o نجري معكم هذا الحوار بمناسبة مشاركتكم في الندوة التي نظمتها جامعة «مونديابوليس» في موضوع الطب النفسي عند الأطفال، فالمقصود بداية بهذا التخصص؟
n الطب النفسي عند الأطفال هو نفسه المتعلّق بالراشدين، مع خصوصيات مختلفة خاصة بالفئة العمرية منذ الولادة إلى غاية 18 سنة، أي عند الرضع والأطفال والمراهقين، وهو اختصاص بات معترفا به ومستقلاّ بذاته في المغرب منذ سنة 2008، ويهدف إلى المساهمة في خلق توازن عند الراشد مستقبلا من خلال التعامل مع حالته النفسية مسبّقا، كأسلوب وقائي عبر التشخيص المبكّر، ضمانا للحدّ من أية مضاعفات غير مرغوب فيها.
والتعامل مع الحالات المرضية لايقف عند الرضيع، الطفل أو المراهق لوحدهم بل يكون الاشتغال مع العائلة أيضا، علما أن بعض الحالات يكون التفاعل معها من خلال القضاء كالحالات المعنّفة والمعتدى عليها، في المفهوم الشمولي للاعتداء، أو من خلال المدرسة وكذا الجمعيات وغيرها…
o ما هي أبرز الإشكالات النفسية التي يكون الأطفال عرضة لها والتي تختلف عن نظيرتها عند الكبار؟
n هناك العديد من الحالات النفسية التي تختلف درجاتها عند الأطفال، ومنها التوحد الذي يصيب الإنسان مبكّرا أي في مرحلة الصغر، إلى جانب الارتباك عند الفراق، ومرض الدهان، فضلا عن تبعات التحرض والاستغلال الجنسي، التي هي عوامل اختطار لأمراض مختلفة، إلى جانب علل أخرى يكون الرضيع والطفل والمراهق عرضة لها. وهنا أود لفت الانتباه إلى مشكل يعتقد الكثيرون أنه له صلة بكبار السن فحسب، وهو الانهيار العصبي، والحال أن الأطفال هم بدورهم يصابون به، بل وكذلك الرضع، خاصة حين يكون هناك فراق طويل عن الأم.
وهناك بعض الأمراض المرتبطة بفترة المراهقة، ومنها دائما الانهيار العصبي، الانحرافات السلوكية، تعاطي المخدرات والإدمان، الأمراض الدهانية …
o هذه الحالات هل يتعامل معها الطبيب النفسي لوحده أم تتطلب تدخلات أخرى؟
n العلاج في الطب النفسي لايكون مرتبطا بالطبيب النفسي المعالج لوحده، وإنما يشمل كذلك المروضين حسّ حركيين، المروضين اللغويين، المحللين النفسانيين، دون إغفال الجانب المتعلّق بالتربية الخاصة، وتكمن أهمية الطب النفسي في كونه هو صمّام أمان يهدف إلى الوقاية أكثر منه إلى العلاج.
o هل هناك إحصائيات عن إصابات الأطفال بعلل نفسية في المغرب؟
n ليست هناك أرقام مضبوطة، لكننا ننطلق من مؤشرات تقريبية، بالنظر إلى المعدلات المتعارف عليه، إذ تؤكد منظمة الصحة العالمية أن ما بين 10 و 20 في المئة من الأطفال والمراهقين هم يعانون من أمراض نفسية، وإذا ما أخذنا هذه النسبة ووقفنا عند رقم تم تداوله والمتعلّق بكون مليون و271 ألف شخص أقلّ من 18 سنة هم يعيشون في الدارالبيضاء، فإننا سنكون أمام ما بين 130 و260 ألف حالة مرضية في صفوف الرضع والأطفال والمراهقين على صعيد العاصمة الاقتصادية لوحدها.
وهنا أود أن أشير إلى أننا نستقبل في المصلحة التي أشرف عليها بالمركز الاستشفائي الجامعي ابن رشد حوالي 500 طفل ومراهق في الشهر الواحد الذي يفدون إلى المؤسسة من أجل التشخيص والعلاج.
o ماهي أبرز تداعيات الحالات النفسية التي تصيب الصغار؟
n هناك مجموعة من التبعات التي تترتّب عن الإصابة النفسية للمريض، ومن بينها على سبيل المثال لا الحصر، الانحرافات السلوكية بالنسبة للمراهقين، الفشل والهدر المدرسي، غياب الدينامية والفعل الاجتماعي، ويمكن أن تتطور الحالة ويترتّب عنها إقدام الشخص، طفلا كان أو مراهقا، على الانتحار.
o هل الموارد البشرية والبنيات الاستشفائية هي قادرة على التعاطي مع أعداد الحالات المرضية التي أشرتم إليها؟
n للأسف هناك خصاص متواصل على مستوى الموارد البشرية فعدد الأطباء المتخصصين هو لايتجاوز 40 طبيبا، 20 منهم مايزالون في طور التكوين، بالمقابل هناك مصلحة واحدة تتوفر على الطب السريري في الدارالبيضاء خلافا للمصلحة المتواجدة بالرباط والتي تهمّ الطب اليومي، في حين تغيب مصالح مماثلة على الصعيد الوطني، فضلا عن الخصاص أيضا في أعداد المحللّين النفسانيين، والمروضين اللغويين، والمروضين حسّ حركيين.
o أمام هذا الوضع بماذا توصون؟
n يجب أن تتوفر البنيات الاستشفائية، وعلى رأسها مراكز القرب للصحة التي هي المسلك الأول للعلاجات، على متخصصين ومروضين للتعامل مع الحالات التي تعاني من أعراض نفسية، حتى يمكن للحالات التي ترد على المستشفيات في مستويات أخرى أن تجد سبيلها للعلاج بعيدا عن الاكتظاظ وجملة الإكراهات المختلفة، إضافة إلى ضرورة المساهمة الجماعية في التحسيس والتوعية بطبيعة الأمراض النفسية عند الطفل وخطورتها، التي لايجب أن تقف عند حدود الأطباء ومؤسسات الدولة، بل يجب أن تعرف انخراط كل الفاعلين والمكونات، إعلامية وجمعوية وغيرها. وإلى جانب ماسبق يجب الاعتراف بمهام وخدمات المحللّين النفسانيين والمروضين بصفة عامة، وان تطون خدماتهم معوّض عنها من طرف مؤسسات التأمين، للتخفيف عن أسر المرضى الأعباء المادية التي قد تكون سببا في تقاعس عدد كبير على اصطحاب أبنائهم إلى الطبيب المختص.
(*) أستاذة جامعية للطب النفسي عند الأطفال والمراهقين، رئيسة مصلحة الطب النفسي للأطفال والمراهقين بمستشفى الأطفال عبد الرحيم الهاروشي بابن رشد