التعليم و ضرورة تجنب البناء على «جرف هار ..»

يقول تعالى : (( أَفَمَنْ أسس بُنْيَانَهُ عَلَىٰ تَقْوَىٰ مِنَ اللَّهِ وَرِضْوَانٍ خَيْرٌ أَم مَّنْ أَسسَ بُنْيَانَهُ عَلَىٰ شَفَا جُرُفٍ هَار..  )) سورة التوبة
جرف :  يقال للمكان الذي يأكله السيل فيجرفه
إن دلالات البنيان عامة تتجاوز منطوق الآية  وسبب نزولها التي لها علاقة بمسجد الضرار  الذي اسس بغرض الفتنة والتفرقة  والذي كان وراء إعداده منافقون  لمنافسة  مسجد الرسول  قباء …
فالبناء مادي وروحي وعقلي ومعاملاتي …وبطبيعة الحال لاخير في كل «بناء « لم يقم على معرفة وصدق وإيمان بالعمل وغاياته النبيلة والشريفة المحققة للصالح العام في تكامل مع المصالح الخاصة الساعية للخير والتعاون والتكافل بعيدا عن الاستغلال والظلم والتعدي على حقوق الناس …
فبناء أي بيت على شفا جرف هار مآله الانهيار حتما قبل أن يتم بناؤه ، وحتى ما تبقى منه  تكون خطورته وسلبياته وأضراره  قائمة ..وكل عارف وعاقل لن يقدم على ذلك لأنه يدرك أن في ذلك تهورا ومضيعة للمال والوقت والجهد ومفسدة محققة …
وكل سياسة تبني برامجها ومخططاتها دون أن تنشئها وتقيمها على أرضية صلبة و متماسكة وبإنشاء أسس عميقة وقوية قادرة على حمل البنيان والبناء المطلوب الذي  يتجاوب مع المتطلبات ويحقق الغايات  على المدى القريب والبعيد ،  ويكون سكة سالكة  لبناء جديد متجدد أكثر صلاحا وأكبر فائدة ومردودية ، كما يحمل رؤية عملية وعلمية  تضمن تنمية وتقدما مطردين …
إننا عندما نجد «ثقافة « التربية على سلوك الاستهلاك والإلهاء والفرجة والعبث بالجسد باسم الموضة والتقليد والتبعية الحمقاء ..وعندما نسمع  بالفضاءات العمومية كلاما ساقطا مستفزا وغريبا  وهو في نظر أصحابه كلام وحوار عادي  بل متميز  يتم فيه  سب الأم والوالدين والله والدين والبلاد والناس على سبيل القدح والتحدي والبسط وأثناء الانفعال و الغضب  …وعندما ترى بعض الفضاءات تتحول إلى «ملاهي» عشوائية عبثية لاتقدم فكرا ولا فرجة ممتعة ومفيدة …بقدر ما تسعى إلى استنزاف ممنهج لجيوب الآباء والأمهات وإلهاء الأطفال وجعلهم يصابون بإدمان هوس اللعب بكل أنواعه في هدر للوقت ما بين الفضاءات العمومية والانترنيت …وعندما نقف على الهجمات التي تطال التعليم  وتنتهك حرماته وتسعى إلى تمييعه وتحقيره وإقحامه في متاهات تتسبب في إفشال كل إصلاح حقيقي  وجاد ..فمن الهجوم على العلوم الإنسانية والحقة ..،  والحروب التي خاضها أعداء التنوير والحرية والمعرفة ضد كل ما هو جميل ومفيد  من الفكر البشري  ..إلى الارتجالية  وعدم وضوح في الرؤية وضبابية في الأهداف ..إلى إثقال كاهل المؤسسات والأسرة التعليمية والمتمدرسين والأسر ..إلى عدم ربط التعليم والتكوين بالتنمية والمساهمة في البناء الاقتصادي والاجتماعي ..إلى جعل أجيال المستقبل حقل تجارب لاتراكم إيجابا بقدر ما تزيد الوضع تأزما وسلبية بشهادة الجميع …
إن كل من يوهم نفسه بأن الأمور تسير على أحسن حال ويتبع ذلك بنقد سطحي ومنتقى لحالات ووضعيات معزولة ، ويتعامل مع  جزئيات  من ظاهرة كبيرة بحجم مستقبل الأمة تائها خلف ظل الأزمة أكثر من جوهرها ..فإنه كمن يريد أن يبني بيتا على جرف هار ،  أو كما يقول المثل الشعبي « يبني أساسات البيت بالسلاحف أو الخنافس ..كلما وضع واحدة أو أكثر إلا وتترك مكانها وتختفي ..فلا يقوم بنيان ولا يكتمل وحتى إن أوقف بالإجبار والتجميد  فسرعان ما ينهار لأن كل أجزائه غير قابلة للالتحام والثبات الدائم لتشكل سورا أو بيتا أو قنطرة عبور من زمان متخلف لزمان متقدم  نتملك فيه ناصية الريادة  ..
فعندما تكون أجيال الغد مهملة …ضعيفة الإرادة ومحدودة المعرفة وضعيفة التجربة …مبعدة عن كل ما يثير الهمم ويحفز على الإبداع الإيجابي ويطور العقل …فذلك يعني ضياع رجال الغد وتعطيل مصالح ومستقبل الأمة …
إن الأسرة والشارع والإعلام والسلوك العام …جزء مهم من العملية التربوية والتعليمية وهي أجزاء محورية في أساسات البناء ..فإذا تكاملت المنظومات والإرادات  نجح التعلم والتأهيل ..وإذا كان التعارض والتضاد لا تنجوا  إلا قلة قليلة من كل المستهدفين والإحصاءات واضحة تعلق الأمر بنسب المتمدرسين  في بداياتهم  إلى المتمين لدراساتهم الابتدائية والإعدادية والثانوية إلى التعليم العالي ..الى ربط كل ذلك بالأفاق التي تنتظر كل تلك الأجيال ..
إن ما بني على باطل ولو بحسن نية فهو باطل طال الزمن أو قصر ..


الكاتب : بقلم : مصطفى المتوكل

  

بتاريخ : 29/09/2017