الثقافة الكورية «تهيمن» على تفاصيل الحياة اليومية لعدد منهم.. شباب مغاربة يتعقبون «الهاليو» لباسا، أكلا، فنّا وعبر تمظهرات مجتمعية مختلفة

 

شهد العالم العربي خلال السنوات الأخيرة استيرادا هائلا لعدد من المظاهر المختلفة لثقافات أجنبية، من أبرزها الثقافة الكورية التي اقتحمت البيوت العربية دون أن تطرق بابها، وذلك بعد انتشار مسلسلاتها، وتصدر فن الموسيقى الكوري المعروف بـ K-pop لكبريات المحافل والمنصات العالمية. واستطاعت موجة «الهاليو»، وهو مصطلح يشير إلى تدفق الثقافة الكورية، أن تجد ملاذا لها بين فئة الشباب المغاربة، إذ يعد المغرب من بين الدول التي تتوفر على قاعدة جماهيرية ضخمة من عشاق هذه الثقافة، الذين يعقدون بصفة دورية فعاليات وأنشطة متعلقة بها، من أبرزها الأسبوع الثقافي الكوري الذي تنظمه السفارة الكورية لتعزيز التقارب الثقافي بين الشعبين.
تفاعل، يرى عدد من المتتبعين، أنه لم ينشأ بين عشية وضحاها، إذ تتميز العلاقات المغربية الكورية بصداقة متينة وبتعاون مثمر يجمع بين البلدين في مجالات عدّة، ومن الجدير بالذكر أن المغرب يعدُّ أول بلد إفريقي افتتح سفارة له في كوريا الجنوبية سنة 1962، وهو ما يعكس إقبال المغاربة على هذه الدولة منذ ذلك الوقت. مما يدفع لطرح أسئلة متعددة منها، من قبيل كيف استطاعت ثقافة «الهاليو» استقطاب الشباب المغاربة؟ وهل يؤثر استهلاكها على الهوية المغربية؟
لقد بدأ الأمر حين شرعت كوريا الجنوبية في تنفيذ مشروعها نحو «عولمة ثقافتها» منذ نهاية التسعينات، بعد أن اكتسحت بعض أعمالها الدرامية السوق اليابانية والصينية، لتصوب لاحقا نظرها نحو قارّات العالم الأخرى، لا سيّما بعد أن أدركت أهمية الأعمال الدرامية والموسيقى الشعبية K-pop ودورها في نشر «صيتها الدولي»، لتقوم حينها الحكومة الكورية بوضع خطة محكمة ومتقنة في تطوير صناعة الإنتاج السينمائي والدرامي التلفزيوني والموسيقى، وتفتح مجالات الاستثمار بقوة في تلك الصناعات وتقيم شراكات متعددة مع أكبر مؤسسات الإنتاج الفني، من أبرزها شركة «نيتفليكس» التي أسهمت في نشر الثقافة الكورية حول العالم.
وبالفعل فقد حطّت الثقافة الكورية رحالها في المجتمع المغربي، واستطاعت جذب انتباه شبابه الذي وجد في اختلافها نوعا من الألفة، فأصبحنا نرى هذا التأثر بوضوح في نمط اللباس الذي يتبناه الشباب المعجبون، إذ يحرصون على ارتداء ملابس تتماشى مع صيحات الموضة الكورية، إلى جانب انتشار قصّات الشعر المتنوعة بألوانها الجريئة المستوحاة من إطلالات النجوم الكوريين، مما يعبر عن مدى تأثرهم وإعجابهم بهذه الثقافة. وعلى نفس المنوال انتشرت في الآونة الأخيرة مطاعم كورية، عرفت إقبالا عليها من المعجبين طبيعة ومذاق الأطباق الكورية الشهيرة. ويبرز هذا الاهتمام كذلك من خلال المناسبات والتجمعات التي ينظمها محبو هذه الثقافة، إضافة إلى الحفلات الغنائية التي تحييها العديد من الفرق الغنائية الكورية في مختلف المدن المغربية، كان آخرها مشاركة فرقة «Ateez» بمهرجان موازين؛ حيث تميزت الأمسية بأعلى عدد من الحضور واعتبرها الكثيرون الليلة الأشد حماسا خلال عروض هذه النسخة من المهرجان.
هذا التأثر الملحوظ قد يؤدي بالبعض إلى التساؤل حول احتمال وجود بعض الخطورة على هوية هؤلاء الشباب، إلا أن الدكتور زكرياء أكضيض، أستاذ علم الاجتماع بجامعة القاضي عياض بمراكش ومدير مركز الدراسات والأبحاث- مدى، يوضح إجابة عن سؤال «الاتحاد الاشتراكي» بهذا الخصوص، منطلقا بداية من أن «التأثر بالنماذج الأجنبية مرتبط بمرحلة الشباب التي تتسم بمساءلة النموذج الثقافي السائد والتمرد عليه سعيا لنيل بعض الاعتراف، إلا أن استهلاك مجموعة من المنتجات والمظاهر الثقافية الأجنبية عموما والكورية على وجه الخصوص لا يمس بالضرورة بأصالة الشخصية المغربية بقدر ما يجعلها قادرة على الحضور وفق قوالب جديدة؛ فمثلا وبالعودة إلى بداية الألفينيات، كنّا نرى كيف تأثر الشباب المغربي بثقافة الهيب هوب التي اجتاحت الملبس والمأكل وحتى اللغة، غير أن فئة الشباب حينها استطاعت إعادة تشكيل هذا النمط الغنائي وإخضاعه للثقافة المغربية لغة ومضمونا ليصير الراب بذلك جزءً من الموسيقى الوطنية المغربية التي أصبحت بدورها اليوم واحدة من عناصر الثقافة المغربية المعاصرة».
وأضاف الدكتور أكضيض في تصريحه للجريدة، بأن «الهوية المغربية كغيرها من الهويات تخضع لنوع من التثاقف مع باقي النماذج الثقافية الأخرى. غير أننا وفي هذا السياق ينبغي علينا التمييز بين ما هو سياسي يخدم الرهانات السياسية وبين ما هو ثقافي يخضع لطابع التثاقف الذي سارت عليه الإنسانية منذ وُجدت، وذلك لأنّ انتشار ثقافة أجنبية لا يرتبط حصرا باختيارات الشباب الفردية فحسب، بل يستدعي أبعادا أخرى خارج نطاق وعي هذه الفئة المتأثرة، منها الصراع الاقتصادي الدولي الذي يشكّل أحد العوامل الأساسية في هيمنة نموذج ثقافي بعينه؛ بمعنى أنّ هذه الثقافة تخضع بدورها لموازين القوى العالمية المتغيرة فإما أن تتوسع وتتمدد وإما أن تتعرض إلى التقلص والانكماش».
وإذا كانت «الموجة الكورية» التي تتخذ أشكالا وأنماط مختلفة، والتي تحظى باهتمام فئة ليست بالهيّنة من الشباب، إناثا وذكورا، الذين يتعقبون تفاصيلها عبر مواقع التواصل الاجتماعية ويبحرون وسط أمواج الشبكة العنكبويتة سعيا وراء كل ما يتعلق بها، فإنها تبقى بحسب عدد من المتتبعين والمهتمين، لحظة زمنية حبلى بالمستجدات والمتغيرات على غرار لحظات سابقة، إذ أن كل فترة زمنية تشهد هيمنة نمط جديد من الثقافات التي تحصد اهتمام العالم بأسره كما يحدث الآن مع ثقافة «الهاليو»، التي تبحث لها عن موقع ضمن ثقافات دول أخرى.

 


الكاتب : زينب مديح صحافية متدربة

  

بتاريخ : 29/07/2024