التكييف القانوني لمأساة التهجير القسري للمغاربة من الجزائر

نظمت كل من المنظمة المغربية لحقوق الإنسان و جمعية المغاربة ضحايا التهجير القسري من الجزائر سنة 1975 بشراكة مع كلية العلوم القانونية و الاقتصادية و الاجتماعية أكدال شعبة القانون العام، ندوة وطنية حول موضوع التهجير القسري للمغاربة من الجزائر سنة 1975، بمناسبة مرور 48 سنة على هذا الحدث المأساوي.

 

يعتبر تنظيم هذه الندوة المشتركة بين المنظمة المغربية لحقوق الإنسان و جمعية المغاربة ضحايا التهجير القسري من الجزائر سنة 1975 و بشراكة مع كلية الحقوق اكدال، واحدا من الأنشطة ذات البعد الحقوقي التي يتداخل فيها الإنساني، بالأكاديمي بالحقوقي السياسي كذلك نظرا للأبعاد المختلفة للملف خاصة على مستوى طبيعة الحدث في حد ذاته، باعتباره حدثا مأساويا خلف و مازال يخلف آثار إنسانية و نفسية، وجروحا مازالت لم تندمل بسبب عدم طيه بالشكل الذي يحقق الإنصاف و العدالة للضحايا و يحفظ الذاكرة الجماعية لهذه الأسر.
و قد ساهمت المنظمة المغربية من موقعها في دعم الأسر و مواكبتهم حقوقياً من أجل تحقيق مطلب جبر ضرر حقيقي يؤدي إلى تحقيق العدالة و يعيد بعضاً من كرامتهم التي تم انتهاكها ضداً عن القانون الدولي لحقوق الإنسان والقانون الدولي الإنساني و الاتفاقيات الدولية التي تعتبر الجزائر نفسها طرفاً فيها سواء أثناء الواقعة أو بعدها.
الحدث، بخروقاته الحقوقية، يحتاج إلى توصيف و تكييف قانوني وحقوقي من زاوية نظر القانون الدولي، خاصة من زاوية حقوق الإنسان، هذا التكييف هو الذي سيحدد طبيعة مسؤولية الدولة الجزائرية أمام الضحايا و أمام مختلف الآليات الدولية التي يمكن اللجوء إليها للانتصاف القانوني و الحقوقي، و سيرتب الجزاءات المفترض إيقاعها على مرتكبي هذا الفعل، خاصة الجزاءات الحقوقية منها دون الحديث عن الجوانب السياسية التي كانت هي الدافع المباشر في اتخاذ قرار التهجير والطرد القسري التعسفي للمغاربة الذين كانوا يقيمون في الجزائر بصفة قانونية في تلك الفترة.

سياق الحدث

الحدث لابد من وضعه في سياقه التاريخي المرتبط آنذاك بواقعتين دفعتا الدولة الجزائرية إلى اتخاذ هذا القرار التعسفي بالتهجير القسري للعمال المغاربة الذين كانوا يقيمون هناك رفقة أسرهم:
حدث القرار الاستشاري لمحكمة العدل الدولية مع كل تداعياته القانونية على ملف الصحراء، الذي شكل بداية الصدمة للدولة الجزائرية و جعلها تفكر في كيفية الانتقام من المغرب.
حدث المسيرة الخضراء التي قرر الراحل الحسن الثاني القيام به، الذي شارك فيه 350 ألف مغربي و مغربية، وانتهى بحسم الصراع ميدانيا لصالح مغربية الصحراء التي تم استرجاعها بشكل سلمي وحضاري، ودون إراقة أي قطرة دم، هنا لابد من أن نسجل ملاحظة كون هذا الرقم، أي عدد المشاركين في المسيرة ، هو نفسه الرقم الذي تم طرده من الجزائر في رد على 350 ألف مشارك في المسيرة، قابلهم 350 ألف مغربي و مغربية مطرودين من الجزائر، بمعدل 49ألف أسرة مغربية، هذا يفتح الباب أمام سؤال استغلال المدنيين في الصراعات السياسية بين الدول، خاصة من طرف الدولة الجزائرية رغم شموليتهم بالحماية القانونية الدولية؟
الترحيل أو الطرد التعسفي للعمال المهاجرين في القانون الدولي
القانون الدولي بشقيه الإنساني والقانون الدولي لحقوق الإنسان يحظر بشكل واضح كل أشكال الترحيل والطرد الجماعي المبني على التعسف والعنف و الإجبار بالقوة خاصة منه حين تنتفي فيه الإرادة الحرة للمهاجر في مغادرة التراب حيث يتواجد كمهاجر أو كعامل، و يمكن الاستدلال على ذلك ب:
الطرد كفعل من وجهة نظر الأمم المتحدة من خلال التعريف الذي قدمته الجمعية العامة سنة 2005 في لجنة القانون الدولي التابعة لها من خلال التقرير الأولي عن طرد الأجانب الذي قدمه المقرر الخاص موريس كامتو ” في ما يتعلق بعمليات الطرد الجماعي،فإن المبدأ المستخلص من القانون التعاهدي هو التحريم”.
بالتالي فالطرد الجماعي من منظور الجمعية العامة هو محظور بشكل واضح خاصة مع ما يمكن أن يصاحبه من انتهاكات حقوقية كالتي حدثت في حالة التهجير والطرد القسري للمغاربة من الجزائر، و يمكن تكييف الوقائع التي تعرض لها المغاربة المهجرون قسرا من خلال مجموع الخروقات التي تم ارتكابها وفقا للقانون الدولي لحقوق الإنسان، التي يمكن إجمالها في:
1 الخروقات التي شهدتها الاتفاقيات التالية
أ- الاتفاقية الدولية لحماية جميع العمال المهاجرين و أفراد أسرهم، من خلال ما يلي:
المادة 10 : نصت على عدم تعريض العمال لأي شكل من أشكال المعاملة المهينة أو الإنسانية
لا يعرض العامل المهاجر أو أي فرد من أسرته للتعذيب أو المعاملة أو العقوبة القاسية أو اللاإنسانية أو المهينة
المادة 16 نصت على حقوق العمال مهاجرين وقت اتخاذ قرار الطرد:
-1 للعمال المهاجرين وأفراد أسرهم الحق في الحرية والسلامة الشخصية.
-2 يحق للعمال المهاجرين وأفراد أسرهم الحصول من الدولة على الحماية الفعالة من التعرض للعنف والإصابة البدنية والتهديدات والتخويف، سواء على يد الموظفين العموميين أو على يد الأشخاص العاديين أو الجماعات أو المؤسسات.
-3 أي عملية تحقق من هوية العمال المهاجرين أو أفراد أسرهم يقوم بها الموظفون المكلفون بإنفاذ القوانين يجب أن تجري وفقا لإجراءات يحددها القانون.
-4 لا يعّرض العمال المهاجرون وأفراد أسرهم، فرديا أو جماعيا، للقبض عليهم أو احتجازهم تعسفا، ولا يحرمون من حريتهم إ لا لأسباب ووفقا لإجراءات يحددها القانون.
المادة 22 : حظرت الطرد الفردي أو الجماعي، و نظمته، لا يكون إلا بقرار إداري
– لا يجوز أن يتعرض العمال المهاجرون وأفراد أسرهم لإجراءات الطرد الجماعي. وينظر ويُبت في كل قضية طرد على حدة.
لا يجوز طرد العمال المهاجرين وأفراد أسرهم من إقليم دولة طرف إ لا عملا بقرار تتخذه السلطة المختصة وفقا للقانون.
يتم إخطارهم بالقرار بلغة يفهمونها. ويتم بناء على طلبهم وحيثما لا يكون ذلك إلزاميا إخطارهم بالقرار كتابة، وإخطارهم كذلك بالأسباب التي استند إليها القرار، عدا في الأحوال الاستثنائية التي يقتضيها الأمن الوطني. ويبلغ الأشخاص المعنيون بهذه الحقوق قبل صدور القرار أو على الأكثر وقت صدوره.
يحق للشخص المعني، عدا في حالة صدور قرار نهائي من هيئة قضائية، أن يتقدم بالأسباب المبررة لعدم طرده وأن تقوم السلطة المختصة بمراجعة قضيته، ما لم تقض ضرورات الأمن الوطني بغير ذلك. وريثما تتم المراجعة، يحق للشخص المعني طلب وقف قرار الطرد.
يحق للشخص المعني، إذا ألغي في وقت لاحق قرار بالطرد يكون قد نفذ بالفعل، أن يطلب تعويضا وفقا للقانون ولا يجوز استخدام القرار السابق لمنعه من العودة إلى الدولة المعنية.
في حالة الطرد، يمنح الشخص المعني فرصة معقولة قبل الرحيل أو بعده لتسوية أية مطالب متعلقة بالأجور وغيرها من المستحقات الواجبة الأداء له، ولتسوية أية مسؤوليات معّلقة.
دون المساس بتنفيذ قرار بالطرد، يجوز للعامل المهاجر أو لأي فرد من أفراد أسرته يخضع لهذا القرار أن يسعى للدخول إلى دولة أخرى غير دولة منشئة.
لا يمس الطرد من دولة العمل، في حد ذاته، أية حقوق للعامل المهاجر أو أحد أفراد أسرته تكون مكتسبة وفقا لقانون تلك الدولة، بما في ذلك حق الحصول على الأجور وغيرها من المستحقات الواجبة له.
المادة56
-1 لا يجوز طرد العمال المهاجرين وأفراد أسرهم المشار إليهم في هذا الجزء من الاتفاقية من دولة العمل إ لا للأسباب المحددة في التشريع الوطني لتلك الدولة ورهنا بالضمانات المقررة في الجزء الثالث.
لا يلجأ إلى الطرد كوسيلة لحرمان أي عامل مهاجر أو فرد من أفراد أسرته من الحقوق الناشئة عن الإذن بالإقامة وتصريح العمل.
عند النظر في طرد عامل مهاجر أو فرد من أفراد أسرته، ينبغي مراعاة الاعتبارات الإنسانية وطول المدة التي أقام الشخص المعني خلالها في دولة العمل.
المادة 83 حددت وسائل الانتصاف القانوني الفعال
تتعهد كل دولة من الدول الأطراف في هذه الاتفاقية بالقيام بما يلي:
أ- تأمين وسائل الانتصاف الفعال لأي أشخاص ُتنتهك حقوقهم أو حرياتهم المعترف بها في هذه الاتفاقية، حتى لو ارتكب الانتهاك أشخاص يتصرفون بصفتهم الرسمية.
ب- تأمين قيام السلطات القضائية أو الإدارية أو التشريعية المختصة، أو أية سلطة مختصة أخرى يقررها نظام الدولة القانوني، بإعادة النظر في دعاوى، أي أشخاص يلتمسون وسيلة للانتصاف والبت فيها، وإيجاد إمكانيات للانتصاف عن طريق القضاء.
ج- ضمان قيام السلطات المختصة بإعمال سبل الانتصاب
ب العهد الدولي الخاص بالحقوق المدنية و السياسية
خرق المادة 13 من العهد
لا يجوز إبعاد الأجنبي المقيم بصفة قانونية في إقليم دولة طرف في هذا العهد إلا تنفيذا لقرار اتخذ وفقا للقانون، وبعد تمكينه، ما لم تحتم دواعي الأمن القومي خلاف ذلك، من عرض الأسباب المؤيدة لعدم إبعاده ومن عرض قضيته على السلطة المختصة أو على من تعينه أو تعينهم خصيصا لذلك، ومن توكيل من يمثله أمامها أو أمامهم.
ج الميثاق الإفريقي لحقوق الإنسان و الشعوب في الفقرتين
خرق المادة 13 منه:في فقرتيه الرابعة و الخامسة:
4. ولا يجوز طرد الأجنبي الذي دخل بصفة قانونية إلى أراضى دولة ما طرف في هذا الميثاق إلا بقرار مطابق للقانون.
5. يحرم الطرد الجماعي للأجانب. والطرد الجماعي هو الذي يستهدف مجموعات عنصرية، عرقية ودينية.
د- الإعلان العالمي لحقوق الإنسان؛ فقد تم خرق المادة:
المادة 18: التي نصت على احترام الحق في الملكية، بحيث تم مصادرة أملاك المهاجرين المطرودين.
يمكن أن نسجل كملاحظة أن هذه المواد كلها منعت و حظرت بشكل واضح كل عمليات و أشكال الطرد و الترحيل القسري للعمال المهاجرين من أي دولة، و في حال اتخذ قرار الترحيل فهو لا يمكن أن يكون:
بشكل جماعي بل فردي.
لا يتم إلا بعد استنفاد وسائل الانتصاف الداخلي من قرارات إدارية وإمكانية الطعن أمام القضاء.
ثانيا: الخروقات الحقوقية التي تم انتهاكها:
من كل ذلك، يمكن إجمال مجموع الانتهاكات الحقوقية و الخروقات التي حدثت في:
السرعة التي اتخذ بها قرار الترحيل والتهجير وسرعة تنفيذه، ما بين 8 ساعات إلى 48 ساعة.
حرمان المهاجرين المغاربة المهجرين من سلوك مختلف المساطر التي يمكن أن توقف قرار الترحيل خاصة القضائية منها في خرق للمواد 9 و 10 و 12 منه. و المادة 17 من العهد الدولي الخاص بالحقوق المدنية والسياسية.
القرار لم تتخذه لا السلطات القضائية و لا الإدارية، بل اتخذته السلطة السياسية و نفذه الجيش و الأمن.
مصادرة أملاك المهجرين لفائدة الدولة الجزائرية.
مصادرة وحجز الوثائق الثبوتية للمهجرين.
حرمانهم من التواصل مع المحامين والمنظمات الحقوقية لحظة تهجيرهم انتهاك الحق في الدفاع و الانتصاف أثناء ترحيلهم.
تقسيم العائلات التي تتشكل من مغاربة و جزائريين، الأزواج
حرمان الأطفال المنحدرين من أب أو أم جزائريين، من والديه، تشتيت الأسر بحيث تم منع أحد الأزواج من الأصول الجزائرية من مرافقة أسرته المُرحلة و المطرودة من الجزائر قسراً.
حالات الاختفاء القسري لبعض المغاربة الدين لم يظهر لهم أثر إلى الآن.
انتهاكات خطيرة تعرض لها الأطفال من احتجاز و اعتداءات و تعنيف.

وسائل الانتصاف و آلياته:

هل هناك من آليات للانتصاف التي يمكن اللجوء إليها من طرف أسر الضحايا؟
1 وسائل الانتصاف داخل الجزائر ذات طبيعة منعدمة لاعتبارات عدة منها:
إن الرهان على أي طريقة من طرق الانتصاف القانوني داخل الجزائر هي مستحيلة، لاعتبارات عدة:
غياب آليات انتصاف قانوني داخل الجزائر مستقلة تفتح الباب أمام المغاربة المطرودين تعسفا من اللجوء إليها.
الجهات المؤسساتية التي أمرت و نفذت عملية التهجير هي نفسها اليوم الماسكة بمقاليد الحكم في الجزائر.
الجزائر لم تعش عملية انتقال خاصة في جانبها الحقوقي و التي من شأنها أن تكون قد عالجت الانتهاكات الحقوقية التي حدثت في تلك الفترة على رأسها حدث ترحيل المغاربة وطردهم.
لهذه الاعتبارات يمكن القول بشكل جازم إنه لا يمكن الرهان على سلوك أي وسيلة من وسائل الانتصاف الداخلي.
2 وسائل الانتصاف الدولي:
تبقى الآليات الأممية و القضاء الدولي هما الوسيلتان المتاحتان من أجل تحقيق الانتصاف، و يمكن الإشارة هنا إلى العمل الذي قامت به المنظمة المغربية لحقوق الإنسان في الترافع الدولي خاصة لدى مجلس حقوق الإنسان لطرح الملف من مراسلة المقررة الخاصة للاختفاء القسري، تنظيم ندوة داخل مجلس حقوق الإنسان، مصاحبة الضحايا و دعمهم قانونيا و حقوقيا…
و على العموم يمكن إجمال سبل الانتصاف القانوني، منها:
محكمة العدل الدولية: آلية يمكن اللجوء إليها لاستصدار قرار استشاري بخصوص الملف، قد لا يكون ملزماً للدولة الجزائرية لكنه أخلاقيا و حقوقياً سيشكل عامل دعم للضحايا و نوع من الإنصاف القانوني، و هي آلية مفتوحة أمام الضحايا لاستجماع ملف قانوني لتقديمه أمام المحكمة.
مجلس حقوق الإنسان و آليته الأممية: يظل آلية فعالة من أجل انتزاع اعتراف أممي بوضعية المهجرين المغاربة قسرا من الجزائر، خاصة أمام :
اللجنة المعنية بحماية حقوق جميع العمال وأفراد أسرهم وقد سبق لها سنة 2018 أن وجهت ملاحظات بشأن التقرير الدوري الثاني للجزائر في مادتيها 37 التي تشير إلى المصادرة غير القانونية لممتلكات المغاربة المهجرين، و 38 التي تؤكد على ضرورة ضمان رد الممتلكات المصادرة لأصحابها مع التشديد على ضرورة تفعيل عمل اللجنة الثنائية المغربية الجزائرية التي تشكلت لمعالجة هذا الملف.
اللجنة المعنية بحالات الاختفاء القسري التي سبق لها أن أصدرت تعليقا عاما رقم 1 سنة 2023 بشأن الاختفاء القسري في سياسة الهجرة،
و نصت على ضرورة ضمان مجموعة من الحقوق منها الحق في جبر الضرر، و تحقيق العدالة والإنصاف.
هناك لجان أممية أخرى يمكن اللجوء إليها كلجنة حقوق الطفل، لجنة القضاء على كل أشكال التمييز ضد الأطفال و غيرها من اللجان الأممية.
يمكن القول في الختام، إن عملية التهجير القسري للمغاربة المقيمين بالجزائر تمت بقرار من الدولة الجزائرية، و اتصفت بالطابع الممنهج الموجه، و الذي استهدف العمال المغاربة المهاجرين بالجزائر، مما يجعل من الدولة الجزائرية مسؤولة بشكل مباشر عن ضرورة إنصاف الضحايا، و تعويضهم عن كل الأضرار التي لحقتهم، و إرجاع ممتلكاتهم التي تم مصادرتها بشكل غير قانوني لفائدة الدولة الجزائرية.

(*)نائب رئيس المنظمة المغربية لحقوق الإنسان


الكاتب : نوفل البعمري

  

بتاريخ : 20/05/2024