«الاتحاد الاشتراكي» تزور قاطني دوار الخدير بجماعة تامدة .. تفجيرات مقلع … تثير التخوفات على البيئة والسكان في سيدي بنور

كانت الساعة تشير الى العاشرة صباحا من يوم الأربعاء ، حين توجهت ومرافقي الى الجماعة الترابية تامدة، التي تبعد عن مدينة سيدي بنور بحوالي 28 كيلومترا، حيث كانت ساكنة دوار الخدير في انتظارنا. على طول المسافة ، كانت أمطار الخير قد غمرت الفضاء، وارتسمت على جنباته برك مائية تعكس سماء شتوية مثقلة بالغيم. الطقس بارد، والضباب يلف المشهد في هدوء مهيب، منظر جعلنا نستشعر عظمة الخالق ونحمد الله على عطاياه ورحمته التي لا تنقطع.
واصلنا رحلتنا عبر امطل في اتجاه الجماعة الترابية تامدة، هناك استقبالنا رئيس الجماعة بمكتبه رفقة بعض الموظفين، وعن سبب تواجدنا، أكد في تصريح مقتضب أن «كل ما هو في صالح الساكنة، فنحن معه»، في إشارة إلى استعداد الجماعة للتفاعل مع قضايا المواطنين والانخراط في كل ما يخدم الصالح العام، و عن الهزات الارضية بسبب التفجيرات التي تتم بمقلع الحجر ، أكد أنه لم يشعر بأي هزة بل لم تتم اثارة انتباهه و العاملين بالجماعة بأي صوت صادر عن تفجير «البارود «.
كان ذلك مدخلا لزيارة ميدانية تحمل في طياتها الكثير من الأسئلة، وتفتح الباب أمام الاستماع لنبض الساكنة، والوقوف على انشغالاتها، في منطقة تختزن معاناة صامتة لا تكشفها الخرائط، بل تحكيها الأرض والوجوه.

صوت الانفجار… بداية الخوف

بدوار الخدير، كانت الساكنة تنتظرنا بفارغ من الصبر، تشعر وكأنها منهكة تعاني في صمت، و أنها في حاجة ماسة لمن تروي و تشكي همومها، لا يحتاج الزائر إلى كثير من البحث ليدرك أن شيئا غير طبيعي يحدث هنا.
السيد الخديري نائب رئيس جمعية الودات، صرح للجريدة قائلا «تحدث اهتزازات مفاجئة، وتطايرغبار كثيف يغطي مساحة شاسعة ،نتيجة التفجيرات التي تتم داخل مقلع الحجر، الأمر الذي يحدث أضرارا جسيمة على مستوى المباني والمحاصيل الزراعية، بل كان لها ( التفجيرات ) أثر سلبي على الآبار و تلوث مياهها …».
مع كل تفجير، تتوقف الحياة لثوانٍ «نحسبها زلزلة»، تقول سيدة من دوار الخدير وهي تشير إلى جدار منزلها المتشقق ، الأطفال يهرعون إلى أحضان أمهاتهم، والمسنون يرددون الشهادتين، بينما يتساقط الغبار من الأسقف وكأن البيوت فقدت توازنها.
السكان يؤكدون أن وتيرة التفجيرات وحدتها تصاعدت بشكل مقلق، وأن كميات المتفجرات المستعملة، حسب تقديرهم، تفوق المسموح به، ما يحول كل عملية تفجير إلى لحظة رعب جماعي.

غبار «يهلك» الزرع قبل الإنسان

في الحقول المجاورة، تبدو آثار الغبار واضحة على أوراق الزيتون والصبار، فلاحون يشتكون من تراجع المحصول، ومن ذبول نباتات كانوا يعولون عليها كمصدر عيش وحيد،»“الأرض لم تعد تعطي كما كانت»، يقول فلاح من دوار الخدير، مضيفا أن الغبار لا يرحم لا الزرع ولا الماشية، وبأن الأمراض التنفسية بدأت تظهر بين السكان.

الآبار… من نعمة إلى ذكرى

غير بعيد عن المقلع، تقف آبار جافة شاهدة على تحول مأساوي ، سكان يؤكدون أن قوة التفجيرات أثرت بشكل مباشر على الفرشة المائية، فتضررت الآبار وجف بعضها نهائيا ، «كنا نشرب من هنا»، يقول أحدهم وهو يشير إلى بئر مهجورة، «اليوم نبحث عن الماء كما يُبحث عن الذهب». في منطقة تعاني أصلا من الجفاف والهشاشة، يشكل فقدان الماء ضربة قاسية لعشرات الأسر، التي باتت تعتمد على جلب المياه من مناطق بعيدة.

مقلع بلا سياج… خطر مفتوح

خلال الجولة، يظهر بوضوح أن أجزاء من المقلع غير مسيجة، رغم خطورتها ، أعمدة إسمنتية نُصبت ولم يُستكمل العمل بها، وحفر عميقة مكشوفة، ما يجعل المكان مصدر تهديد يومي، خاصة للأطفال والرعاة.
جمعويون محليون يعتبرون أن الشركة المستغلة لم تلتزم بإعادة تهيئة الفضاء المتضرر، ولم تتخذ إجراءات جدية للحد من التشوهات البيئية الناتجة عن الاستغلال المتواصل.

شكايات و لجان تحل بالمقلع

السيد رئيس جمعية الودات للتنمية القروية، يؤكد أن الجمعية والساكنة وجهوا شكايات رسمية إلى وزارة الداخلية ووزارة التجهيز والماء، و أنه بناء عنها تم ايفاد لجنة تشكلت من عدة جهات معنية، و قامت بمعاينة المقلع، كما حضرت عملية التفجير قصد تفتيت الأحجار، و الاطلاع بعين المكان عن قوة الاهتزاز الذي تحدثه . وحسب رئيس الجماعة وممثل السلطة « خليفة القائد « فقد وضعت اللجنتان تقاريرها، وأوصتا بعدم القيام بعملية التفجير إلا بحضورها، حرصا على سلامة و أمن الساكنة .

الرسالة الأخيرة: لسنا ضد الاستثمار

ورغم كل ما سبق، يصر السكان على توضيح موقفهم «لسنا ضد الاستثمار»، يرددون بصوت واحد، «نحن فقط نطالب باحترام القانون، ودفتر التحملات، وحقنا في السكن الآمن والماء والعيش الكريم». الساكنة تناشد السلطات الوصية فتح تحقيق ميداني عاجل، وإيفاد لجنة تقنية مستقلة للوقوف على حجم الأضرار، وترتيب المسؤوليات، قبل أن تتحول التشققات في الجدران إلى انهيارات، وقبل أن يصبح العطش واقعا دائما.
في تامدة، لا يطالب الناس بالمستحيل… فقط يريدون أن يعيشوا دون خوف، وأن لا يكون ثمن الاستثمار هو كرامتهم وأمنهم اليومي. صاحب المشروع ، بدوره نقلنا له هموم الساكنة و انشغالاتها، و كذا الأسئلة التي تؤرق بالها، فكان رده مقتضبا مفاده، أن الشركة قامت باقتناء رشاش مائي كبير سيمكن في الحد من تطاير الغبار، وبأن التفجيرات هي تفجيرات عادية وتحترم ما ينص عليه دفتر التحملات، معربا عن استعداده للحوار مع الساكنة التي وحسب قوله ينتمي اليها …..

على سبيل الختم

ونحن نستعد لمغادرة دوار الخدير بالجماعة الترابية تامدة في حدود الساعة الواحدة بعد الزوال، أكد المتضررون، في ختام حديثهم، أن مطلبهم الأساسي لا يتمثل في توقيف الاستثمار، بل في إخضاعه لاحترام القانون ودفاتر التحملات، وضمان حقهم في السكن الآمن والعيش الكريم، في منطقة تعتمد أساسا على الفلاحة البورية والرعي، وتُصنف ضمن أكثر المناطق هشاشة على المستوى الإقليمي.


الكاتب : أحمد مسيلي

  

بتاريخ : 25/12/2025