عادت محكمة الاستئناف ببني ملال، يوم الأربعاء 16 أبريل 2025، لتصدر حُكماً ببراءة المواطن موحى بني (المعروف بالحديديوي)، إثر إعادة محاكمته بعد قضائه لحوالي 5 سنوات من أصل 10 سنوات خلف القضبان بين سجني بني ملال وخنيفرة، هذا الحكم شكّل لحظة فارقة ونقطة نهاية لفصول من «الاعتقال الجائر» الذي سرق من حياة المعني بالأمر جزء من عمره في قضية تبيّن لاحقا أنها بُنيت على شهادات زور فبركها شهود جرت إدانتهم لاحقا بتهم تتعلق بالزور والإدلاء بشهادات كاذبة.
قضية موحى بني كانت قد عرفت تفاعلا واسعا، وشهدت حملات احتجاجية ومرافعات إعلامية ونداءات حقوقية للمطالبة بإنصاف الرجل، خاصة بعدما تبينت ثغرات خطيرة في ملفه القضائي، ورغم أن محكمة النقض سبق أن رفضت طلبه بمراجعة الحكم، فقد تقدمت المحامية الأستاذة فاطمة الصابري بطلب تطوعي جديد لدى المحكمة نفسها، مدعّما بوثائق جديدة تقطع ببراءة موكلها، وتُثبت تورط الشهود في جريمة شهادة الزور، ما مهد الطريق لموافقة المحكمة على إعادة فتح الملف وتحويله إلى غرفة أخرى بمحكمة الاستئناف ببني ملال.
ومن جديد، تم نقل موحى بني من سجن خنيفرة إلى سجن بني ملال ليتم عرض قضيته مجددا، وفي جلسة استثنائية استغرقت وقتا مطولا، ألقت الأستاذة الصابري مرافعة قانونية قوية سلطت فيها الضوء على مظلومية موكلها والمعطيات والتناقضات التي تثبت براءته، وأسفر ذلك عن النطق بحكم البراءة، لتنتهي سنوات من الظلم والحرمان، ويُفرج عن موحى بني في لحظة ضوء عند نهاية نفق مظلم، وقد بدا خلال الجلسة منهكا ونحيلا ولا يقوى على كبح دموعه، مرددا شكره لله وأنه لم يفقد الأمل في زنزانته.
خلال سنوات سجنه، عاش موحى بني مأساة إنسانية حقيقية، تسببت في تفكك أسرته، وتدهور حالته الصحية والنفسية، وحرمانه من حريته وكرامته، هذه الوقائع المؤلمة أعادت إلى الواجهة النقاش حول المسؤولية في رد الاعتبار وتعويض الضحايا المشابهين لحالة المعني بالأمر وفق ما ينص عليه الفصل 22 من الدستور المغربي الذي يقر بحق كل من تضرر مثله في الحصول على تعويض تتحمّله الدولة، باعتبارها ضامنة للعدالة والحقوق، خصوصا أن القضية سجلت متابعة شهود سبق الاستماع إليهم وحكم عليهم من أجل شهادة الزور.
ولم تمر لحظة الإفراج عن موحى بني دون أن تثير موجة من التفاعل على منصات التواصل الاجتماعي، حيث عبّر حقوقيون وإعلاميون ومدونون ومتتبعون للشأن العام عن ارتياحهم لحكم البراءة، مطالبين في الآن ذاته بضرورة تفعيل آليات المعاقبة الشديدة في حق أبطال الزور، لمنع تكرار مثل قضية موحى بني المضافة إلى القضايا التي راجعتها أنظمة العدالة في العالم، وانتهت بتبرئة متهمين قضوا سنوات في السجون ظلما، ما يجعل من هذه الحالة نموذجا مأساويا لكنه كاشف لحيوية الضمير القضائي وقدرته على تصحيح المسار، ولو بعد حين.
وقد شكّلت قضية هذا المواطن، المحكوم عليه بعشر سنوات سجنا نافذا تحت رقم اعتقال 41235 بالسجن المحلي بخنيفرة، محور نقاش متواصل على المستويين الحقوقي والإعلامي، حيث تحوّل ملفه إلى رمز لمعاناة ضحايا شهادات الزور، وقضيته ظلّت حاضرة في واجهة الجدل العمومي، خصوصا بعدما انكشفت خيوط شبكة شهود الزور التي سبق للنيابة العامة بالمحكمة الابتدائية بخنيفرة أن أصدرت أوامر بتفكيكها واعتقال بعض عناصرها، ما أثار تساؤلات ملحة بشأن مصير موحى بني، الذي تأكد للجميع أنه من أبرز ضحايا هذه الشبكة.
موحى بني بن يدير، المعروف بلقب «الحديديوي»، يبلغ من العمر 62 عاما، ويكسب قوت يومه من رعي الغنم وسط ظروف اجتماعية صعبة تعيشها أسرته الصغيرة، لم يكن في حسبانه أن شهادته في ملف ضد أحد ذوي النفوذ المحلي ستقلب حياته رأسا على عقب، بفعل مؤامرة دُبرت ضده من طرف أطراف نافذة في منطقته، عمدت إلى توظيف شهود زور لتوريطه في قضية اعتداء لم يرتكبها، وأشارت المعطيات إلى أن تلك الشبكة كانت تنشر الخوف بين الساكنة، مستغلة هيبتها لتلفيق التهم لكل من تجرأ على فضح ممارساتها أو التصدي لنفوذها.
تعود وقائع الملف إلى سنة 2020 حين تقدم عون سلطة بشكاية لدى الدرك الملكي بدعوى تعرضه لهجوم من طرف عصابة مجهولة، مشيرا إلى أنه تعرف على واحد فقط من المعتدين المزعومين، هو الراعي موحى بني، مستندا إلى شهادات من عناصر شبكة الزور، وبالرغم من أن المعني بالأمر كان متواجدا بمنطقة إملشيل، في مهمة رعي موسمية، فقد اعتُبر غيابه محاولة للفرار، ما دفع السلطات إلى إصدار مذكرة بحث وطنية بحقه، وعند علمه بذلك، سلّم نفسه طواعية إلى الدرك، متفاجئا من التهم الموجهة إليه.
وخلال التحقيق، نفى موحى بني كافة التهم المنسوبة إليه، غير أن معطيات الملف لم تكن كافية لإثبات براءته، خصوصا بعد رفض عون السلطة تسليم هاتفه لتفتيشه، بحجة ضياعه، ومع ذلك، حُوّلت قضيته إلى المحكمة، التي اعتبرتها جناية بعد أن كانت مجرد جنحة، ليُحكم عليه ابتدائيا بسنة واحدة، ثم يُرفع الحكم استئنافيا إلى 10 سنوات سجنا نافذا، تحت تهم ثقيلة كـ»تكوين عصابة، السرقة الموصوفة، التعدد، والعنف»، وقد أثار هذا الحكم موجة من التضامن الواسع مع المتهم من قِبل عدة منظمات حقوقية ووسائل إعلام وطنية.
وعلى ضوء هذا التضامن، بادرت النيابة العامة، في شخص وكيل الملك لدى ابتدائية خنيفرة، إلى إحالة الملف على مصالح الاستعلامات العامة، للكشف عن خلفياته الحقيقية، في وقت كانت فيه التطورات تسير نحو إثبات براءة المتهم، بعد الكشف عن «عصابة الزور» وتوقيف بعض أعضائها الرئيسيين، الذين أُدينوا بعقوبات اعتُبرت مخففة قياسا بحجم الضرر الذي تسببت فيه شهاداتهم الماكرة، ورغم قضاء المدانين لعقوباتهم، فإن موحى بني استمر في معاناته خلف الأسوار، متنقلا بين سجن بني ملال وخنيفرة، في انتظار جلاء الحقيقة ورد الاعتبار.
وتعالت الدعوات يوما بعد آخر للمطالبة بفتح تحقيق نزيه حول الملف، في ظل معاناة اجتماعية خانقة عصفت بأسرته، زوجته، ش. فاطمة، اضطرت إلى مغادرة بيتها نحو منطقة إغرم العلام للعمل في الضيعات الفلاحية بأجر زهيد لتأمين لقمة العيش، بينما اضطر ابنه القاصر للعمل في ضواحي مراكش، وفي خضم هذه المحنة، برز دور جهات حقوقية عدة تابعت الملف عن كثب، من ضمنها اللجنة الجهوية لحقوق الإنسان لجهة بني ملال-خنيفرة، التي قامت بزيارة موحى بني، يوم 21 مارس 2024، داخل السجن المحلي لخنيفرة، وأعدت تقريرا حول حالته.
وتبعت هذه الزيارة الميدانية وقفة احتجاجية نظمتها «الجمعية المغربية لحقوق الإنسان»، فرع خنيفرة، يوم 27 مارس 2024، تخللتها كلمات مؤثرة من ضحايا آخرين لشهادات الزور، بالإضافة إلى أفراد من عائلة موحى بني، الذين عبروا عن معاناتهم وأملهم في أن تنتهي محنته، فيما توجيه رسالة مفتوحة ومفصلة لوزير العدل، وقد تزامن كل ذلك مع إصدار المجلس الأعلى للسلطة القضائية لدورية تهدف إلى ضبط أداء الشهود أمام المحاكم عبر نظام معلوماتي جديد لتدبير القضايا الزجرية، كخطوة ترمي للحد من ظاهرة شهادة الزور.