قرر الزعماء الأوروبيون الجمعة في مؤتمر في بروكسل مضاعفة تمويلهم لقوة افريقية مشتركة تتصدى للمجموعات الجهادية في منطقة الساحل لكن الزعماء الافارقة نبهوا إلى ضرورة وصول الأموال بسرعة لضمان فعاليتها.
واعلن الاتحاد الاوروبي 50 مليون يورو إضافية (61 مليون دولار) لقوة مجموعة دول الساحل الخمس، خلال مؤتمر في بروكسل حضره قادة دول المجموعة وهي بوركينا فاسو وتشاد ومالي وموريتانيا والنيجر. ويتخطى بذلك إجمالي الدعم المالي الذي تعهد به مانحون دوليون مبلغ 410 ملايين يورو.
غير أن جزءا بسيطا من تلك الأموال متوافر حاليا للانفاق، وقال رئيس النيجر محمدو ايسوفو، الرئيس الحالي لمجموعة الساحل إن الاموال ضرورية لمواجهة مقاتلي تنظيم الدولة الاسلامية الذين يتم إخراجهم من ليبيا وسوريا.
وحذر ايسوفو ورئيس مفوضية الاتحاد الافريقي موسى فقي محمد من أن الفوضى في ليبيا حيث تتناحر ميليشيات متنافسة وقبائل وجهاديون للسيطرة على النفوذ، تغذي عدم الاستقرار في منطقة الساحل. وطالبا بجهود دولية لارساء السلام في الدولة الغنية بالنفط.
وقال ايسوفو «إن الأزمة الليبية كانت كما نعلم، فتيل تدهور الحالة الأمنية في الساحل، ويوما بعد يوم تساهم في تفاقمها».
وقال «يجب أن نضع حدا لهذه الفوضى باستعادة سلطة الدولة الليبية على كامل اراضيها».
اجتماع الجمعة الذي حضره 32 زعيما بينهم الرئيس الفرنسي ايمانويل ماكرون والمستشارة الألمانية انغيلا ميركل، تخلله دقيقة صمت تكريما لجنديين فرنسيين من قوة مكافحة الارهاب في غرب افريقيا، قتلا في انفجار لغم لدى مرور آليتهما العسكرية في شمال شرق مالي الأربعاء.
ويأتي الهجوم وسط تصعيد للهجمات يطرح تحديا أمام الدول الخمس وهي من الأفقر في العالم وتشكل رأس الحربة في الحرب ضد الجهاديين.
ويأمل الاتحاد الاوروبي بان تساعد تلك الاموال المخصصة لتحسين الوضع الأمني والاقتصادي في المنطقة، في وقف تدفق اللاجئين الساعين وراء حياة افضل في الجانب الآخر من البحر المتوسط والحؤول دون ان تصبح منطقة الساحل منصة للهجمات الجهادية على الغرب.
وتسعى قوة مجموعة الساحل لتدريب وتجهيز 5 آلاف جندي محلي للقيام بدوريات في مناطق مضطربة واستعادة السلطة في مناطق خارجة عن القانون. وإضافة الى محاربة المتشددين تتصدى تلك القوة لشبكات التهريب والهجرة غير الشرعية التي تنشط في المناطق الشاسعة والنائية على اطراف الصحراء الكبرى.
وقال ايسوفو «إن مقاتلين من داعش تم إخراجهم من ليبيا وسوريا يلجأون إلى منطقة الساحل، لذا من الضروري ان يتم جمع الاموال الموعودة في أسرع وقت».
وقد أنشأت القوة مقرا ومركز قيادة ونفذت عمليتين، بدعم فرنسي، في منطقة «المثلث الحدودي» بين مالي والنيجر وبوركينا فاسو.
ومن المقرر أن تصبح تلك القوة عملانية بالكامل في منتصف 2018 وان تنضم إلى 4 آلاف جندي فرنسي في المنطقة إضافة الى قوة حفظ السلام الدولية في مالي (مينوسما) والبالغ عديدها 12 ألف عنصر.
ويبلغ إجمالي قيمة التعهدات المالية لتلك القوة 414 مليون يورو، بحسب وزيرة خارجية الاتحاد الاوروبي فيديريكا موغيريني، لكن فقط 50 مليون يورو منها متوافرة حاليا.
في افتتاح المؤتمر قال رئيس المفوضية الأوروبية جان-كلود يونكر إن «الأمن والتنمية يجب ان يترافقا» في منطقة الساحل، التي تناهز مساحتها مساحة الاتحاد الاوروبي وحيث خمس عدد السكان لا تتوافر لديهم موارد غذاء يمكن الاعتماد عليها.
وكانت الكتلة قد رصدت نحو ثمانية مليارات يورو بشكل مساعدة تنمية للساحل من 2014 لغاية 2020، فيما تعهدت فرنسا دفع مبلغ 1,2 مليار يورو في السنوات الخمس المقبلة والمانيا 1,7 مليار يورو.
وقالت موغيريني أن مزيدا من التعهدات متوقعة من دول منفردة مضيفة «ندفع يوميا ثمن عدم وجود السلام».
اضافة إلى قادة الاتحاد الاوروبي والامم المتحدة، حضرت نحو 12 دولة اخرى ممثلة بوزراء خارجيتها منها السعودية والنروج والمغرب وتونس.
مشاركة مغربية
وقد شارك وزير الشؤون الخارجية والتعاون الدولي ناصر بوريطة، ببروكسل، في هطا الذي خصص لتعزيز الدعم الدولي لبلدان هذه المنطقة في مجالات الأمن والتنمية.
وأوضح بوريطة أن مشاركة المملكة المغربية في هذا الاجتماع الهام تأكيد للدور والمبادرات التي يقوم بها جلالة الملك محمد السادس في هذه المنطقة .
وذكر الوزير بأن جلالة الملك قام بحوالي عشر زيارات للبلدان الخمسة في منطقة الساحل، تم خلالها إطلاق مبادرات ملموسة في عدد من المجالات همت على الخصوص تكوين الأئمة والأمن الغذائي والتعاون العسكري والأمني ومحاربة الهشاشة الاجتماعية.
وسجل بوريطة أن « صوت المغرب، الذي له معرفة جيدة بما يقع في المنطقة، يحظى بالمصداقية « مشيرا إلى أن المملكة كانت من بين البلدان الأوائل التي اثارت الانتباه حول تدني الوضع الأمني في منطقة الساحل والصحراء.
وأضاف أن « المغرب كان من البلدان الأوائل التي أكدت على أهمية وضع مقاربة شمولية في منطقة الساحل، والتي يجب بالطبع أن تركز على البعد الأمني، لكن عليها أيضا الاهتمام بالتنمية الاقتصادية، والتطور الاجتماعي والتدهور البيئي في المنطقة «.
وأبرز الوزير أن مشاركة المغرب في هذا المؤتمر كانت مناسبة للتذكير بأن مبادرة دولية في منطقة الساحل والصحراء « ليست ترفا دبلوماسيا بل ضرورة «.
وقال إن منطقة الساحل والصحراء مستنقع تنمو فيه مختلف أشكال التهريب، مشيرا إلى أن أمن الساحل ينعكس اليوم مباشرة على شمال إفريقيا وأوروبا.
وأضاف أن المغرب أكد خلال هذا المؤتمر على أن منطقة الساحل والصحراء يجب أن تخرج من « منطق الابتزاز « مضيفا أن « نظريات التفرد في هذه المنطقة برهنت عن محدوديتها وأن المبادرات الدولية والتعاون الإقليمي وحدهما قادرين على رفع التحديات في هذه المنطقة.
وذكر الوزير بأن الساحل كان وعلى مدى سنوات عديدة « تحت وصاية البعض الذين لم يريدوا لهذه المنطقة أن تعود إلى الاستقرار «.
وأعرب بوريطة عن أسفه « لتحول الساحل، التي كانت أرض اللقاء والعلوم والديانات، إلى منطقة للتهريب والإجرام والإرهاب بسبب حسابات ضيقة « مشيرا إلى أن المغرب، ومن خلال تذكيره بهذا السياق التاريخي وضع تشخيصا لما يحدث في هذه المنطقة.
السعودية هي اكبر ممول
و تعد السعودية هي اكبر ممولي هذه القوة بعد تعهدها بمبلغ 100 مليون يورو، فيما قدمت دولة الامارات 30 مليون يورو والولايات المتحدة 60 مليون دولار.
تتدخل فرنسا، القوة الاستعمارية السابقة، عسكريا في مالي منذ 2013 لمساعدة القوات الحكومية على طرد جهاديي القاعدة من مناطقها الشمالية.
وتم إخراج المتشددين من معظم المناطق الريفية لكنهم يواصلون شن هجمات من قواعد لهم في الصحراء.
وأعلنت وزيرة الجيوش الفرنسية فلورونص بارلي، عن إيقاف نشاط قرابة 450 «جهاديا» منذ انطلاق العملية الفرنسية الرامية إلى صد الإرهاب «بارخان» في غشت من سنة 2014 بمنطقة الساحل.
وأوضحت الوزيرة، عبر صحيفة «لوباريزيان»، أنه جرى خلال الإثني عشر شهرا المنصرمة، القضاء على 120 «جهاديا»، وإعادة 150 آخرين أحياء إلى السلطات المالية.
وكانت عملية «برخان»، التي تلت أخرى مسماة «سيرفال»،التي انطلقت 11 يناير 2013، قد عبئت 4000 جندي فرنسي في خمسة بلدان على شريط منطقة الساحل تروم صد المجموعات الجهادية، إلى جانب جيوش بلدان مجموعة القوة المشتركة الخمس التي تضم كلا من موريتانيا ومالي وبوركينافاصو والنيجر وتشاد.
ومنذ انطلاق عملية «برخان»، لقي 12 عسكريا فرنسيا مصرعهم، من ضمنهم اثنان لقيا مصرعهما الأربعاء الماضي قرب مدينة «غاو» شمال مالي، وذلك في انفجار لغم لحظة مرور سيارتهم المدرعة، في حين كان عشرة جنود قد لقوا مصرعهم من قبل في عملية «سيرفال».
وامتدت اعمال العنف من شمال مالي إلى الوسط والجنوب وصولا الى بوركينا فاسو والنيجر.