع من وتيرة الإنتاج، ومن الميزانية العامة للفيلم، والوصول بالفيلم المغربي إلى تحقيق نسبة 50 بالمائة من شباك التذاكر، وتفعيل منحة الجودة المنصوص عليها في قانون الدعم، ووضع آلية لتحسين وتدبير ومراقبة الإنتاج، وإلزام القنوات التلفزية بالمشاركة في الإنتاج السينمائي، وإشراك المجالس المنتخبة والجهات في دعم الإنتاج السينمائي، والتفكير في توظيف نسبة من مداخيل الإنتاجات السينمائية الأجنبية لإغناء الموارد المالية لصندوق الدعم، وإعادة النظر في الوظائف والأدوار التي يمكن أن يلعبها هذا الصندوق(أشلاء نقدية، خليل الدمون).
تحصين المكتسبات
والحق أن صندوق الدعم في حاجة دائمة إلى المراجعة، ولا يمكن لأي كان أن يدعي امتلاكه الوصفة المتكاملة القادرة على تحقيق إصلاح يرضي جميع الأطراف، بل إن هذا الإصلاح لن يتأتى إلا من خلال تفكير جماعي متأن ومتبصر تحكمه المعايير الفنية، ويحترم القواعد القانونية، ويتعالى على الحسابات الضيقة. فالسينما التي يراد لها أن تنهض وتتطور وتكون رافعة من رافعات التنمية هي سينما المغاربة جميعا، بغض النظر عن معتقداتهم وأطيافهم السياسية وخلفياتهم الفكرية. وعليه فإن أي تفكير في الإصلاح يستبعد هذه المعطيات، لن يستطيع أن يرضي أحدا، وسيعيد تكرار الأسطوانة القديمة من جديد .
إن دعم الإنتاج السينمائي بالمغرب مكسب لا ينبغي التفريط فيه، بل ينبغي تحصينه وتطويره وتنويعه، بالكيفية التي يستطيع معها خلق صناعة سينمائية وطنية قادرة على الإقناع والمنافسة، ويمكن أن يتم ذلك من خلال القيام بإجراءات من قبيل التمسك بالطبيعة المزدوجة للمنتج المغربي ذي البعدين الفني والتجاري أو هما معا، والتدقيق القبلي في شروط تربط الحصول على الدعم بضمان حد أدنى من المردودية التجارية أو الفنية أو هما معا، وربط منح الدعم بالتجربة المهنية للمنتج ومنجزات الشركة وقدرتها التمويلية ومسارها في المجال السينمائي، والرفع من مساهمة القنوات التلفزية العمومية وسوق الإشهار في دعم الإنتاج الوطني(الكتاب الأبيض).
ولكن هل يكفي أن يقوم صندوق الدعم بالمهام التي أحدث من أجلها، والمتمثلة في تمويل المشاريع السينمائية، وتشجيع الفعل السينمائي، لكي نتحدث عن صناعة سينمائية وطنية ؟ الواقع أنه لا يمكن ذلك في غياب العناية بعنصر أساسي في كل صناعة سينمائية ألا وهو الجمهور. فكثير من الأعمال السينمائية المغربية المدعومة ضلت طريقها إلى القاعات السينمائية، فلم تصل إلى جمهورها، نظرا لمجموعة من العوامل، من ضمنها افتقادها لمؤهلات العرض، وعجزها عن مغالبة اشتراطات التوزيع، بل وحتى الذي كتب له ذلك، وابتسم له الحظ، ووقفت إلى جانبه الأقدار، لم يحظ إلا بنسبة مشاهدة ضعيفة، إما بسبب تقلص فضاءات العرض، أو بسبب تواضع المعروض. فعدد القاعات السينمائية بالمغرب يتداعى بالتدريج سنة بعد أخرى، إذ تهاوى هذا العدد إلى ما يقرب من ثلاثين قاعة، الشيء الذي أفضى إلى تناقص زبناء السينما بالمغرب، إذ تشير أكثر الإحصائيات إلى أن مرتادي القاعات السينمائية قد تراجع بنسبة مهولة بين بداية الثمانينيات من القرن الماضي، ونهاية العقد الأول من القرن الحالي . أما المنتج المنتظر عرضه فإنه يتطرف في الغالب إما باتجاه التعالي المفرط في التجريد، وإما باتجاه الانحدار الغارق في السطحية.
أمام هذا الواقع، يصبح الحديث عن دعم الإنتاج السينمائي بالمغرب عديم الفائدة، لأن الإنتاج السينمائي المدعوم سيبقى بعيدا عن المتلقي الحقيقي، أو سيبقى سجين الرفوف، وفي أحسن الأحوال سيكون محدود التداول، إذ لن يتمكن من مشاهدته في جدته إلا من حالفه الحظ في أن يكون قريبا من إحدى دور العرض المتبقية، أو من ألزمته ظروفه المهنية من متابعة المهرجانات الوطنية أو الدولية. وقد يكون هذا الإنتاج محظوظا إذا اقتنه إحدى القنوات التلفزية، حينها سيكون متاحا أمام جمهور عريض من المشاهدين، ولكن بعد أن يكون قد مر على إنتاجه زمن من الدهر طويل، كما يمكن أن تتعرض بعض أجزائه لمقص الرقيب فتختل بنيته الفنية وتتبعثر قيمه الفكرية .
وعليه لابد من التفكير الجدي في مواجهة هذه المعضلة، والأمر ملقى على عاتق الدولة، مثلما هو ملقى على عاتق الفاعلين السينمائيين. فلابد للدولة أن تتدخل من أجل بناء قاعات سينمائية جديدة، أو إصلاح القاعات القديمة وفق منظور عصري حداثي، سواء عن طريق الميزانية العامة، أو عن طريق الميزانيات المنقولة للجماعات الترابية، كما يجب عليها أن تشجع الخواص تشجيعا حقيقيا للاستثمار في هذا المجال. أما السينمائيون المغاربة فعليهم أن يخلقوا جمهورهم الخاص الذي يجعل من السينما جزء من حياته الخاصة، ولن يتأتى لهم ذلك إلا بتقديم الجيد الممتع الذي لا يسبح كثيرا في عالم التجريب والإيهام، ولا ينحدر إلى أقصى درجات الابتذال والسطحية، بما يساعد على شد الانتباه، ويدفع إلى النقد والمساءلة، وطرح الأسئلة، واقتراح الإجابات، وبالتالي المساهمة في إعادة بناء المنتج السينمائي. حينذاك يمكن أن نتحدث عن صيغة تسبيقات على المداخيل التي سنها المركز السينمائي في الأعوام السابقة، أو عن أية صيغة محاسبية أخرى، لأن الفيلم السينمائي المدعوم سيخرج إلى الوجود بصفتيه الإبداعية والتجارية، ومن الممكن أن يغطي تكاليفه، بل ويمكن أن يحقق الربح أيضا، وتلك غاية مشروعة لأي منتج، بغض النظر عن طبيعته وشكله.