الباحث والخبير الاقتصادي الدكتور إبراهيم المنصوري في حوار عن تراجع النمو بعد كورونا والسياسات البديلة وأخطاء وزارة الصحة في حساب مؤشر Ro

بسبب كورونا والجفاف سيتراجع النمو بالمغرب إلى 4,8-

بصم   الخبير والباحث الاقتصادي الدكتور ابراهيم المنصوري هذه الفترة الموسومة بأزمة كوفيد 19 بمجموعة من الدراسات العلمية التي نشرت بعدد من المجلات العلمية الدولية، و التي أثارت الانتباه بقوتها التوقعية بخصوص مستقبل الاقتصاد الوطني بعد هذه الأزمة ونسبة النمو المتوقعة في ظل تداعيات الجائحة، ونمذجة التطور الوبائي لكورونا بالمغرب والتنبؤ بتوقيت السيطرة عليه وفق دالة رياضية، أو بخصوص التشكيك في مدى عقلانية قيمة مؤشر Ro المحددة من قبل وزارة الصحة. وهي المحاور التي نتناولها معه في هذا الحوار. و د. ابراهيم منصوري، أستاذ العلوم الاقتصادية بكلية العلوم القانونية والاقتصادية والاجتماعية التابعة لجامعة القاضي عياض بمراكش؛ منسِّق مجموعة البحث التي شكلها المعهد الملكي للدراسات الاستراتيجية بالرباط حول آثار الإصلاحات الاقتصادية والاجتماعية والسياسية على التنافسية العامة للمغرب. نشر مقالات علمية متعددة في مجلات وطنية ودولية وساهم في مجموعة من المؤلفات  في مجالات مختلفة باللغات العربية والفرنسية والانجليزية. شارك في مؤتمرات وندوات  علمية وطنية ودولية.

 ارتبط اسمكم في الأسابيع القليلة الماضية بدراستين علميتين نشرتهما مؤخرا :

الأولى حول توقعات النمو بالمغرب، و الثانية حول تطور الحالة الوبائية لفيروس كوفيد 19 بالمغرب وفق نموذج إحصائي مكنكم من توقع وصول بلادنا إلى تصفير عدد الحالات في متم يونيو المقبل، مثلما ارتبط بتدخلاتكم العلمية التي تشكك في دقة مؤشر Ro الذي أعلنت عنه وزارة الصحة من خلال مسؤوليها. سنبدأ حوارنا بدراستكم التوقعية حول نسبة النمو بالمغرب والذي تستنتجون أنه سيعرف تراجعا بنسبة 4,8- مختلفين بذلك عن توقعات المركز المغربي للظرفية وتوقعات البنك العالمي. كيف وصلتم لهذه النتيجة؟ وما هي العوامل التي اعتمدتموها في تحليلكم؟
ينبغي التذكير هنا أننا أولينا اهتماماً خاصاَ منذ سنوات لإشكالية توقعات المؤسسات الوطنية والدولية لمعدل النمو الاقتصادي في المغرب، لا سيما أن تلك التوقعات تختلف من مؤسسة إلى أخرى حسب النماذج القياسية (Modèles économétriques) المتبناة ونوعية المتغيرات (Variables) التي يدمجونها في تلك النماذج المعقدة. ونظرا لتجربتنا في استعمال أدوات الاقتصاد القياسي (Econométrie)، خاصة الاقتصاد القياسي العصري من اختبارات استقرار السلاسل الزمنية (Tests de rationalité des séries temporelles) واختبارات الاندماج المشترك (Tests de cointégration) ونماذج تصحيح الخطأ (Modèles à correction d’erreur) كما اختبارات السببية على المديين القصير والطويل (Tests de causalité à court et à long termes)، فإننا استغللنا معارفنا في هذا المضمار من أجل توقع معدل النمو الاقتصادي في المغرب، مع الأخذ بعين الاعتبار لتعاليم النظرية الاقتصادية، خاصة تلك التي تهتم بتفسير ظاهرة النمو الاقتصادي، بالإضافة طبعاً إلى الأخذ بعين الاعتبار لخصوصيات الاقتصاد المغربي الذي تؤثر فيه دورات الجفاف وعوامل أخرى متعددة. وعليه، فإن توقعاتنا بالنسبة للسنوات الماضية كانت محقة إلى حدّ كبير بالمقارنة مع توقعات مؤسسات وطنية ودولية، مما يبين أن تخصيص نماذجنا القياسية (Spécification des modèles économétriques) كان صائباً على العموم. أما بالنسبة للدراسة التي توقعنا فيها نموا اقتصادياً سلبيا يناهز (-4,8%)، فقد قمنا بتقدير نموذج لتصحيح الخطأ من أجل تفسير التطور المرتقب للناتج المحلي الإجمالي الحقيقي (الناتج الداخلي الخام بالأسعار الثابتة) كدالة متعددة المتغيرات (Fonction à plusieurs variables)، مع العلم أن هذه المتغيرات المفسرة للنمو الاقتصادي في المغرب تتمثل في ما يلي:
حجم العمل (Volume du travail) المرتبط بمستوى التشغيل (Niveau de l’emploi)؛
مخزون الرأسمال في القطاعين الخاصّ والعامّ (Stock du capital dans les secteurs privé et public ) الذي يفسر تراكم الرأسمال داخل الاقتصاد الوطني، أي الاستثمار كمحرك للنمو الاقتصادي؛
مستوى الطلب الكلِّي الداخلي (Niveau de la demande globale intérieure) على السلع الاستهلاكية، خاصة المُعَمِّرة منها (Biens durables)، علما بأن الطلب الداخلي على السلع الاستثمارية يتضمنه مخزون الرأسمال في القطاعين الخاص والعام، كما هو مبين أعلاه؛
عائدات السياحة والصادرات وتحويلات المغاربة القاطنين بالخارج (Recettes du tourisme et des exportation et les transferts des RME) مجتمعة؛
المفعول المُركّب للتحرير التجاري والاستثمارات الأجنبية المباشرة (Impact composite de la libéralisation commerciale et des investissements directs étrangers)،
حدة الجفاف (intensité de la sécheresse) التي قدرناها على أساس متغير-دُمْية (Variable Dummy) حسب مردودية الحبوب (Rendement des céréales) التي تتأثر بدورها بكمية التساقطات المطرية ومدى انتظامها طوال السنة الفلاحية.
س ـ يمكننا أن نقول إنه بأخذ هذه المتغيرات بعين الاعتبار تمكنتم من حساب نسبة النمو المتوقعة، لكن السؤال الذي يفرض نفسه هنا، هو: هل جائحة كورونا تعتبر متغير إضافي؟
ج ـ بالرجوع إلى كل هذه المتغيرات المفسِّرة للنمو الاقتصادي في المغرب، ومع الأخذ بعين الاعتبار لآثار تفشي فيروس كورونا المتحور على تلك المتغيرات انطلاقاُ من استقراءاتنا للواقع والبيانات الرسمية في هذا الصدد، وبالاستناد إلى المعاملات المقدرة (Coefficients estimés) في نماذجنا القياسية لتصحيح الخطأ (Modèles à correction d’erreur)، ومع الأخذ بعين الاعتبار لنتيجتنا القياسية (Résultat empirique) التي توضح أن اتجاه منحنى الإصابات بفيروس كورونا إلى التصفير قد يحدث متمّ شهر يونيو أو بداية يوليوز، فقد تراءى لنا أن تفشي فيروس كورونا المستجدّ سيؤثر على المتغيرات من غير تلك التي ترتبط بالجفاف بواقع 0,6 نقطة مئوية بالنسبة لحجم العمل مقابل 0,95 و 1,3 و 1,9 و 0,85 نقط مئوية بالنسبة للطلب الاستهلاكي الداخلي ومخزون الرأسمال وعائدات السياحة والاستثمارات الأجنبية المباشرة وتحويلات المغاربة بالخارج والمفعول المركب للتحرير التجاري والاستثمار الأجنبي المباشر على التوالي. أما الجفاف فسيؤدي حسب تقديراتنا القياسية إلى خسارة في النمو الاقتصادي بمقدار 1,8 نقطة مئوية. إذن، وبالاعتماد على هذه الأرقام المستندة إلى نماذجنا القياسية لتصحيح الخطأ، وبما أن معدل النمو الاقتصادي للسنة الجبائية 2019 يقدر بحوالي 2,6%، فإن عين العقل تقول بأن معدل النمو الاقتصادي لعام 2020 سيكون هو «2,6 ناقص 1,8 ناقص مجموع آثار المتغيرات المرتبطة بتفشي فيروس كورونا، أي 5,6»؛ مما ينجم عنه في آخر المطاف: «2,6 ناقص 1,8 ناقص 5,6 يساوي -4,8»، أي أن معدل النمو الاقتصادي لسنة 2020 سيحوم حول -4,8%.

إذا ما كانت النسبة المتوقعة من قبلكم في النمو و المحددة في – 4,8 صحيحة، فما هي الآثار الاقتصادية و الاجتماعية المترتبة عنها؟ بمعنى ما هي نوعية المشاكل التي سيواجهها المغرب على المدى القريب والمتوسط على الأقل؟ و ما هي السياسات التي سيكون على الدولة تعديلها أو اعتمادها في ظل تداعيات هذه الوضعية المرتبطة بتراجع النمو و الأزمات المصاحبة لها؟
pp في خضم أزمة فيروس كورونا المتحوّر، يجب على الدولة بمعية كل الفاعلين المؤسساتيين وشبه المؤسساتيين وغير المؤسساتيين أولا وقبل كل شيء أن تبذل قصارى جهودها لتدبير أزمة تفشي الفيروس للخروج منها بأقل الأضرار البشرية، إذ أن الشعار الأسمى في هذا الوقت الذي لم نصل فيه بعد إلى ذروة تفشي الجائحة هو بالأساس «الصِّحّة أولا، ثم الاقتصاد ثانيا». إلا أن السير على هذا المنهاج لا يعني أننا يجب أن نتخلى عن الاقتصاد كشريان مركزي لعيش المواطنين والتماسك الاجتماعي، بل حتى للحفاظ على صحة الجميع، ما دام تحسين الخدمات الصحية يرتبط أساساً بالاقتصاد. وعلى هذا الأساس، فإن العناية بالقطاع الصحي في الزمن الكوروني مع المضي قدما في اتجاه إعانة المتضررين دون الاعتناء بالسير الأمثل لعجلة الاقتصاد قد تؤدي بنا إلى وضعية نجد فيها أنفسنا نوزع الندرة (Distribution de la pénurie). ويعني هذا بالطبع أن الدولة يجب أن تعمل على اشتغال القطاعات الرئيسية حتى تستطيع مدّ المواطنين بالسلع والخدمات الضرورية، مع السعي إلى الرفع التدريجي للقيود على النشاط الاقتصادي في انتظار تسطح منحنى الإصابات والعودة إلى حياة اقتصادية واجتماعية عادية. أود أن أشير أيضا إلى أن بلدان الجنوب، ومنها المغرب طبعاً، والتي ستنجح في تدبير أزمة فيروس كورونا المستجدّ بحنكة مع أقل الأضرار البشرية والمادية سيقف لها عالم ما بعد الجائحة بكل تقدير واحترام، وستنهال عليها الاستثمارات الأجنبية المباشرة كما الاستثمارات في المحفظة (Investissements en portefeuille) وجموع السيّاح. وفي هذا الإطار، تجدر الإشارة إلى أن التاريخ علمنا أن أعنف الأزمات هي التي أدت إلى تقويم سلوك الأمم وعقلياتها ودفعتها إلى الإبداع والابتكار. ولهذا، فإن المغاربة كلهم من أعلى هرم السلطة إلى المواطن البسيط مدعوون إلى اعتبار أزمة جائحة كورونا كمحرك للهِمَم وتجربة مثمرة قد نستفيد منها من أجل بناء مغرب جديد مفعم بتنمية اقتصادية واجتماعية حقيقية قد تشجع على تحسين أوضاع المواطنين وتبوء المغرب لمكانة أعلى بين الأمم. وفي هذا الصدد، أود أن أثير انتباه صانعي القرار في المغرب إلى أنّ عليهم مراجعة كل السياسات العمومية المتعلقة بالاقتصاد والاجتماع والسياسة والتعليم والبحث العلمي وغيرها. وعلى الخصوص، يبدو أن جائحة كورونا قد أعطتنا درساً مفيداً عندما أوحت إلينا بأن الاقتصاد الوطني المغربي يجب أن يسير على قدمين قويتيْن: السوق الداخلي والسوق الخارجي (Marchés intérieur et extérieur)، إذ يلاحظ المرء في خضم تفشي الفيروس اللعين أن الأزمة التي فرضها على أهم شركائنا التجاريين قد ضربت سياحتنا وصادراتنا وتحويلات مهاجرينا في مقتل، مما يعني أن تبعيتنا للبلدان المصنعة فيها خطر كبير على مستقبل الأجيال القادمة. وبالمثل، فإن جائحة كورونا علمتنا كما كان يقول الزعيم الصيني ماو تسي تونغ، أن اقتصادنا القومي يجب أن يسير على ساقين قوييْن: الفلاحة والصناعة، إذ يتضح للعيان في خضم هذه الأزمة أن التوفر على فلاحة مزدهرة وصناعة واعدة قد يمكننا من الاعتماد على أنفسنا عوض الوقوع في أزمة إمدادات بعد اندحار اقتصاديات الأقطار المصنعة وإغلاق بوابات النقل واللوجستيك عبر العالم.
 بخصوص تطور الوضع الوبائي لفيروس كورونا، كيف توصلتم إلى هذه النتيجة التي تفيد أن المغرب سيصل إلى تصفير عدد الحالات في متم يونيو المقبل، و هي النتيجة التي جاءت دراسة علمية أخرى نشرت بسنغفورة بأسابيع بعد نشر دراستكم، لتؤكد نفس النتيجة تقريبا؟
pp لقد عمدت إلى تقدير دالّة لعدد الإصابات بالاعتماد على البيانات الإحصائية المتوفرة كما على أحدث التقنيات المتاحة في ميدان تحليل السلاسل الزمنية (Analyse des séries chronologiques)، بالإضافة طبعا إلى انتقاء علمي للمتغيرات القادرة على تفسير عدد الإصابات بفيروس كورونا على مر الأيام. وفي هذا الإطار، اعتبرت أن عدد الإصابات بالفيروس المستجدّ تفسره ثلاث متغيرات رئيسية: الترند الخطي (Trend linéaire) والترند التربيعي (Trend quadratique) ومتغير مساعد جامع (Variable auxiliaire) يمكن من خلاله قياس آثار الإجراءات العمومية من عزل صحي وحالة طوارئ وإعادة تأهيل المنظومة الصحية على تفشي الفيروس، مع العلم أننا أدمجنا الترند التربيعي ضمن المتغيرات المفسرة لعدد الإصابات وذلك حتى نتمكن من الأخذ بعين الاعتبار للشكل الأسي (Forme exponentielle) لدالة عدد الإصابات. أما بالنسبة لشكل النموذج القياسي الذي عمدنا إلى تقديره باستعمال أحدث تقنيات الاختبار والتقدير فقد ارتأينا إلى أن نجسده بشكل غير خطي (Forme non linéaire)، وذلك حتى يتوافق مع طبيعة تفشي الفيروس نفسه. ومن أجل جعل ذلك النموذج صالحاً للتقدير بطريقة المربعات الصغرى العادية (Méthode des moindres carrés ordinaires) المستندة إلى مبرهنة غوس-ماركوف (Théorème de Gauss-Markov)، فقد استعملنا اللوغاريتم النيبيري على يسار ويمين المعادلة المعبرة عن دالة الإصابات، مع التعبير عن عدد الإصابات بالفرق الأولي للوغاريتم الطبيعي (Différence première du logarithme naturel du nombre de cas contaminés)، مادام هذا المتغير غير مستقر (Non stationnaire) حسب اختبار ديكي وفولر (Dickey and Fuller). بعد تخصيص نموذجنا القياسي وتقديره وإجراء مجموعة متنوعة من الاختبارات القياسية الأساسية، حاولنا حساب المشتقات الجزئية على المديين القصير والطويل، علما أن المشتقة الجزئية على المدى الطويل هي التي ستمكننا من معرفة التاريخ الذي سيتسطح فيه منحنى عدد الأصابات (Courbe du nombre de cas contaminés). وعليه، وبعد معرفة شكل المشتقة الجزئية على المدى الطويل بالنسبة لعامل الزمن، وبعد مساواتها مع الصِّفْر، تبين لنا أن المنحنى سيبدأ في التسطح متمً شهر ماي، ليبدأ تصفير عدد المصابين عند نهاية شهر يونيو أو بداية يوليوز. إلا أن المهتمين بهذا الأمر يجب عليهم أن يؤولوا نتائجنا الإمبريقية بحذر كبير، خاصة أن المغرب لم يقم باختبارات أكثر كثافة على المواطنين لمعرفة العدد الحقيقي للإصابات. ورغم كل هذا، فإننا نعتقد أن تاريخ تصفير منحنى عدد الإصابات في المغرب قد يحدث تقريباً في التاريخ الذي قدرناه، وربما مع بعض الفرق الطفيف، كأن يختفي الفيروس مثلا في النصف الأول من شهر يوليوز. قد يفهم القارئ المغزى مما أقول: إن الدراسات القياسية من النوع الذي قمنا به لا علاقة لها بالتنجيم وعالم «الشوافات»: إنما اعتمدنا في هذا الإطار على التقنيات المتطورة في الاقتصاد القياسي لنستشف من تاريخ البيانات التي اطلعنا عليها مستقبل فيروس كورونا المتحوِّر في بلادنا. فمن اجتهد وأصاب فله أجران، ومن اجتهد ولم يصب فله أجر واحد.

 أثرتم جدلا علميا حول دقة قيمة مؤشر Ro المعلن عنها من قبل مسؤولي وزارة الصحة، بل إنك وصفتها في إحدى تدويناتك بأنها قيمة لاعقلانية. أولا ماهي أهمية هذا المؤشر؟و كيف تحتسب؟ و ما هو السبب العلمي الذي يدفعك إلى التشكيك في القيمة المحددة من قبل الوزارة؟
أودّ أولاً ان أشير إلى أن هناك نماذج رياضياتية شتى لتقدير ما يسمى بمؤشر R0 الخاص بفيروس كورونا المستجدّ، مع العلم بالمناسبة أن كل فيروس له مؤشره الخاص به ومن نفس طينة R0. وفي هذا الإطار، يبدو لي أن المسؤولين يتحدثون عن هذا المؤشر الهام، بل يعطون أرقاما عنه، ولكن، ربما، دون أن يفهمواْ كنهه. فرئيس الحكومة، الأستاذ سعد الدين العثماني مثلا، وبعد التقرير اليومي الذي قدمه السيد محمد اليوبي، مدير الأوبئة بوزارة الصحة، نشر على حائطه الفيسبوكي رقما يقع بين 1,04 و 1,07، ثم زاد على الرقمين رمز (%). وفي الحقيقة، فإن مؤشر R0 يمكِّن من تقدير عدد الأشخاص الذين يستطيع كل مَكَوْفَد إصابته في المتوسط، ولذلك فليس من المعقول والعقلاني أن نزيد رمز النسبة المئوية لهذا المؤشر، خاصة أن قارئي تدوينات المسؤولين من البسطاء قد يعتقدون أن الأمر يتعلق بوثيرة تفشي الفيروس بالنسبة المئوية أو أي شيء من هذا القبيل. زد على ذلك أن قيمتي 1,04 و 1,07 تبدوان ضعيفتين جداً، وقد انصدمت أول مرّة حين قدم السيد محمد اليوبي، مدير الأوبئة بوزارة الصحة، هذين الرقمين دون أن يشير إلى مغزاهما ولا إلى الطريقة التي انتُهِجت لحسابهما.
إن كان الرقمان صحيحين فهذا يعني أن كل 100 مُكَوْرن يستطيعون في المتوسط أن يُكَوْفِدواْ معهم 104 إلى 107 شخص، وهذه وثيرة ضعيفة وغير مقبولة في خضم أزمة وبائية ما زالت بعيدة عن الذروة. زد على ما سبق أن حساب مؤشر R0 ليس من الأمور الهيِّنة إذ يجب على الراغبين في تقديره أن يكونواْ عارفين بغياهب الرياضيات والإحصاء، بالإضافة طبعا إلى معلومات إيبيديميولوجية حول الفيروس وطريقة تفشيه ومدى سرعة انتشاره بين الساكنة والعوامل التي يجب إدماجها عند القيام بحسابه، من قبيل معدل المتعافين ومعدل الوفيات ومتغيرات تقيس مدى تعريض الناس أنفسهم لخطر العدوى ومعدل الاتصال والتباعد بين الأفراد (Social Distancing) والمعدل المتوسط للتعرض للإصابة بالفيروس. وعلى العموم، فإن مؤشر R0 الطبيعي، أي في حالة انعدام أي عزل صحي أو حالة طوارئ، قد يصل إلى 4، أي أن كل مكورن سيستطيع كوفدة 4 أشخاص آخرين؛ مع العلم أن هذا المؤشر قد يصل إلى أكثر من 16 في حالة أمراض معدية أخرى كالحصبة (la rougeole) مثلا. على كل حال، ننتظر من القائمين على الإحصاء بوزارة الصحة أن يوضحواْ للرأي العام لماذا حصرواْ مؤشر R0 في قيم متدنية، فلربما يستعملون منهجية علمية لا نعرفها وقد يستفيد منها المهتمون. وبالأخذ بعين الإعتبار للعوامل المفسرة لتفشي الفيروس كما هي موضحة أعلاه، ودون إهمال الشكل الأسي لدالّة الإصابات، فقد قدرنا مؤشرR0 ليكون أكبر مما تقوله إحصائيات وزارة الصحة، مع العلم أن السيد رضوان يافيا، أستاذ الرياضيات بجامعة ابن طفيل، قد قدر نفس المؤشر في قيم أعلى بكثير مما قدرناه. إن تقديراتنا توافق حسابات السيد عز الدين إبراهيمي، مدير مركز التكنولوجيا الحيوية في كلية الطب والصيدلة بالرباط، الذي نبه إلى أن مؤشر R0 ليوم 24 أبريل الماضي وصل إلى 1,17، وهو نفس الرقم الذي قمنا بتقديره لليوم ذاته, أما الآن فتشير تقديراتنا إلى أن هذا المؤشر يلامس عتبة 1,13، مما يعني أننا ما زلنا بعيدين شيئا ما عن المستوى الذي سينزل فيه المؤشر إلى أقل من 1، وهذا هو المرغوب فيه إذا أردنا تخفيف العزل الصحي وحالة الطوارئ والاتجاه إلى محاصرة الفيروس.


الكاتب : أجرى الحوار: عبد الصمد الكباص

  

بتاريخ : 07/05/2020