تصور ديداكتيكي من أجل إدراج المكون العبري في مقررات التاريخ المدرسي
بالعودة إلى ديباجة الدستور المغربي لسنة 2011 ومقارنتها بنظيرتها لدستور 1996 يتضح أن المغاربة ملكا وحكومة و شعبا والمؤسسات المنبثقة عنه توافقوا على ضرورة إعادة النظر في مفهوم ومكونات الهوية المغربية؛ فإذا كانت ديباجة دستور 1996 تكتفي بكون : ” المملكة المغربية دولة إسلامية ذات سيادة كاملة، لغتها الرسمية هي اللغة العربية، وهي جزء من المغرب الكبير . وبصفتها دولة إفريقية، فإنها تجعل من بين أهدافها تحقيق الوحدة الإفريقية .“ فإن دستور المملكة لسنة 2011 عرج على النقطة الخاصة بروافد الهوية المغربية مضيفا؛ المكونات الأمازيغية والحسانية والعبرية كروافد تفسر الصورة الآنية لهذه الهوية، والتي تبلورت منذ عصور غابرة من الزمن (قبل الفتح الإسلامي للمغرب) فجاءت الصياغة على النحو الآتي : “المملكة المغربية دولة إسلامية ذات سيادة كاملة، متشبثة بوحدتها الوطنية والترابية، وبصيانة تلاحم وتنوع مقومات هويتها الوطنية، الموحدة بانصهار كل مكوناتها، العربية – الإسلامية، والأمازيغية، والصحراوية الحسانية، والغنية بروافدها الإفريقية والأندلسية والعبرية والمتوسطية. كما أن الهوية المغربية تتميز بتبوإ الدين الإسلامي مكانة الصدارة فيها، وذلك في ظل تشبث الشعب المغربي بقيم الانفتاح والاعتدال والتسامح والحوار، والتفاهم المتبادل بين الثقافات والحضارات الإنسانية جمعاء.“
يتضح من خلال مقارنة سريعة بين الديباجتين أن تفعيل و أجرأة مضامين الدستور لا يمكن أن تتم في ظل البرامج الحالية لمكون التاريخ ومكون اللغة العربية والتربية الإسلامية لأن مواضيعها لا تترجم روح هذه الوثيقة الدستورية السامية ، مما يدعونا كفاعلين تربويين، وشركاء في إصلاح منظومة التربية والتكوين إلى ضرورة المشاركة في تجويد المقررات الدراسية ، وعقد الآمال على كل الفاعلين، كل حسب موقعه، لمسايرة هذا الإصلاح والتسريع من وتيرة إنجازه على أرض الواقع .
ولعل مشروعنا هذا، الذي لقي دعم اللجنة العلمية ونوهت به سواء على مستوى جديته وأصالته وتتبعته بالنصح والارشاد، وتقويم ما اعوج منه، سطرت له أهداف وغايات منذ كان مجرد فكرة، ويمكن تحديد أهدافه في ما يلي :
التشبث بقيم التسامح، والإيمان بقيم التعدد الثقافي باعتبارهما ضرورة ملحة للوطنية الصالحة.
تربية الناشئة وتلقينها بأن اليهود المغاربة ساهموا بالإيجاب وأحيانا بالسلب إما في فرملة التاريخ المغربي أو تطويره من خلال ظاهرة الحماية القنصلية أو النشاط السياسي للوطنيين اليهود المغاربة الذين ساهموا في الدفاع عن استقلال المغرب.
الانفتاح على مناهج التاريخ الجديد، وما بعد التاريخ الجديد مع ضرورة تطبيقها و أجرأتها في الممارسة الديداكتيكية بتسليط الأضواء على المهمشين في التاريخ، وإبراز أدوارهم المتكتم عنها (حالة اليهود المغاربة) مثلا.
تعد مسألة حوار الحضارت فكرة للجمع بين الحضارات المختلفة على أساس أرضية مشتركة للتفاهم على مستوى شعوب الأرض. ويعد روجيه جارودي أول من أطلق عبارةـ حوار الحضارات، ولهذا الغرض تم عقد العديد من المؤتمرات، وتأسيس الجمعيات، والمؤسسات الداعية لترسيخ سياسة الحوار، والتفاهم، والتعايش السلمي بدلا من الصدام وتبني العديد من الكتَّاب هذه النظرية، ودعوا إلى تنمية الحوار بين العالم الإسلامي، والغرب حتى يمكن لكل طرف أن يتفهم الآخر ويتعايش معه. وقد حددت الأمم المتحدة عام 2001 مناسبة لحوار الحضارات، وعينت مندوبا متخصصا لهذا المنصب . وبناء عليه فإن مقررات التاريخ والتربية الاسلامية واللغة العربية لا تستجيب لهذا الطرح في بعض الجوانب منها، وهو ما يستدعي ضرورة تنقيحها وتجويدها تماشيا مع السياسة الدولية، والإقليمية الداعمة لمشروع حوار الحضارات بدل صراعها كما نص على ذلك المفكر صامويل هاتنغتون Samuel Phillips Huntington.
إن الدروس الملقنة للتلاميذ بما فيها مقررات التاريخ لا يمكن أن تؤكد على فكرة حوار الحضارات بشكل جدي ومستوعب بالنسبة للناشئة بالسلك الثانوي الإعدادي؛ فإذا كان حوار الحضارات في أبسط تعريف له هو ” التشاور والتفاعل الثقافي بين الشعوب، والقدرة على التكيف مع الأفكار المخالفة، والتعامل مع جميع الآراء الثقافية، والدينية والسياسية. تتعدد أهداف الحوار الحضاري، ومنها التعارف والتواصل والتفاعل والاحتكاك الحضاري كوسيلة أساسية لتجنب الصراعات. فإن دروسا مثل الحروب الصليبية، والحربين الكونيتين، وما حدث زمن الصراع القطبي بين المعسكرين الاشتراكي والرأسمالي لا يمكن بتاتا أن يقنع ناشئة تتراوح أعمارها بين 13 و18 سنة بجدية حوار الحضارات في ظل الصراعات بين المسلمين في شبه الجزيرة العربية أو اغتصاب الأراضي الفلسطينية على يد الصهاينة، أو ما تتعرض له سوريا واليمن اليوم من حروب تستهدف المدنيين، وبالتالي فمقاربة موضوع الحروب يجب أن تتم بطرق ووسائل بديلة تغيب لدى هذه الناشئة تراكمات الماضي التي ورثوها أبا عن جد.
التنوع الثقافي :
هو السمة المميزة لمجتمعات العالم؛ فكل بلد يتوفر على تجانس ثقافي أو لغوي أو ديني مطلق، وهذا التنوع هو ما يطبع كل مناحي الحياة البشرية، في اللغات واللهجات والعادات والتقاليد والمعتقدات وغير ذلك. كما يفيد التنوع الثقافي الاختلافات القائمة بين المجتمعات الإنسانية في الأنماط الثقافية السائدة فيها، ويتجلى هذا التنوع في أصالة وتعدد الهويات المميزة للمجتمعات التي تتألف منها الإنسانية. وعلى هذا الأساس أصبح التنوع حقا من الحقوق التي تطالب بها الأقليات، واستجابة لهذا الغرض من طرف المنتظم الدولي صدرت العديد من الوثائق والمرجعيات الحقوقية الدولية التي تكرس الحقوق الثقافية واللغوية، وإذ نذكّر بأن ديباجة الميثاق التأسيسي لليونسكو تنص على أن ” … لما كانت كرامة الإنسان تقتضي نشر الثقافة وتنشئة الناس جميعاً على مبادئ العدالة والحرية والسلام، فإن هذا العمل بالنسبة لجميع الأمم يُعدّ واجباً مقدساً ينبغي القيام به في روح من التعاون المتبادل”. وإذ يشير إلى الأحكام المتعلقة بالتنوع الثقافي وممارسة الحقوق الثقافية الواردة في الوثائق الدولية التي أصدرتها اليونسكو؛ ويؤكد من جديد أن الثقافة ينبغي أن يُنظر إليها بوصفها مجمل السمات المميزة، الروحية والمادية والفكرية والعاطفية، التي يتصف بها مجتمع أو مجموعة اجتماعية وعلى أنها تشمل، إلى جانب الفنون والآداب، طرائق الحياة، وأساليب العيش معاً، ونظم القيم، والتقاليد، والمعتقدات. ويلاحظ أن الثقافة تحتل مكان الصدارة في المناقشات المعاصرة بشأن الهوية، والتماسك الاجتماعي وتنمية اقتصاد قائم على المعرفة. ويؤكد أن احترام تنوع الثقافات، والتسامح، والحوار، والتعاون، في جو من الثقة والتفاهم، هي خير ضمان لتحقيق السلام والأمن الدوليين. ويتطلع إلى مزيد من التضامن القائم على الاعتراف بالتنوع الثقافي وعلى الوعي بوحدة الجنس البشري وتنمية المبادلات في ما بين الثقافات. ويرى أن عملية العولمة التي يسهلها التطور السريع لتكنولوجيات الإعلام والاتصال الجديدة، وإن كانت تشكل خطراً على التنوع الثقافي، فهي تهيئ الظروف الملائمة لإقامة حوار مجدد في ما بين الثقافات والحضارات.
وإدراكاً منه للمهمة المحددة التي عهدت إلى اليونسكو في إطار منظومة الأمم المتحدة، والمتمثلة في صون وتعزيز التنوع المثمر للثقافات؛ أعلن على المبادئ التالية و اعتمد الإعلان الحالي:
الهوية والتنوع والتعدد
المادة 1 – التنوع الثقافي بوصفه تراثاً مشتركاً للإنسانية
تتخذ الثقافة أشكالا متنوعة عبر المكان والزمان. ويتجلى هذا التنوع في أصالة وتعدد الهويات المميزة للمجموعات والمجتمعات التي تتألف منها الإنسانية. والتنوع الثقافي، بوصفه مصدراً للتبادل والتجديد والإبداع، هو ضروري للجنس البشري ضرورة التنوع البيولوجي بالنسبة للكائنات الحية. وبهذا المعنى يكون التنوع الثقافي هو التراث المشترك للإنسانية، وينبغي الاعتراف به والتأكيد عليه لصالح الأجيال الحالية والأجيال القادمة.
المادة 2 – من التنوع الثقافي إلى التعددية الثقافية
لا بد في مجتمعاتنا التي تتزايد تنوعا يوماً بعد يوم، من ضمان التفاعل المنسجم والرغبة في العيش معاً في ما بين أفراد ومجموعات ذوي هويات ثقافية متعددة ومتنوعة ودينامية. فالسياسات التي تشجع على دمج ومشاركة كل المواطنين تضمن التماسك الاجتماعي وحيوية المجتمع المدني والسلام. وبهذا المعنى تكون التعددية الثقافية هي الرد السياسي على واقع التنوع الثقافي. كما أن التعددية الثقافية التي لا يمكن فصلها عن الإطار الديمقراطي، مواتية للتبادل الثقافي ولازدهار القدرات الإبداعية التي تغذي الحياة السياسية.
المادة 3 – التنوع الثقافي بوصفه عاملا محركا للتنمية
إن التنوع الثقافي يوسع نطاق الخيارات المتاحة لكل فرد؛ فهو أحد مصادر التنمية، لا بمعنى النمو الاقتصادي فحسب، وإنما من حيث هي أيضا وسيلة لبلوغ حياة فكرية وعاطفية وأخلاقية وروحية مرضية.
التنوع الثقافي وحقوق الإنسان
المادة 4 – حقوق الإنسان بوصفها ضمانا للتنوع الثقافي
إن الدفاع عن التنوع الثقافي واجب أخلاقي لا ينفصل عن احترام كرامة الأشخاص. فهو يفترض الالتزام باحترام حقوق الإنسان والحريات الأساسية، وخاصة حقوق الأشخاص المنتمين إلى أقليات، والمنتمين إلى جماعات السكان الأصليين. ولا يجوز لأحد أن يستند إلى التنوع الثقافي لكي ينتهك حقوق الإنسان التي يضمنها القانون الدولي أو لكي يحدّ من نطاقها.
المادة 5 – الحقوق الثقافية بوصفها إطاراً ملائماً للتنوع الثقافي
الحقوق الثقافية جزء لا يتجزأ من حقوق الإنسان، وحقوق الإنسان عالمية ومتلازمة ومتكافلة. ويقتضي ازدهار التنوع المبدع التحقيق الكامل للحقوق الثقافية كما حُددت في المادة 27 من الإعلان العالمي لحقوق الإنسان وفي المادتين 13 و 15 من العهد الدولي الخاص بالحقوق الاقتصادية والاجتماعية والثقافية. وبناء على ذلك ينبغي أن يتمتع كل شخص بالقدرة على التعبير عن نفسه وإبداع أعماله ونشرها باللغة التي يختارها، وخاصة بلغته الأصلية. ولكل شخص الحق في تعليم وتدريب جيدين يحترمان هويته الثقافية. وينبغي أن يتمتع كل شخص بالقدرة على المشاركة في الحياة الثقافية التي يختارها وأن يمارس تقاليده الثقافية الخاصة، في الحدود التي يفرضها احترام حقوق الإنسان والحريات الأساسية.
المادة 6 – نحو تنوع ثقافي متاح للجميع
إلى جانب كفالة التداول الحر للأفكار بالكلمة والصورة، ينبغي الحرص على تمكين كل الثقافات من التعبير عن نفسها والتعريف بنفسها. ذلك أن حرية التعبير، وتعددية وسائل الإعلام، والتعددية اللغوية، والمساواة في فرص الوصول إلى أشكال التعبير الفني، والمعارف العلمية والتكنولوجية، بما في ذلك المعارف في صورتها الرقمية، وإتاحة الفرصة لجميع الثقافات في أن تكون حاضرة في وسائل التعبير والنشر، هي كلها ضمانات للتنوع الثقافي.
التنوع الثقافي والإبداع
المادة 7 – التراث الثقافي بوصفه مصدراً للإبداع
إن كل إبداع ينهل من منابع التقاليد الثقافية، ولكنه يزدهر بالاتصال مع الآخرين. ولذلك لا بد من صيانة التراث بمختلف أشكاله وإحيائه، ونقله إلى الأجيال القادمة كشاهد على تجارب الإنسان وطموحاته، وذلك لتغذية الإبداع بكل تنوعه وإقامة حوار حقيقي بين الثقافات.
المادة 8 – السلع والخدمات الثقافية بوصفها متميزة عن غيرها من السلع والخدمات
في مواجهة التحولات الاقتصادية والتكنولوجية الحالية، التي تفتح آفاقا فسيحة للإبداع والتجديد، ينبغي إيلاء عناية خاصة لتنوع المنتجات الإبداعية والمراعاة العادلة لحقوق المؤلفين والفنانين وكذلك لخصوصية السلع والخدمات الثقافية التي لا ينبغي اعتبارها، وهي الحاملة للهوية والقيم والدلالة، سلعاً أو ممتلكات استهلاكية مثلها مثل غيرها.
المادة 9 – السياسات الثقافية بوصفها حافزاً على الإبداع
إلى جانب ضمان التداول الحر للأفكار والمصنفات، ينبغي أن تكفل السياسات الثقافية تهيئة الظروف المؤاتية لإنتاج ونشر سلع، وخدمات ثقافية متنوعة، وذلك عن طريق صناعات ثقافية تملك الوسائل اللازمة لإثبات ذاتها على الصعيدين المحلي والعالمي. ويرجع لكل دولة، مع احترام التزاماتها الدولية، أن تحدد سياساتها الثقافية وتنفذها بأفضل الوسائل التي تراها، سواء بالدعم التنفيذي أو بالأطر التنظيمية الملائمة.
التنوع الثقافي والتضامن الدولي
المادة 10- تعزيز القدرات على الإبداع والنشر على المستوى الدولي
إزاء أوجه الاختلال التي يتسم بها في الوقت الحاضر تدفق وتبادل الممتلكات الثقافية على الصعيد العالمي ينبغي تعزيز التعاون والتضامن الدوليين لكي يتاح لجميع البلدان، وخاصة البلدان النامية والبلدان التي تمر بمرحلة انتقالية مثل المغرب، إقامة صناعات ثقافية قادرة على البقاء والمنافسة على المستوى الوطني والدولي.
المادة 11- إقامة شراكات بين القطاع العام والقطاع الخاص والمجتمع المدني
لا يمكن لقوى السوق وحدها أن تكفل صون وتعزيز التنوع الثقافي الضامن للتنمية البشرية المستديمة. ويجدر في هذا الإطار التأكيد من جديد على الدور الأساسي الذي تؤديه السياسات العامة، بالتشارك مع القطاع الخاص والمجتمع المدني.
المادة 12- دور اليونسكو
تقع على عاتق اليونسكو، بحكم رسالتها ومهامها، مسؤولية ما يلي:
أ ـــ التشجيع على مراعاة المبادئ المنصوص عليها في هذا الإعلان عند إعداد استراتيجيات التنمية في مختلف الهيئات الدولية الحكومية؛
ب ــ الاضطلاع بدور الهيئة المرجعية والتنسيقية فيما بين الدول والمنظمات الدولية الحكومية وغير الحكومية والمجتمع المدني والقطاع الخاص، من أجل الصياغة المشتركة للمفاهيم والأهداف والسياسات المراعية للتنوع الثقافي؛
ج ــ مواصلة نشاطها التقنيني وعملها في مجال التوعية وبناء القدرات، في المجالات ذات الصلة بهذا الإعلان والداخلة في نطاق اختصاصها؛
د ــ المساعدة على تنفيذ خطة العمل التي ترد خطوطها الأساسية مرفقة بالإعلان الحالي.
الملاحظ إذن ومن خلال قراءة متأنية ويقظة لبنود هذا الاعلان أنه يوفر أرضية خصبة للحق في التنوع الثقافي الذي أصبح من حقوق المواطنة الصالحة، ولعل هذا من شأنه التقليل من وثيرة وخطورة الفكر المتطرف، وكبح غمار كراهية الآخر التي هي سمة تميز المجتمعات العربية والمجتمعات الغربية المتعصبة .
المتغيرات الدستورية بالمغرب:
هناك خطوة تؤكد مُضي المملكة المغربية في تكريس مبدأ المواطنة كمحدد رئيسي لجميع رعاياه بغض النظر عن دياناتهم أو أصولهم العرقية، وعلى هذا الأساس يعتزم تنظيم انتخابات تمثيلية ليهود المملكة لم تجر منذ ما يزيد عن نصف قرن. وتأتي هذه المكتسبات الجديدة كنتاج لتصور العاهل المغربي الملك محمد السادس الذي طالب في الأشهر الأخيرة بالتسريع في إنجاز ذلك سعيا منه لإعادة تنظيم لجان الجماعات اليهودية المغربية وفق ما نصت عليه مقتضيات مرسوم ملكي مؤرخ في 7 مايو 194
وقد نظمت منذ الاعلان عند ستور 2011 عدة موائد مستديرة ومؤتمرات دولية كما شهدت الساحة البحثية انجاز عدة اطاريح تتخذ من اليهود المغاربة موضوعا لها ومناهج مختلفة ويعتبر أندري ازولاي اليهودي المغربي ابن مدينة الصويرة والذي يشغل منصب مستشار الملك محمد السادس نصره الله واحدا ممن انكبت جهودهم للتعريف بالمكون العبري كعنصر حاضر في المتغيارات الدستورية ولهذا الغرض تم تنظيم الايام اليهودية المغربية بمدينة باريس للحديث عن هذه المستجدات التي شهدتها الساحة السياسية انطلاقا من مضامين الدستور المغربي الجديد
ومن جانبه اكد أندري أزولاي مستشار صاحب الجلالة، بباريس أن المكون اليهودي يشكل عنصر غنى في تاريخ المغرب وهويته، مبرزا أن دستور 2011 يكرس هذا المعطى. وأضاف أزولاي الذي كان يتحدث في افتتاح الأيام اليهودية المغربية، التي تنظم تحت الرعاية السامية لصاحب الجلالة الملك محمد السادس، أن دستور 2011 يؤكد وحدة المغرب التي تتناغم فيها المكونات العربية والاسلامية والأمازيغية والصحراوية الحسانية التي غذتها وأغنتها الروافد الافريقية والاندلسية والعبرية والمتوسطية. مؤكدا أن الدستور المغربي يؤكد على مساهمة اليهودية بالمغرب مضيفا “نحن البلد الوحيد الذي يقر هذه الحقيقة قولا وتدوينا”.وأضاف أن اليهود المغاربة فخورون بمغربيتهم واحتفظوا بها حيثما يعيشون.
كما أبرز أزولاي على العلاقة الجدلية بين الإسلام واليهودية بالمغرب، مضيفا أن العديد من المغاربة المسلمين أنجزوا أعمالا ومؤلفات حول تاريخ اليهودية بالمملكة.
هذا المعطى الجديد في دستور المملكة المغربية يزيد من التأكيد على توقها، إلى جعل أرضها أرض تسامح وتعايش بين المسلمين والمسيحيين واليهود ومختلف الأقليات، ويأتي في إطار تنفيذ أمر وجهّه العاهل المغربي الملك محمد السادس الذي طالب في الأشهر الأخيرة، بتنظيم انتخابات الهيئات التمثيلية للجماعات اليهودية في البلاد، التي لم تُجر منذ حوالي خمسين عاما.
الرؤية الاستراتيجية لإصلاح التعليم:
تعد الرؤية الاستراتيجية مرجعا بالنسبة لنا ومحفزا لانتقاء هذا المشروع من بين المشاريع الأخرى التي نشتغل عليها، وإذا كان الهدف منها هو الإسهام في تقييم السياسات والبرامج العمومية في مجالات التربية والتكوين والبحث العلمي انطلاقا من التقرير التحليلي الذي أعدته الھیئة الوطنية للتقییم سنة 2014 حول “تطبیق الميثاق الوطني للتربية والتكوين 2013 / 2000: المكتسبات والمعیقات والتحديات”. انطلاقا من الأسس والمرجعيات الاتية :
الدستور الجديد في ما يتعلق بالتربية و التكوين-الخطابات الملكية -الميثاق الوطني كاطار مرجعي للإصلاح-الاتفاقيات والمواثيق الدولية.
كذا أسس ومرجعيات العمل المتمثلة في ما يلي :
تقارير و أعمال لجان المجلس الأعلى-تقارير المجلس حول تقييم تطبيق الميثاق -المساهمات الكتابية للأحزاب السياسية والنقابات و الخبراء و مؤسسات المجتمع المدني-الاستشارات و المشاورات واللقاءات الجهوية للمجلس حول تأهيل المدرسة المغربية-عرض المشرفين و وزراء التربية الوطنية -رصيد المجلس من التقارير والدراسات و الآراء-المقارنات على الصعيد الدولي.
كما سطرت الرؤية الاستراتيجية غايات وأهدافا متمثلة فيما يلي:
بناء مواطن صالح أينما حل وارتحل يتميز بمايلي :
متمسك بالثوابت الدينية و الوطنية و المؤسساتية بالمغرب-متحل بقيم المواطنة و فضائل السلوك المدني-ذو تكوين متكامل بين تحصيل وبناء المعارف-وكذا بناء مجتمع متكامل الوظائف بناء على مايلي :
ملائمة وظائف المدرسة مع متطلبات المشروع المجتمعي الديمقراطي-جعل المدرسة في عمق الدينامية المجتمعية وسياستها العمومية-مواكبة و استدماج تحولات العالم و مستجداته.
أما على مستوى مبادئ الرؤية الاستراتيجية فإنها لم تخرج عن السياق الآتي :
الثوابت الدستورية-الهوية المغربية-مبادئ حقوق الانسان-منظومة التربية هي رافعة التنمية البشرية.
وتعد الرافعات ( 16ـــ17ــ 18 ) المتضمنة في كتاب الرؤية الاستراتيجية أهم ما يجيب عن مشروعنا و ما يزيد من الضرورة الملحة لإعادة النظر في المقررات التي تلقن لتلامذة المغرب في التعليم العمومي والخصوصي؛ فالرافعة السادسة عشر التي تلح على ضرورة “ملاءمة التعلمات والتكوينات مع حاجات البلاد ومهن المستقبل والتمكين من الاندماج” لا يمكن أجرأتها على أرض الواقع بدروس متجاوزة لا تساير التحول الذي عرفته المدرسة التاريخية بالغرب، والتي مكنت المجتمع من الاعتزاز بتاريخه ومواكبة مستجداته ففي فرنسا مثلا؛ يعد التاريخ المكون الثاني بعد التربية على السلوك المدني. وبخصوص الرافعة السابعة عشر والتي تؤكد على ضرورة “تقوية الاندماج السوسيوثقافي” فالناشئة اليوم يصعب عليها الاندماج في مجتمع يعرف تناقضات بين ما يتم تلقينها داخل حجرات الدرس وما يعيشه بشكل يوم في الحي والمنزل والمجتمع بصفة عامة. و نفس الشيء يتعلق بالرافعة الثامنة عشر والتي تؤسس إلى “ترسيخ مجتمع المواطنة والديمقراطية والمساواة” و الرافعة الواحدة والعشرين التي تطمح إلى ضرورة ” تعزيز تموقع المغرب ضمن البلدان الصاعدة” وهذا لن يتأتى في ظل المقررات الحالية .
وخلاصة القول يتضح أن الرؤية الاستراتيجية للتربية والتكوين 2015-2030، جاءت بأوراش كبرى تستهدف الأجيال الحالية والمقبلة، بهدف تحقيق نقلة نوعية في إصلاح التربية والتكوين في أفق المدى القريب والمتوسط والبعيد، غايتها إرساء وترسيخ مدرسة جديدة تقوم على الإنصاف وتكافؤ الفرص، والجودة للجميع، والارتقاء الفردي والمجتمعي، باعتبارها غايات مثلى للتربية والتكوين. لكن يبقى التفعيل والتدبير الناجع لهذه المشاريع والغايات، والمشاركة الفعالة لكل الفاعلين. وضمن هذا الصدد يأتي هذا المشروع البحثي للمساهم في تنزيل أوراش الرؤية الاستراتيجية وتفعيلها أهدافها على ارض الواقع.
-أهمية البحث:
تكمن أهمية هذا المشروع البحثي في مايلي :
راهنية الموضوع: حيث يعالج جملة من القضايا ذات الصلة بالتعدد الثقافي والعلاقة بالآخر، والتربية على التسامح.
جدة الموضوع وأصالته: بحيث يعتبر من المواضيع الأصيلة والمسكوت عنها والتي لم يبق التطرق إليها على حد علمنا.
البعد العملي: لن يتم الاكتفاء بالجانب التشخيصي، بقدر ما تم التركيز أيضا على الجانب الاقتراحي والتجريبي.
البعد المنهجي: الارتكاز على نظرية التمثلات الاجتماعيىة، اعتماد طرق علمية قائمة على المقارنة الأفقية والعمودية لجملة من العناصر الفاعلة في الممارسة الديداكتيكية.
4. منهج البحث ووسائله:
3 النتائج المتوقعة والمرجوة من هذا المشروع البحثي:
إغناء البحث التربوي التدخلي بمصوغات تعلمية قابلة للتجريب، ووضعها رهن إشارة الأساتذة، والمؤطرين التربويين.
الإسهام في تطوير الممارسة التربوية للأساتذة في ما يتعلق بالتربية على التعدد الثقافي، والحق في الاختلاف، وهو ما سينعكس ايجابا على تمثل المتعلمين لثقافة احترام الاختلاف والقبول بالآخر والتشبع بقيم التسامح…
إدماج تاريخ الأقليات في برامج التاريخ من شأنه خلق انسجام مع مستجدات المدرسة التاريخية الجديدة، مما سيحبب المادة لدى الناشئة، ويضع قطيعة مع التصور الكلاسيكي للتاريخ الذي يرتكز على الجانب السياسي والعسكري ويهمش مواضيع أخرى كتاريخ الأقليات.
الاستجابة لروح مضمون الدستور الذي نص في ديباجته على اعتبار المؤثرات العبرية رافدا من روافد الثقافة المغربية كما يتماشى مع رافعات الرؤية الاستراتيجية كمدخل من مداخل الاصلاح.
الفصل بين المعطى الصهيوني، والمعطى العبري المغربي على اعتبار أن الأول لا يمُتُّ بصلة مع الثاني؛ هذا الأخير تطور في بيئة مغربية إسلامية متسامحة عبر العصور وبخاصة مع الدولة العلوية الشريفة.
خلاصة وتركيب الدراسة التشخيصية والتجريبية:
هيمنة البعد الإسلامي العربي والأمازيغي.
يشير تحليل التباين الأحادي أنوفا (Anova) للفروق بين متوسطات الأساتذة بخصوص أبعاد الهوية المغربية إلى عدم وجود تباينات ذات دلالة إحصائية عند مستوى الدلالة 0,05 .
بالاعتماد على اختبار شيفيه Scheffe’Testهناك بعض التبيانات بين أساتذة اللغة العربية والتربية الإسلامية من جهة وأساتذة التاريخ من جهة ثانية.
وانطلاقا من هذه الاختبارات المعتمدة عن طريق علمية إحصائية حديثة خلص مشروع البحث إلى تأكيد الفرضية المركزية:
الانطلاق من مبادئ التربية على التنوع الثقافي والحق في الاختلاف، يمكن التأسيس لنموذج ديداكتيكي، من شأنه الإسهام في تنمية قيم ومواقف إيجابية لدى المتعلم بخصوص اليهود المغاربة.
أثر إيجابي للمتغير المستقل: المصوغة التعلمية.
اكتساب وتدقيق المعارف الثقافية
تنمية قدرات المقارنة البيثقافية
تنمية مشاعر إيجابية تجاه اليهود المغاربة.
تنمية مواقف إيجابية بخصوص اليهود والاختلافات الثقافية.
مقترحات وتوصيات البحث:
على مستوى تجويد الكتب المدرسية:
ضرورة تنقيح الكتب الحالية من الإشارات التي ترسخ لدى المتعلم تمثلات واتجاهات سلبية تجاه الاختلافات الثقافية بمفهومها الشامل.
بالنسبة لكتب التربية الإسلامية: تجاوز المقاربة الإثنومركزية، والإيديولوجية المدحية/ الدفاعية وتأسيس مقاربة جديدة تتجاوز منطق “التربية الإسلامية” نحو مقاربة أخرى تعتمد تدريس الحدث الديني.
ضرورة انفتاح كتب التاريخ على مكونات الهوية المغربية بمدلولها المتعدد، حتى تستجيب الكتب الحالية لوظيفتها الاجتماعية الرامية إلى بناء وعي حقيقي بأبعاد الهوية المغربية.
على مستوى تكوين الأساتذة:
بتخصيص وحداث تكوينية في مجال التربية على التنوع الثقافي سواء في إطار التكوين الأساسي أو المهني.
تعزيز دور هيئة التأطير التربوي.
توصيات أخرى:
تمكين الأندية التربوية خاصة النوادي الخاصة بحقوق الانسان والمواطنة، وأندية التراث من الوسائل الكفيلة بأداء دورها في ترسيخ قيم التنوع الثقافي.
انفتاح المدارس التعليمية على المتاحف والمراكز الثقافية خاصة تلك التي تبرز جوانب من الثقافة المغربية، ومنها على سبيل المثال المعهد الملكي للثقافة الأمازيغية، أو متحف الثقافة اليهودية المغربية، ويمكن تحقيق ذلك عبر تنظيم الرحالات إليها، أو عبر شراكات مؤسساتية.
اعتماد مقاربة متعددة التخصصات: تعزيز التنسيق بين الباحثين في مجالات البحث الأكاديمي ونظرائهم في البحث التربوي.
(*) أستاذ باحث في التاريخ الديني والانثربولوجية الثقافية
الأكاديمية الجهوية للتربية والتكوين سوس- ماسة
عضو الهيئة العامة للمجلس الأعلى للقيم وتطوير برامج التعليم (الأردن)