الثلوج تحاصر الحوز وجهود متواصلة لفك العزلة

مع كل موجة برد قاسية، يعود إقليم الحوز إلى الواجهة، خاصة أن الساكنة تختبر حدود صمودها اليومي أمام التساقطات الثلجية الكثيفة، والطرق مقطوعة، انقطاع الكهرباء والاتصالات، وتعطل الخدمات الأساسية، مقابل جهود متواصلة لفك العزلة والتخفيف من المعاناة.
في هذا الروبورطاج، ترصد “الاتحاد الاشتراكي” ملامح هذه الوضعية الاستثنائية من قلب الميدان، بين قسوة المناخ، وتحديات البنية التحتية، واستجابات السلطات، وآمال الساكنة التي ترى في الثلوج، رغم معاناتها، بشائر موسم فلاحي واعد.

تعيش ساكنة جبال إقليم الحوز على وقع موجة برد قاسية مصحوبة بتساقطات ثلجية كثيفة، تسببت في شلّ حركة التنقل وتعطيل عدد من المرافق الحيوية، وأعادت إلى الواجهة هشاشة البنية التحتية بالمناطق الجبلية.
فقد أدّت كثافة الثلوج إلى انقطاع الطرق والمواصلات، فضلاً عن التيار الكهربائي وشبكة الهاتف النقال بعدد من الدواوير، خاصة بدواوير مشيخة الزات وآيت إنزال التابعة للجماعة الترابية تيغدوين.
كما شهدت الجماعة الترابية الثوامة انقطاعاً كلياً للتيار الكهربائي دام يوماً كاملاً، ما زاد من معاناة الساكنة في ظل البرد القارس.
وفي الجماعة الترابية تمگرت، تسببت الأمطار القوية المصحوبة برياح شديدة في سقوط عدد من أعمدة الكهرباء بمختلف الدواوير، الأمر الذي فاقم من وضعية الانقطاع وصعّب عملية التدخل السريع لإعادة التيار.
وقال رشيد مرابط المستشار الجماعي بتمكرت في تصريح لـ”الاتحاد الاشتراكي” إنه أمام هذه الأوضاع الاستثنائية، أطلقت مؤسسة دار الأمومة نداءً عاجلاً لساكنة دائرة الثوامة، التي تضم ثماني جماعات ترابية، دعت فيه النساء الحوامل إلى الالتحاق الفوري بالمؤسسة، تفادياً لأي مخاطر قد تعكّر ظروف الولادة في ظل انقطاع الطرق وصعوبة التنقل. وقد لقي هذا النداء تفاعلاً إيجابياً، عكس درجة الوعي بخطورة المرحلة.
وتنفس السكان الصعداء مع قرار إنشاء مستشفى عسكري ميداني بمنطقة ويركان بقرار من الملك محمد السادس القائد الأعلى للقوات المسلحة الملكية ورئيس أركان الحرب العامة، لكون هذه البنية الصحية توفر بفضل إمكاناتها اللوجيستية والبشرية الاستجابة السريعة لحاجيات السكان، في مناطق يشكل الهاجس الصحي في ظل هذه الظروف المناخية الصعبة التي تفاقم من عزلة الدواوير النائية الموجودة في مناطق جبلية وعرة.
من جهة أخرى، وبالرغم من قساوة الظروف المناخية، خلفت هذه التساقطات ارتياحاً كبيراً في نفوس الساكنة، لما تحمله من مؤشرات إيجابية على موسم فلاحي واعد، خاصة بعد فترات من الجفاف التي أثقلت كاهل الفلاحين بالمنطقة.
أما بـالجماعة الترابية زرقطن، فقد أدت الثلوج الكثيفة إلى قطع الطريق الوطنية رقم 9 وانسداد عدد من الطرق والمسالك المحلية. غير أن التدخل السريع لآليات مندوبية التجهيز، إلى جانب آليات الجماعة الترابية زرقطن، ساهم في فتح المحاور الطرقية وإعادة الحركة تدريجياً إلى هذه الشرايين الحيوية.
وسُجِّل أيضاً انهيار مدرسة متنقلة بدوار إسمَران التابع للجماعة الترابية تيغدوين بسبب ثقل الثلوج. ولحسن الحظ، لم تُسجّل أي إصابات في صفوف التلاميذ، إذ تزامن الحادث مع توقيف الدراسة بالمناطق الوعرة، تنفيذاً لمذكرة وزارية احترازية بسبب التقلبات المناخية.
وقالت المستشارة الجماعية والفاعلة الجمعوية بتغدوين فاطمة واعلي، في تصريح للاتحاد الاشتراكي، إن السكان رغم الظروف الصعبة، استبشروا خيرا بتساقط الثلوج، و لا سيما أنهم عانوا كثيرا مع سنوات الجفاف، علما أن عيشهم يرتكز على الأنشطة المرتبطة بالفلاحة المعاشية. وأضافت أن أكبر مشكل عانت منه المنطقة، هو إغلاق الطرق، في ظل تعطل آلية إزاحة الثلوج التابعة للجماعة، وهو ما دفع إلى الاستعانة بآليات شركة خاصة لفك العزلة.
وأضافت أن من المشاكل التي واجهها السكان في هذه الظروف الصعبة، هو أن هذه التساقطات الثلجية تزامنت مع موسم جني الزيتون، الذي يعد نشاطا مهما للسكان و موردا لعيشهم.
وأوضحت فاطمة واعلي أن المشكل الأكبر بالمنطقة هو انقطاع شبكة الاتصالات الهاتفية و الأنترنيت، التي تتعطل كلما ترددت الرياح والأمطار والثلوج، و هو ما يضاعف من عزلة المناطق النائية خاصة في دوار “واكور” حيث يصبح من المستحيل معرفة ما يحدث أو طلب الاستغاثة في حال وقوع طارئ. واعتبرت أنه رغم المشاكل التي يطرحها تساقط الثلوج بالظروف الصعبة التي تصاحبها، إلا أنها تحمل مؤشرات إيجابية على مستوى الاقتصادي. حيث لوحظ إقبال كبير من قبل السياحة الداخلية يوم الأحد 22 دجنبر الجاري على منطقة تيزي نلايلات، وهو ما يدعو إلى تكثيف الجهود لترويجها سياحيا.
ويقول السكان إن المواطنين في الدواوير النائية يقضون وقتا طويلا في إزاحة الثلوج التي تتراكم فوق بيوتهم، بما تسببه من تسرب المياه من السقوف إلى الداخل، ويؤكدون أنهم يعيشون تحت ضغط الخوف من أن يؤدي تراكمها إلى انهيار السقوف بسبب ثقل الثلوج المتجمعة.
وتؤكد المعلومات الواردة من مناطق الزلزال، أن عددا من الأسر التي مازالت تقطن في الخيام، تواجه ظروفا صعبة بسبب الثلوج وما يصاحبها من برودة قاسية، و هو ما يجعلها تعيش تحت إكراهات تأمين التدفئة اللازمة داخل خيام مهترئة مرممة بالبلاستيك و الكرتون، لا تستطيع عزل مجال عيش هذه الأسر عن المحيط البارد.
و يشتكي سكان جماعة آيت احكيم آيت يزيد من الانقطاع المتكرر للتيار الكهربائي الذي تشهده كل الدواوير التابعة للجماعة، إضافة إلى الانقطاع شبه الكلي لشبكة الاتصالات (لجميع الشركات)، وهو ما يزيد من معاناة الساكنة، خصوصاً في ظل التقلبات المناخية الصعبة التي تعرفها المنطقة. و يؤكدون أن هذا الوضع يحرم عدداً من الدواوير من أبسط شروط العيش الكريم، ويجعل طلب المساعدة أو التواصل مع الجهات المعنية أمراً شبه مستحيل، خاصة في الحالات الاستعجالية.
و في ظل هذه الظروف ضاعف مسؤولو الإدارة الترابية زياراتهم الميدانية للمناطق المعنية، و في هذا الإطار قام عامل إقليم الحوز بزيارة لمنطقة سيتي فاظمة التي عرفت تساقطات كثيفة للثلوج للاطلاع على مدى جاهزية فرق اليقظة لمواجهة الإكراهات التي يعانيها السكان بسبب التقلبات الجوية و موجة البرد سواء على مستوى صعوبة التنقل بما يحمله من آثار على تأمين حاجيات العيش و مواجهة الطوارئ الصحية.
و بموازاة ذلك تتواصل عملية توزيع المساعدات لفائدة سكان المنطقة المتضررين من موجة البرد والتساقطات الثلجية، وذلك في إطار مبادرة إنسانية تشرف عليها السلطات المحلية، بدعم من مؤسسة محمد الخامس للتضامن، قصد التخفيف من معاناة الأسر القروية وتعزيز روح التضامن الاجتماعي في هذه الظروف المناخية القاسية.
وتبقى موجة البرد الحالية اختباراً حقيقياً لقدرة ساكنة جبال الحوز على الصمود، كما تطرح بإلحاح ضرورة اعتماد مقاربات استباقية ومستدامة، تُعزّز البنية التحتية، وتؤمّن الخدمات الأساسية، وتحدّ من تكرار سيناريو العزلة والمعاناة الذي يتجدد مع كل شتاء.


الكاتب : مراكش: عبد الصمد الكباص

  

بتاريخ : 25/12/2025