التصوف المغربي ودوره في أسلمة دول افريقيا جنوب الصحراء 5 : مؤسس الطريقة التيجانية حل بالمغرب فاراًُّْ من بطش وجور العثمانيين

لعبت اللغة العربية دورا كبيرا في أسلمة جزء كبير من دول إفريقيا جنوب الصحراء، وتجلى ذلك في كون هذه البقاع انتشرت بها الكثير من الطرق الصوفية المبنية على الاعتدال الذي هو عماد المذهب المالكي المنتشر على نطاق أوسع في دول المغارب، والملاحظ أن اتصال العرب بإفريقيا جنوب الصحراء حدث منذ أقدم العهود، فاليمن القديمة وصل نفوذها السياسي إلى القرن الإفريقي والحبشة، كما كانت علاقة غرب إفريقيا بشمالها قديمة، ونظرا لأن إفريقيا تأسست بها دول و ممالك ذات جذور عربية إسلامية، فقد كان لذلك دور كبير في تطور اللغات الإفريقية كلغات هجينة عربية، وقد لعب في هذا أيضا دور التصاهر بين العرب و الأفارقة، أضف إلى ذلك الدور الحاسم للعلاقات التّجارية التي كانت وسيطا بين الدول العربية ونظيرتها الوثنية.
يعتبر ميلاد الإسلام، وتطوّر الحضارة المرتبطة به نقطة تحول حاسمة أعادت إلى الحساب ماضي التّأثير العربي لغة وثقافة؛ ليصل العمق الإفريقي وأقاصي الغرب منه.وعلى هذا الأساس فاللّغة العربية لم تكن مجهولة عند الأفارقة، وإن كان معظمهم لا يتقنونها، ولكنّها كانت فقط مجرد لغة للتّفاهم مثل اللغات الأخرى. غير أن ظهور الاسلام باللسان العربي انتقل بهذه اللغة من مجرد لغة للحديث إلى لغة مقدسة. ونتيجة لذلك ، تأثرت العديد من اللغات العالمية باللغة العربية ، وكان من بينها اللغات الإفريقية بصفة عامة. ويعتبر التصوف العنصر الأساسي الذي أشاع الثقافة العربية في هذه البقاع وبخاصة التصوف التجاني السني الذي وجد إقبالا لم يعهد له نظيرا مقارنة مع الطرق الصوفية الأخرى. تحاول هذه الدراسة البحثية الاجابة عن سؤال محوري؛ كيف ساهم التصوف التجاني في أسلمة إفريقيا جنوب الصحراء؟ وكيف ساهم في نشر اللغة العربية على نطاق واسع خاصة وأنه اعتمد في متونه على المذهب المالكي والعقيدة الأشعرية؟

 

ب/ الإسلام الشعبي وتراجع الإسلام العالم من خلال نموذج الطريق التجانية:
كرست الطرق الصوفية ثقافة الإسلام الشعبي المختلط في الأوساط التي تجذرت فيها،والتي كانت مرتبطة بطقوس وعادات منافية لتعاليم الإسلام القويم، ومن خلال المتون الصوفية المحلية يتضح لنا هذا التصور بشكل جلي، وكمثال عن ذلك النصوص التي خلفها الحاج عمر الفوتي التي نفهم منها أن «الإسلام أصبح مرادفا للتصوف ببلاد السودان خلال القرنين 18و 19 م».
أصول الطريقة التجانية :
تنتسب الطريقة التجانية إلى مؤسسها سيدي أحمد التجاني (1765ـ1815) الذي حل بالمغرب فارا من بطش وجور العثمانيين أنصار القادريين، الذين أغاروا عليه أكثر من مرة بمنطقة عين مَاضِ غرب لْغْواط بالجزائر. وقبل استقراره بفاس التقى في زيارته الأولى بمدينة وجدة رفيقه «علي حرازم برادة» وفيما بعد التقى «بابن المْشْرِي» كاتما أسراره؛ فالأول هو مؤلف كتاب «جواهر المعاني» الذي يعد الوثيقة المرجعية لعموم التجانين بربوع العالم، والثاني ألف كتاب «الجامع لما افترق من دررالعلوم الفائضة من بحر القطب المكتوم» والذي قيل عنه الشيء الكثير.والملاحظ أن الطريقة التجانية فرضت نفسها على باقي الطرق والفقهاء من خلال مسلماتها التي قامت عليها وهي، عدم الجمع بين الطرق والشيوخ ومنع زيارة الأضرحة، ولو على سبيل التبرك،وخَتْمِيَة الطريقة للطرق ومؤسسها للأولياء السابقين واللاحقين، كما أن وردها ملقن للمؤسس من طرف الرسول يقظة لا مناما باعتهبارهشيخه وأبيه كما يقول هو، وأن نسبهالجينيالوجي يعود إلى «الحسن بن علي بن صالح» بسند صحيح. وفي نفس الوقت اضطرت هذه المسلمات سيدي احمد التجاني إلى مواجهة المنافحين للطريقة بكل مااوتي من علمي الظاهر والباطن.
لم يعلن سيدي أحمد التجاني على طريقته ولم يكشف المستور إلا بعد تمكنه من علوم القرآن والحديث وفنون السجال والمبارزة الفكرية ، وهنا لابد من الإشارة على ان السياحة الصوفية لعبت دورها في تكوين هذا الشيخ فالمراسلات تثبت انه تلقن العديد من الطرق التي اذن له فيها أصحابها. فأول رحلة له إلى مدينة فاس كانت سنة 1758 أي زمن السلطان سيدي محمد بن عبد الله ، ولعل اختياره لهذه المدينة نابع من اشعاعها الفكري والادبي والعلمي . وأثناء رحلته هذه التقى بعدة رموز للفقه والتصوف أهمهم، مولاي الطيب بن سيدي اليلمحي (ـ1180ه) وهو القائم بأشغال الزاوية الوزانية وقد أذن له في الطريقة، وفي بني وانجل التقى بالشيخ سيدي محمد بن الحسن الونجلي(ت1185) والذي أخبره بطريقة المكاشفة وأخبره بأنه سيصل القطبانية ، وفي فاس التقى بالولي الصالح سيدي عبد الله بن سيدي العربي المعني (ت 1188) كما اخذ عن أحمد الطواش الملامتي (ت1204) وأخذ كذلك القادرية بفاس والناصرية بعد لقائه بسيدي أحمد بن عبد الله التزاني والصديدقية عن سيدي الحبيب بن محمد الغماري (ت1165). ومهما قيل عن هذه الفترة الحاسمة في مسار سيدي أحمد التجاني إلا أن المصادر لاتسعفنا لمعرفة المدة التي قضاها مرتحلا قبل العودة إلى مسقط رأسه. وبعدها شد الشيخ الرحال إلى بلاد الحجاز عبر مصر وكان يأخذ عن الأولياء والمتصوفة أينما حل وارتحل غير أن أهم حدث يمكن تسجيله خلال هذه المرحلة هو لقاؤه بالشيخ الأكبر لمصر سيدي محمد الكردي والذي بشره بأنه له أكثر مما طلب في إشارة إلى مابعد القطبانية. وفي مكة التقى بالشيخ أبي العباس سيدي أحمد الهندي، وسيدي محمد بن عبد الكريم السمان والذي أخبره بكونه هو القطب الجامع، وبعد هذه الرحلة واثناء عودته من الديار المقدسة إلى المغرب ثم إلى مسقط رأسه بعين ماض، وبالضبط بأبي سَمْغُون، أدرك الشيخ القطبانية والوَلاية سنة1781 م . وهذه النقطة لا تجادل فيها المؤلفات التجانية.
تجمع المؤلفات التجانية وبخاصة تلك التي ألفت في حياة الشيخ أن الذي أَذِن له في الطريقة التجانية هو الرسول صلى الله عليه وسلم حيث سمح له بتلقين الخلق على العموم والإطلاق، كما عين له الورد الذي يلقنه وذلك عبر مرحلتين. وخلال هذا التاريخ أمره الرسول صلى الله عليه وسلم بأنه مربيه وواسطته مع الله مما يفيد اقتناع الشيخ بقطع أواصره مع الشيوخ الذين أخذ عنهم، وحسب علي حرازم برادة في كتابه «جواهر المعاني «فإن الرسول صلى الله عليه وسلم خاطبه قائلا :» فأنا واسطتك ومددك …فاترك عنك جميع ماأخذت من جميع الطرق …والزم هذه الطريقة من غير خلوة ولا اعتزال عن الناس حتى تصل مقاما كالذي وعدت به من غير ضيق ولاحرج ولاكثرة مجاهدة واترك عنك جميع الأولياء».

 

 


الكاتب : ربيع رشيدي

  

بتاريخ : 16/04/2022