بقلم الأستاذ عبد المجيد شكير
في صوتها بحة آسرة تسحر الأذن فتنقاد لها ذليلة، هي بحة قاهرة لا تقاوم، بحة تحمل جذورنا، عروقنا الدفينة في أعماق التربة المغربية، هي نعيمة المحروسة، نعيمة المصونة، سيدة الغناء المغربي نعيمة سميح والتي تحظى بشعبية كبيرة، إنها تتربع في قلوب الناس ملكة متوجة في عالم الطرب وأميرة محاطة بأكاليل الحب وبأوسمة التقدير، فوسط كل أصواتنا النسوية الغنائية تقف نعيمة شامخة تعلو على الكل حاملة بحتها الفطرية المشحونة بأوتار الوجدان المغربي.
كانت إطلالتها الأولى في بداية السبعينات من خلال مسابقة للهواة، وغنت آنذاك (الليل موال العشاق) لشريفة فاضل ثم احتضنها محمد بن عبد السلام فشدت على إيقاع ألحانه الشعبية الخفيفة (نوارة – فتح الورد – الله عليها قصارة – البحارة …)، وغاص عبد الرحيم السقاط بأسلوبه المرهف الحزين في أعماق بحتها فطلعت علينا تشدو بنبرة مفعمة باحساس مبحوح (الخاتم)، وبعد ذلك ستصدح بتحفتها الخالدة (جريت وجاريت)، وهي من توقيع الملحن عبد القادر وهبي، وفيها حلقت نعيمة عالية وهي تجوب الدنيا طولا وعرضا بحثا عن بلسم لجرحها، واسترخصت من أجله كل غال ونفيس، ولكن النزيف ظل متدفقا، لقد تجاوب الناس وجدانيا مع هذه الأغنية وعشقوها إلى أقصى حد، وفي كل مرة، في كل حفل، في كل عرض، يطلبها الجمهور ويردد الكل مع نعيمة، فلكل واحد جرحه الخاص، وكانت لها مع عبد القادر الراشدي المولع بإيقاعاتنا المغربية صولات وجولات (هذا حالي – غاب عليا لهلال – جاري – على غفلة …)، دون أن نسى قطعها الأخرى التي تصنع فيها المتعة وتمنح من خلالها السحر مثل (قتيب الخزران لعبد الله عصامي) (أمري لله لأحمد العلوي) هنا وهناك لإبراهيم العلمي) (أطلال الحب للمعطي البيضاوي) (صغيرة على الحب لعلي عاكف) (رحلة النصر لعبد الوهاب الدكالي) … وما أحلى صوتها وهي تردد اللحن العراقي (طالعة من بيت أبوها) واللحن المصري مع محمد الزيات (يا حلو ناد لي) أو أغنية المعطي بن قاسم (عذبت قلبي).
ما أكثر الأصوات النسوية المهاجرة إلى الشرق أو إلى الخليج بحثا عن الشهرة، ولا داعي لذكر الأسماء، ولكن نعيمة المعجونة بطين هذه الأرض، تصر على الالتصاق بالجذور التي احتضنتها، وعلى الارتماء في أحضان الجماهير التي منحتها منذ البداية الحب والاحترام والتقدير، وأما الخليجيون فقد أهدوها ألحانا زادت صوتها لمعانا وبحتها بريقا ومن أجمل ما شدت به (واقف على بابكم).
يجري العمر، ويضغط المرض من حين لآخر ولكن صوتها لا زال محتفظا (بحروف الزين) فكلما أطلت على جمهورها علا التصفيق واشتد الهتاف ورحب بها الحاضرون بالطريقة المغربية (صلا وسلام على رسول لله).